انهارت مشاعري في هذا الصباح، كنت أشعر بالتعب الشديد جراء الإصابة بنزلة برد صعبة جداً. أطفالي على أبواب الامتحانات ولدي الكثير من العمل والمهام التي يجب أن أنجزها، فوق هذا وذاك، ثمة مشكلات عالقة وأظن أنها فترة عصيبة ربما ستطول. اليوم طلب مني ابني أن أشرح له مسألة صعبة، شرحتها مراراً وتكراراً ولكنه كان مشغولاً باللعب مع أخيه، تماسكت بصعوبة أمامه لكني دخلت غرفتي وبدأت بالبكاء، شعرت بالرضا لأنني تمكنت من الحفاظ على سير صباحنا بسلاسة، ولأني نجحت مجدداً في إخفاء أوجاعي عن أطفالي، لكن هل ما فعلته كان أمراً صحياً؟ وهل يجب علينا إعلان المشاعر السلبية أمام الأطفال أم كتمانها؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي الفوائد التي قد تجنيها عندما تشارك أوجاعك مع أطفالك؟
تؤكد الطبيبة النفسية، ميشيل شيرمان (Michelle D. Sherman)، أن الأطفال يتمتعون بقدرة إدراكية لا تُصدق، وإذا كان ثمة شيء ما يحدث معك فسوف يعرفون، بالطبع أنت تميل إلى حماية أطفالك من أي مشاكل، ولكن الحقيقة هي أن التعبير عن أوجاعك أمام أطفالك قد يعدّ أمراً صحياً، وذلك للأسباب التالية:
1. خلق حالة من الانفتاح المتبادل
عندما تشارك مع أطفالك أوجاعك ومشاكلك فإنك تشجعهم في المقابل على مشاركة أوجاعهم ومشاكلهم، علاوة على ذلك، فإن الأطفال الصغار يقلدون الكبار، خاصة الوالدين، ولهذا حين تعبر عن عواطفك ومشاعرك السلبية تعبيراً صحياً سوف يتعلم أطفالك من خلال مراقبة سلوكك فعل الشيء نفسه مستقبلاً، وفي هذا السياق يوضح الطبيب النفسي، أسامة الجامع، أن الطفل حين يسأل والدته ماذا بها وتجيبه بأنها بخير وهو لا يراها بخير سوف يحس بالتناقض، وهذا التناقض سوف يؤدي إلى الشعور بالألم، لهذا عبّر عن مشاعرك لأبنائك.
2. بناء التعاطف والتفاهم
حين تعبر عن أوجاعك أمام أطفالك فأنت تُظهر لهم أننا بشر وأننا نمر في بعض الأحيان بمشاعر صعبة، ومع مرور الوقت، سوف يساعد هذا الأمر على تعميق ارتباطك بأطفالك، وسوف يسمح لهم بتطوير عاطفة الرحمة والتعاطف مع الآخرين الذي يمرون بأوقات صعبة وصراعات حياتية مختلفة.
3. تخفيف حدة الشعور بالقلق والارتباك عند أطفالك
حين تواجه مواقف الحياة الصعبة، أو تحس بالانزعاج وتداهمك المشاكل قد تظن مثلي أن الحل الأمثل هو إخفاء مشاعرك عن أطفالك، ولكن الحقيقة هي أن الأطفال يلتقطون الإشارات العاطفية وأحياناً يلتهمهم الشعور بالقلق والارتباك، خاصة حين تخبرهم بأنك بخير وهم متأكدون من أنك لست كذلك، في هذه الحالة أنت تخلق لديهم شعوراً عميقاً بالارتباك والخوف، ولكن لو فكرت بأن تعبر عن انزعاجك وتكون صادقاً بشأن مشاعرك فسوف تخفف حدة شعورهم بالقلق.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر نشر صور أطفالك على الإنترنت في نفسيتهم؟
فكر في هذه الجوانب قبل أن تعلن عن أوجاعك أمام أطفالك
الأطفال الذين يكبرون في أُسر يعبر أفرادها عن مشاعرهم على نحو مفتوح عادة ما يطورون مهارات تنظيم العواطف الصحية، ويصبحون مستقرين نفسياً في مرحلة البلوغ، وعلى الجانب الآخر، قد يعاني الأطفال الذي يكبرون في أُسر يكبت أفرادها مشاعرهم أو يتجاهلونها صعوبات في تنظيم العواطف، ويواجهون مشاكل الصحة النفسية في وقت لاحق من الحياة، ويمكن القول إن الإحباط والحزن وخيبة الأمل مشاعر طبيعية سوف تواجهك من وقت إلى آخر، علاوة على ذلك فإن التعبير عن تلك المشاعر يساعد على تقليل التوتر وتعزيز التعافي.
على الرغم من ذلك، فإن تعبيرك عن أوجاعك ومشاعرك أمام أطفالك ليس مفتوحاً دون قيد أو شرط أو معايير واضحة، إذ هناك مجموعة من الأمور يجب أن تأخذها في الاعتبار قبل إظهار مشاعرك أمام أطفالك وذلك مثل:
1. فرّق بين التعبير عن أوجاعك والانفجار العاطفي
بداية يجب أن تعلم جيداً أن هناك فرقاً بين التعبير العاطفي الصحي والانفجارات العاطفية التي قد تؤدي إلى ارتباك الأطفال أو خوفهم، فمن المهم أن تكون قدوة في تنظيم عواطفك وتعلّم أطفالك كيفية التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية وبناءة.
2. لا تُحمّل أطفالك مسؤولية التعامل مع أوجاعك
حين تتحدث عن المشاكل التي تواجهك وتحكي عن أوجاعك لأطفالك لا تنتظر منهم حلولاً أو تضعهم في دائرة المسؤولية، وعلى الجانب الآخر، تذكّر جيداً أن طفلك ليس صديقك المفضل الذي يستمع إلى مشكلاتك جميعها ويحاول حلها معك، فهو في حاجة إلى الشعور بالأمان والطمأنينة. بالطبع عليك أن تكون صادقاً في مشاعرك ولكن في المقابل لا تُحمّل أطفالك مسؤولية التعامل مع أوجاعك لأنها أكبر منهم، ولا تعتمد عليهم حتى تشعر بالتحسن.
3. ضع في اعتبارك عمر أطفالك
قبل أن تعبّر عن مشاعرك وتعلن أوجاعك أمام أطفالك، ضع في اعتبارك أعمارهم؛ وذلك على النحو التالي:
- الرضع والأطفال الصغار: ليس لديهم النضج العاطفي من أجل فهم المشاعر المعقدة ولن يفهموا أوجاعك.
- الأطفال في المرحلة الابتدائية: عادة ما يكون الأطفال في هذه المرحلة أكثر وعياً، لذلك يمكنك التحدث إليهم، ولكن ضع في اعتبارك أنهم أيضاً في هذه المرحلة يخلقون قصصهم الخاصة وقد يشعرون بالمسؤولية عن مشاعرك وأوجاعك، لذلك كن حذراً وواضحاً بشأن ما تشاركه معهم.
- المراهقون: على الرغم من أن المراهقين لديهم وجهة نظر أكثر نضجاً للواقع، فإنهم ما زالوا عرضة لإلقاء اللوم على أنفسهم، لذلك شارك معهم الكثير من التفاصيل ولكن طمئنهم بأن الأمر لا يتعلق بهم، وبأنك مسؤول عن العمل على مشكلتك.
5 نصائح تساعدك على مشاركة ما يؤلمك مع أطفالك
إذا اخترت إخفاء المشاعر السلبية جميعها، فلن يتعلم أطفالك أبداً كيفية التعامل مع مشاعرهم السلبية، بل سيشعرون أيضاً بأنه يجب كبتها، والانغلاق عليها، لذلك لا تكبت مشاعرك وانزعاجك، وإليك أهم النصائح التي يمكن أن تساعدك على التحدث إلى أطفالك عما يؤلمك:
1. اختر الوقت المناسب للحديث
أخبرتكم من قبل بأني أواجه موقفاً عصيباً ولدي بعض المشكلات العالقة، لكن في نفس الوقت، فإن امتحانات أطفالي على الأبواب، لذلك فإن الوقت ليس مناسباً أبداً، الحديث عن مشاكلي في هذا الوقت قد يجعلهم يشعرون بالقلق والارتباك، لذلك قبل أن تتحدث إلى أطفالك يجب أن تختار الوقت الذي تكون جاهزاً فيه لفعل ذلك.
2. كن صادقاً وواضحاً
عند التحدث عن مشاعرك إلى أطفالك، من المهم أن تكون صادقاً وواضحاً وفقاً لعمر طفلك؛ على سبيل المثال، قد تحتاج إلى تبسيط شرح ما تشعر به أو تتجنب الخوض في تفاصيل سبب شعورك، وعلى الرغم من ذلك، تأكد جيداً من عدم إخفاء مشاعرك، لأن هذا يمكن أن يخلق ارتباكاً وإحساساً بعدم الثقة، يمكنك أن تقول مثلاً "أنا أشعر بالحزن، لكن ذلك لن يدوم طويلاً، سوف أتحسن قريباً وأصبح بخير، والحقيقة هي أن جميع الأشخاص يشعرون بالحزن".
3. حاول طمأنة أطفالك
بعد أن تحكي مشاعرك لأطفالك وتشارك معهم مشاكلك وانزعاجاتك، من المهم طمأنتهم بأن مشاعرك ليست خطأهم، يمكنك أن تقول شيئاً مثل، "أنا أحس بالحزن والانزعاج، هذا ليس بسبب أي شيء فعلتموه، في بعض الأحيان يشعر الكبار بالحزن، ولا بأس من الانزعاج".
اقرأ أيضاً: هل يجب أن تأخذ آراء أطفالك حول طريقة تربيتك؟ وكيف تستفيد منها؟
4. أظهر لهم طرائق صحية للتعامل مع المشاعر الصعبة
بعد أن تتحدث إلى أطفالك وتطمئنهم، أظهر لهم أنك تتعامل مع مشاعرك الصعبة بطرائق صحية وذلك حتى تكون قدوة لهم، على سبيل المثال، إذا كنت تحس بالحزن أخبرهم بأنك سوف تمارس تمارين التنفس العميق، أو تدوّن مشاعرك أو تبدأ في التلوين، وإذا كنت تشعر بالإرهاق والاحتراق النفسي قل لهم إنك في حاجة إلى أخذ قسط من الراحة، وهكذا حاول إخبارهم بأنك تتعامل مع مشاعرك السلبية بطرائق صحية وإيجابية.
5. اطلب الدعم من أصدقائك المقربين
إذا شعرت بعد التحدث إلى أطفالك بأنك لا تزال منزعجاً ومثقلاً بالمشاعر الصعبة، فمن المهم أن تطلب الدعم من البالغين الآخرين، مثل الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو حتى المختص النفسي، وعلى الرغم من أن التحدث إلى أطفالك أمر جيد فإنهم غير مسؤولين عن إدارة مشاعرك، ولهذا فإن البحث عن الدعم من مصادر أخرى يمكن أن يساعدك على معالجة مشاعرك بطريقة صحية ومنع أطفالك من الشعور بالثقل لأنهم غير ناضجين عاطفياً بما يكفي لفهمها.