ملخص: قد يكون التحكم في المشاعر وإدارتها على نحوٍ فعال أمراً صعباً؛ ما يؤدي إلى الميل نحو تجنبها أو كتمانها. تعرف في هذا المقال إلى الأسباب الكامنة وراء كتمان المشاعر، والخطوات الضرورية لتحريرها.
محتويات المقال
جانب أساسي من الطبيعة البشرية أن نتهرب من المشاعر المؤلمة؛ حيث يكون كتمان المشاعر أو قمع استجاباتنا العاطفية استراتيجية نموذجية لإدارة المواقف الصعبة التي تنشأ في حيواتنا. قد يبدو الميل إلى دفن مشاعرنا وكتمها أحياناً في أنفسنا كراحة مؤقتة من المواجهة أو الضيق العاطفي؛ لكنها راحة تحمل في طياتها القدرة على إلحاق الضرر بصحتنا النفسية والجسدية على المدى الطويل.
هذا الميل إلى كتم المشاعر لا يحرمنا من فرصة التعبير الحقيقي عن الذات فحسب؛ بل يخلق أيضاً أرضاً خصبة للتوتّر والضغط اللذين يمكن أن يظهرا في العديد من المشكلات الصحية مع مرور الوقت. لذلك؛ إن الاعتراف بهما ومعالجتهما على نحو مباشر أمر بالغ الأهمية لتنمية المرونة والحفاظ على العافية بصفة عامة.
ما العلامات التي تدل أن شخصاً يكتم مشاعره؟
يواجه الأفراد الذين يخفون مشاعرهم أو يُزيفونها في كثيرٍ من الأحيان، صعوبةً في علاقاتهم بالآخرين؛ إذ لا يحصل أولئك على رؤية صادقة لحالاتهم العاطفية الحقيقية. إن عدم القدرة على التعبير أو خيار عدم التعبير عن مشاعر الفرد لا يعوق التواصل الفعّال فحسب؛ بل يعقّد أيضاً عملية تحديد جوانب الحياة التي تفشل في تلبية احتياجاته الشخصية. تساعد العلامات التالية على معرفة ما إذا كان أحدهم يزيّف مشاعره أو يخفيها:
- قد يبتسم أو يحتفظ بهدوئه حين يتطلب الموقف إبداء الانزعاج أو الضيق.
- ينفعل على نحوٍ غير مبرر، ويتعجب كثيراً في أثناء الحديث ليُظهر حماساً واهتماماً غير حقيقيين.
- يظهر التوتر على ملامحه أو في صوته.
- ينسحب بسرعة ويتراجع إلى مساحته الخاصة بسبب الضغط الذي يُصاحب كتمان المشاعر.
اقرأ أيضاً: تقنيات الحرية النفسية تحررك من المشاعر السلبية
ما خطورة كتمان المشاعر وتأثيراته في حياتك؟
كشفت دراسة نُشرت نتائجها عام 2016 عن وجود علاقة ارتباطية بين إخفاء المشاعر والحضور للعمل على الرغم من الإصابة بالمرض أو الإجهاد. حيث أجرى الباحثون من جامعة أولسان (University of Ulsan) بكوريا الجنوبية مسحاً شمل 15,669 عاملاً في مجال الخدمات التفاعلية، ليؤكدوا ضرورة الصدق العاطفي في مكان العمل، وحاجة أصحاب العمل إلى إعادة النظر في الآثار الصحية لسياسات العمل التي تشجع كتم المشاعر الحقيقية كونها تسهم في الإصابة بالاكتئاب والإجهاد بمرور الوقت.
وفي دراسة أخرى دامت 12 عاماً من جامعة كولومبيا (Columbia University) الأميركية، أوجد الباحثون رابطاً بين الوفاة المبكرة وقمع المشاعر؛ حيث يتسبب هذا الأخير في إثارة الكثير من مشاعر التوتر التي تسهم بدورها في الإصابة بمرض السكري، وضغط الدم المرتفع، ومشكلات القلب، واضطرابات النوم. ومن المعروف أن كلاً من هذه الحالات يمكن أن تؤثر سلباً في الصحة العامة للأفراد؛ ومن ثَمّ طول أعمارهم، هذا بالإضافة إلى التأثيرات السلبية التالية:
- تعطيل إمكانية التواصل الفعال؛ ما يزيد مشاعر الغضب والاستياء، ويضر بالعلاقات المهمة.
- يؤدي قمع المشاعر إلى تفاقمها وتراكمها بمرور الوقت؛ ومن ثمّ قد تترتب عن ذلك في حال عدم التعبير عن الغضب بطريقة صحية نوبات انفجارية موجهة إلى أشخاص غير مقصودين.
- يمكن أن يؤدي إنكار المشاعر إلى الارتباك والإحباط لدى الآخرين؛ ما يترتب عنه انخفاض الثقة في العلاقة وشعورهم بالخداع.
لمَ يميل بعض الأشخاص إلى كتمان مشاعرهم؟
يميل الناس إلى كتمان مشاعرهم بصفة عامة للأسباب المحتملة التالية:
- تجنباً للظهور بمظهر الضعف: يتسبب الخوف من نظرة الآخرين وحكمهم في تفضيل العديد من الأشخاص إخفاء مشاعرهم وحماية أنفسهم.
- تجنباً للإصابة بالأذى النفسي والعاطفي: يمكن أن يكون الميل إلى التهرب من المواجهة العاطفية متجذراً في تجارب شخصية سابقة للتعرض إلى التلاعب العاطفي؛ ما يترتب عنه انعدام الثقة في النفس وفي الآخرين.
- انعدام الثقة في النفس: يمكن أن ينبع انعدام الثقة في التعبير عن المشاعر من تجارب الطفولة التي تعرض فيها الشخص إلى الانتقادات الشديدة لتعبيره العاطفي عن نفسه.
ما الفرق بين كتمان المشاعر وكبت المشاعر؟
توضح المختصة النفسية، نادية التميمي، إن كتم المشاعر قد يتسم به الأشخاص الذين لا يعرفون كيفية التصرف أو التعبير عن مشاعرهم. بينما يتميز الأشخاص الذين يكبتون مشاعرهم، سواء كانت سلبية أو إيجابية، بإدراكهم ورغبتهم الواعية في عدم التعبير عنها ومن ثَم كبتها؛ وذلك لأسبابٍ متنوعة مثل قناعات أو تبريراتٍ معينة يعطونها لأنفسهم. وتُضيف التميمي، إن المشاعر المكبوتة مثل "قنبلة موقوتة" يمكن أن تنفجر في أوجه الأشخاص المحيطين. وتؤكد المختصة النفسية إن كبت المشاعر يسبب المرض النفسي، وتفاقم الأمراض الجسدية.
4 خطوات تساعدك على تحرير مشاعرك
عندما نواجه مشاعر صعبة تؤثر في جوانب مختلفة من حيواتنا، فمن الضروري مواجهتها بدلاً من محاولة قمعها أو تجاهلها، فذلك لا يشير إلى الضعف. وتنطوي هذه الخطوة على إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية، جسدياً وعاطفياً، لتعزيز الرفاهية العامة. ستساعدك النصائح القيمة التالية على تحرير مشاعرك بطرائق صحية:
- تعرف إلى وجود مشاعر معينة، وحاول أن تفهمها وتعترف بها.
- بعد الاعتراف بوجود تلك المشاعر، فإن الخطوة التالية هي فهم أسباب نشوئها. فكر في الأحداث التي سبقت الشعور، والأفكار المصاحبة له، وأي تأثيرات خارجية قد تسهم في الشعور.
- تجنب الحكم على نفسك أو جلد ذاتك عندما تواجه مشاعرك، فلا توجد مشاعر "سيئة" بطبيعتها. امنح نفسك الوقت والصبر لمعالجة مشاعرك دون توقع اختفائها على الفور.
- بعد فهم المشاعر وأسبابها الكامنة، ابحث عن طريقة صحية للتعبير عنها وتحريرها. قد يتضمن ذلك الثقة بصديقٍ أو أحد أفراد العائلة، أو كتابة يومياتك، أو ببساطة السماح لنفسك بالبكاء.
اقرأ أيضاً: قمع المشاعر: كيف يمكن تفريغ الكبت النفسي؟
وختاماً، إن الاعتراف بالمشاعر الحقيقية هو سمة يُتغاضى عنها أو يُقلَّل من شأنها في بعض الأحيان؛ إذ من السهل أن نفترض أن التفاعلات السطحية كافية؛ لكن التعبير العاطفي الحقيقي يمكن أن يُثمر فوائد عميقة لنفسك ولمن تهتم لأمرهم. فمن خلال تفادي كتمان المشاعر وإزالة واجهة السلوك السطحي، فإنك تفتح الأبواب أمام مستوىً أعلى من الصدق والأصالة في حياتك.