قمع المشاعر: كيف يمكن تفريغ الكبت النفسي؟

4 دقيقة
كبت العواطف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

قد نسعى -لا شعورياً- أن نكون أسياد عواطفنا والمتحكمين فيها بصورة منهجية تجنّبنا الانفعالات المفاجئة أو القرارات المبنية على المشاعر اللحظية، هرباً من أن نصبح أشخاصاً تقودهم مشاعرهم إلى أفعال وقرارات غير عقلانية. يؤدي بنا ذلك إلى أحد الأمرين؛ إما كبت العواطف وتجنبها لا شعورياً (Emotional Repression) أو شعورياً (Emotional Suppression) كإحدى آليات الدفاع عن ذاتنا.

 

إلا أن العواطف جزء من هويتنا لا يمكن تجاهله أو كبته والمضي قدماً دون الالتفات لتأثيره اللحظي وتأثيره على المدى البعيد. ومع ذلك، فقد يجد الكثير منا صعوبة في فهم مشاعره وتقبّلها، وخاصة السلبية منها، لاعتقادنا أنها مشاعر مزعجة إلى حد ما وتؤدي إلى فقدان اتزاننا الداخلي، لذلك فنحن مستعدون لتجنب الألم والمعاناة الناتجَين منها بشتى الطرق.

ما أسباب الكبت النفسي؟

والكبت النفسي ليس قراراً يتخذه الفرد بين عشية وضحاها؛ بل يمكن أن ينشأ خلال فترة الطفولة بسبب النشأة في بيئة لم تُمنح فيها سوى مساحة قليلة أو معدومة للتعبير عن المشاعر. قد يظهر ذلك في سعي الوالدين ومقدمي الرعاية إلى تنشئة الطفل على أن المشاعر مخزية أو علامة ضعف أو غير صحيحة لأنها لا تعتمد على التفكير المنطقي، وترديد عبارات مثل: "توقف عن البكاء" و"كن ممتناً" و"لا تكن سخيفاً فكل شيء على ما يرام"، وفقاً للاختصاصية النفسية الإكلينيكية والكاتبة أنجليكا أتارد (Angelica Attard).

تدفع هذه العبارات الطفل إلى كبت مشاعره وعدم فهمها أو الاعتراف بها؛ وبالتالي عدم القدرة على التعامل معها. كذلك قد يكون الآباء أنفسهم منتهجين لفكرة عدم التعبير عن المشاعر السلبية؛ ما يزيد الأمر سوءاً ويشعر الطفل بأن وجود المشاعر السلبية والاعتراف بها ليس بالأمر الجيد.

علاوة على ذلك؛ قد يؤدي عدم وجود شخص يمثل نموذجاً لكيفية التعبير عن المشاعر والتعامل معها في البيئة المحيطة بالطفل إلى تطوير استراتيجيات التأقلم التي تركز على تجنب المشاعر السلبية وتثبيطها، فيوجه انتباهه أكثر نحو المشاعر الإيجابية التي يقبلها الآخرون ويتحملونها.

قد تؤدي صدمات الطفولة أيضاً إلى قمع عاطفي، فالطفل الذي تم تجاهل احتياجاته أو إهمالها أو تعرض لانتقادات أو معاقبة بسبب إظهاره مشاعره والتعبير عنها، أكثر عرضة لكبت مشاعره كشخص بالغ.

علامات الكبت النفسي

وتشير أتارد في مقالها إلى مجموعة من العلامات التي تشير إلى أن الشخص يقمع عواطفه، كما يلي:

1. أنماط التفكير الشخصي مثل:

  • الاعتقاد بأن المشاعر السلبية هي شيء سيئ أو محرج ولا يجب التعبير عنها.
  • وصف حالتك أنك دائماً "بخير".

2. أنماط التصرف والتعامل مع نفسك مثل:

  • تجاهل الأفكار والمشاعر السلبية أو تجنّبها ومحاولة طردها.
  • تشتيت الانتباه عن المشاعر السلبية بالتوجه نحو سلوكيات الهروب؛ مثل الإفراط في تناول الطعام أو مشاهدة التلفزيون بكثرة أو الإفراط في العمل.
  • مواجهة صعوبة في الاعتراف بأن بعض الأشياء في حياتك تؤذيك.
  • الانفجار العاطفي المفاجئ بسبب العواطف المتراكمة.
  • التركيز أكثر على الصحة الجسدية وإهمال الصحة النفسية.

3. أنماط التصرف والتعامل مع الآخرين مثل:

  • الشعور بضيق عند سؤال الآخرين لك عما تشعر به عموماً.
  • التعبير للآخرين عن المشاعر الإيجابية دون السلبية.
  • التعايش بشكل جيد مع الآخرين، مع افتقار الألفة والصداقات المقربة.
  • الشعور بعدم الارتياح والمكافحة من أجل التسامح مع الأشخاص العاطفيين الذين يعبرون عن مشاعرهم السلبية، ومحاولة تحويل التركيز إلى الجانب الإيجابي فقط.

أين تخزن العواطف المكبوتة في الجسد؟

لا يعني كبت المشاعر التخلص منها، فجسدنا يخزّن مشاعرنا الحالية والسابقة كما أظهرت دراسة من جامعة آلتو (Aalto University) بفنلندا تشرح مكان الشعور بالعواطف المختلفة في الجسد.

طلب الباحثون من المشاركين في الدراسة الذين بلغ عددهم نحو 700، تلوينَ مناطق الجسم التي شعروا فيها بأن ردود الأفعال الداخلية تتزايد أو تتناقص بسبب المنبهات المختلفة. ووجد الباحثون تشابهاً في ارتباط المشاعر بأحاسيس جسدية مختلفة للمشاركين في جميع المجالات.

على سبيل المثال؛ ينتج من مشاعر الغضب والخوف والقلق نشاطٌ متزايدٌ في الصدر والجزء العلوي من الجسم، ويمكن لهذه المشاعر أيضاً أن تحفز الجهاز العصبي الودي لخلق استجابة سريعة في الجسم؛ وهو ما يفسر الشعور بنبضات القلب أو شد العضلات عندما يصبح الفرد متوتراً أو عصبياً.

وكذلك ينتج من الاكتئاب نشاط منخفض في الجزء السفلي من الجسم؛ وهو ما قد يفسر تحرك الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب ببطء أكثر من المعتاد.

كيف نتخلص من المشاعر المكبوتة؟

بينما تعد أفضل طريقة للتعامل الجيد مع مشاعرك السلبية المكبوتة زيارةَ معالج أو طبيب نفسي لمساعدتك على فهم مشاعرك؛ إلا أن هناك بعض الطرق التي يمكنك اتباعها بمفردك لإدارة مشاعرك السلبية بشكل أفضل مثل:

  • قل ما تشعر به في الوقت الحالي بصوت عالٍ.
  • استخدم "أنا" عند التعبير عن مشاعرك حيث تساعدك على امتلاك مشاعرك؛ مثلاً: "أنا أشعر بالحزن" أو "أنا غضبان".
  • تحدَّث من واقع تجربتك عندما تعبّر عن مشاعرك ولا تلم شخصاً آخر على ما تشعر به.

5 طرق للتعامل مع المشاعر السلبية دون قمعها

إذاً لا يعد كبت العواطف أمراً مجدياً، فستظهر هذه العواطف آجلاً أو عاجلاً في ردود الأفعال في أوقات أخرى لا تتناسب مع حجم الموقف. لذلك فإدراك أنك تقمع عواطفك هو الخطوة الأولى في التعامل الصحي مع كبت العواطف لأنه أمر لا شعوري.

وتقدم أتارد في مقالها بعض الطرق الفعالة للتعامل مع الكبت العاطفي والخروج من دائرته المفرغة:

  1. افهم كيفية ارتباطك بمشاعرك

من المهم أن تأخذ الوقت الكافي للتفكير في علاقتك بمشاعرك وإذا كنت تتجاهلها، وكيف تتصرف وتستجيب لها. على سبيل المثال؛ إذا كنت تعتقد أن المشاعر السلبية هي مصدر إزعاج وعلامة ضعف، فقد تشعر بالإحباط عندما تختبرها أنت أو الآخرون فتدفعها بعيداً تلقائياً، لذلك يمكنك تحديد هذا النمط وملاحظته في كسر هذه العادة.

  1. افهم كيف تتجلى العواطف في جسدك

للتعامل مع المشاعر جيداً يجب أن تفهم كيف تظهر العواطف في جسدك. على سبيل المثال؛ قد يظهر القلق وكأنه إحساس بضيق في الصدر، وقد يظهر الحزن كثقل في المعدة. لذلك يمكنك التعرف بشكل أفضل إلى العلاقة بين عواطفك وجسمك من خلال الانتباه إلى كيفية تغير حالة جسمك عندما تشعر بشعور معين.

  1. تعرف إلى محفزات مشاعرك

يمكن أن يعدّك فهم محفزات مشاعرك جيداً للتنبؤ بها وإدارتها بشكل أكثر فعالية. على سبيل المثال؛ إذا كنت تعلم أن التحدث في اجتماع يُشعرك بالقلق، فيمكنك ممارسة تمارين التنفس العميق قبل الاجتماع بعشر دقائق.

  1. تعلم كيفية التعايش مع مشاعرك

إن محاولة التخلص من المشاعر السلبية أمر لا طائل منه، لذلك بدلاً من استخدام طاقتك للتخلص منها يمكن تغيير الأمر للسماح لها بالبقاء في حياتك وتعلّم إدارتها جيداً؛ ما يمكّنك من التعايش معها بسهولة أكبر.

  1. افهم المغزى من مشاعرك

عندما تواجه مشاعر سلبية، حاول أن تفهم الرسالة التي تريد هذه المشاعر إيصالها لك. يمكنك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة بلطف وفضول:

  • ما الذي أثار مشاعري؟
  • ما الرسالة التي تحاول هذه المشاعر إيصالها إليّ؟
  • ما الذي توحي به هذه المشاعر التي أحتاجها الآن؟

يمكن أن يساعدك طرح أسئلة تنظيم المشاعر على التوقف وفهم ما يخبرك به عقلك وجسمك. من الضروري أيضاً تفسير هذه الرسائل بحذر، فنحن نحاول غريزياً تجنُّب المصاعب.

إلا أن هذه المشاعر قد لا تشير إلى مشكلة فعلية إنما تعمل مثل إنذار لشيء سيحدث، لذلك فإدراكك لهذا الأمر يمكن أن يمنعك من رد الفعل الاندفاعي ويساعدك على اختيار الإجراء الأنسب في الوقت الحالي.

وأخيراً؛ يجب اتباع النقاط السابقة مع الانتباه إلى أمر شديد الأهمية وهو اتخاذ الفعل أو رد الفعل المناسب بمجرد أن تفهم الرسالة من مشاعرك. وفي الأحوال كلها يجب أن تكون لطيفاً مع نفسك ولا تحمّلها ما لا تطيقه، مع ممارسة الأمر باستمرار حتى لا تعود مرة أخرى للكبت العاطفي أو الاستسلام له.

المحتوى محمي