كريستوف أندريه والتأمل الاسترشادي: “مساحة للتنفس”

3 دقائق
كريستوف أندريه
shutterstock.com/Master1305

هل تجد صعوبة في التعامل مع الضغوط وإدارتها بشكل يومي؟ هل تطغى عليك الانفعالات وتستهلك كل طاقتك؟ يقترح عليك كريستوف أندريه الطبيب النفسي والخبير في التأمل، البدء في تعلم تمرين بسيط، يُعرف بـ "مساحة التنفس"، ويمكنك ممارسته في أي وقت من اليوم؛ بأن تخصص لنفسك ثلاث دقائق للتأمل.

  • كن على وعي بالحاضر
  • كن حاضر الذهن أثناء تنفسك
  • عد للعمل من جديد

ما هو التأمل الاسترشادي بواسطة كريستوف أندريه؛ الطبيب النفسي وخبير التأمل؟ تعرف على تمرين "مساحة التأمل" الذي سيتيح لك اكتساب فن التأمل وممارسته يومياً.

"أدعوكم لتعلم تمرين بسيط للغاية يسمى "مساحة التنفس"، ويستغرق هذا التمرين الصغير حوالي ثلاث دقائق، كما يمكن ممارسته على مدار اليوم".

تُقسم تلك الدقائق إلى ثلاث مراحل؛ مدة كل منها حوالي دقيقة واحدة.

  • الخطوة الأولى: استحضار كل ما يمر بي في الحياة.
  • الخطوة الثانية: أخذ الوقت الكافي لممارسة التنفس الجيد في هذا الموقف.
  • الخطوة الثالثة: العودة لما أفعله. إن الأمر في غاية البساطة.

أقترح عليك البدء على الفور. عند القيام بمثل هذه التمارين، ينبغي اتخاذ وضعية مناسبة؛ وضعية الجلوس بشكل عام، مع محاولة جعل الظهر مستقيماً، والكتفين في وضع الاسترخاء، بينما الرأس مستقيم؛ ولكن دون تيبس. تتمثل وضعية الراحة الذهنية في عدم الضغط على نفسك. ونفس المجال للسكينة، ونتبع التعليمات عندما يكون التأمل استرشادياً، دون أن نقول في أنفسنا: "عليك أن تفعل ذلك بصورة صحيحة أو لا..." إن الهدف هو بذل قصارى جهدك، واتباع الإرشادات وسيأتي كل شيء آخر من تلقاء نفسه.

كن على وعي بالحاضر

في الخطوة الأولى؛ كل ما عليك فعله هو إذكاء وعيك بالتجربة التي تمر بها في تلك اللحظة، سواء أتركت عيناك مفتوحتين أم أغمضتهما. راقب ما تشتمل عليه تجربتك الحالية، وابقَ واعياً لطريقة تنفسك، وركز تمام التركيز على أنفاسك، دون محاولة التنفس بطريقة معينة؛ من خلال البطن أو غير ذلك. دع جسمك يتنفس، فهو يعرف تماماً كيف يفعل ذلك. خذ الوقت الكافي لتشعر بآلية تنفسك، مرور النفس، الشهيق، الزفير... خذ الوقت الكافي للتواصل أيضاً مع جسدك: ما هي الأحاسيس الجسدية التي تسكنك في هذه اللحظة؟ أي منها يتبادر إلى ذهنك على الفور؟ هل هذه الأحاسيس سارة أم غير سارة؟ وأياً كانت؛ اسمح لها بالتواجد بداخلك، يمكنك أيضاً التركيز على الأصوات المحيطة بك، فلست بحاجة لصمت مطبق للتأمل. مرحباً بالأصوات، سواء أكانت مزعجة أم لطيفة أم متوقعة أم غير متوقعة... ففي الأساس؛ كل ما تتكون منه تجربتك -سواء أكان التنفس أم حالة الجسد أم الأصوات المحيطة- محل ترحاب. عندما تبدأ في التأمل، فأنت لا تسعى للانعزال عن العالم؛ بل تسعى لتكوين علاقة مدهشة معه، يسودها الهدوء واللطف. وبطبيعة الحال؛ تشتمل تجربتك الحالية على أفكارك، فبماذا تفكر في تلك الأثناء؟ ما هي الأفكار، بشكل أكثر تحديداً، التي تلوح لك وتعبر ذهنك، في كل ثانية تمر عليك تلو الأخرى، ولحظة بلحظة؟

وكما ترى، فالجزء الأول من هذا التمرين، عبارة عن وقت يتصل فيه المرء بذاته؛ إذ ينصب جل انتباهك على ما تشتمل عليه تجربتك، لذلك فإذا كنت غاضباً؛ راقب مدى انعكاس هذا الغضب على جسدك، وكيف أصبح تنفسك غاضباً، وعقلك غاضباً أيضاً. أما إذا كنت منفعلاً أو سعيداً أو متأثراً؛ راقب أثر ذلك على جسدك، وكيف يغير ذلك من الطريقة التي تتنفس بها، وما هي الأفكار التي تتولد على إثر ذلك.

كن حاضر الذهن في أثناء تنفسك

أما في الخطوة الثانية، فسوف تركز انتباهك على تنفسك فقط، ولتقم بذلك بأفضل ما يمكنك. أحياناً لا يكون الأمر سهلاً؛ لكن ما يهم هو أن تبذل قصارى جهدك. حاول التركيز جيداً على حركة تنفسك، بالشعور بالهواء الذي يدخل مع كل شهيق ثم يخرج مع كل زفير. حاول أن تشعر بحركة صدرك ومعدتك وهي ترتفع وتنخفض مع كل زفير وشهيق، وأن تلحظ ما يحدث في جسدك بأكمله عندما تأخذ نفساً، وما هي التغيرات البسيطة، والأحاسيس التي يمكن أن تسري في قدميك أو يديك أو ظهرك أو وجهك... اطرح على نفسك هذا التساؤل: ما الذي يحدث في جميع أنحاء جسدك عند التنفس؟ كما لو كنت تتنفس بكامل جسدك، وليس من خلال صدرك وحجابك الحاجز فحسب. هذه المرحلة الثانية؛ وهي مرحلة مجرد تواجد النفس.

عد للعمل من جديد

في المرحلة الثالثة؛ والتي تستغرق دقيقةً واحدةً أيضاً، سوف تستعيد انتباهك تدريجياً، بدءاً من أنفاسك، ثم استرعاء الانتباه مجدداً لأحاسيسك الجسدية، كما للأصوات من حولك، ولتدفق أفكارك التي لم تتوقف بالطبع بينما كنت تركز على التنفس وعلى مشاعرك العاطفية... عُد ببطء لكل مكونات هذه التجربة الخاصة بك وحدك، ويمكنك حينها فتح عينيك مجدداً.

يشبه هذا التمرين آلية عمل الساعة الرملية، فنحن نبدأ من تجربتنا ككل؛ والتي نأخذ في ملاحظتها، والترحيب بها، ثم نركز انتباهنا على التنفس، وفي النهاية نعيد تركيز انتباهنا على التجربة ككل. إنه نوع من الالتفاف، فأنا أشعر بشيء ما -سواء أكان ذلك شعوراً ساراً أم غير ذلك- وآخذ الوقت الكافي لملاحظة ما يشتمل عليه هذا الشعور. آخذ الوقت الكافي للتنفس جيداً من أجل التعمق في شهودي لهذا الموقف، وذلك قبل العودة لجميع أحاسيسي ومشاعري وأفكاري المرتبطة بهذا الموقف، ومن ثم أعاود العمل.

هذا نموذج لتمارين التأمل؛ والتي غالباً ما تتمثل في التفافات صغيرة لفهم ما يحدث لنا بشكل أفضل، وربما لتهدئة كياننا عندما نواجه ما هو غير سار؛ لكن ذلك بالطبع من شأنه تعزيز ما نشعر به عند المرور بما يضفي المتعة على أنفسنا!

ويوضح هذا التمرين أيضاً أنه لا ينبغي فصل التأمل عن الحركة، فلا توجد أوقات في حياتي أتأمل فيها وأوقات أخرى أتصرف فيها دون وعي مني بما أفعله. وللشعور بهذه التجربة؛ أفضل ما يمكن فعله هو دمج هذه الأوقات التأملية قدر الإمكان ضمن جدول حياتي اليومي".

المحتوى محمي