ملخص: قلّة الصبر والعجلة والتلّهف المستمر آفات تصيب الكثير منّا في عصر السرعة والتقلّب والمزاجية. لكن هل يجوز لنا اعتبارها عيباً وموطن ضعف فقط؟ وفقاً لخبيرة نفسية فإن قلّة الصبر تنطوي أيضاً على الكثير من الإيجابيات والمزايا. هذا المقال يقارن بين قلة الصبر الإيجابية وقلة الصبر السلبية ويستنتج خلاصات مفيدة للغاية.
محتويات المقال
قلة الصبر صفة غير محمودة على الرغم من أنها سمة مميزة لهذا العصر. ومع ذلك فإن استخدامها بذكاء يجعلها كنزاً من الطاقة وفقاً للطبيبة النفسية ستيفاني هاوسو.
دعونا نبدأ بإزالة أيّ سوء فهم محتمل: التمهّل والتريث شرطان أساسيان للتفرّغ للعناية بالنفس والاستمتاع المطلق بالحياة. في المقابل يمثل التشتت والعجلة أفضل أسلوبين لإهدار فرص معرفة الذات واكتشاف أفضل عطايا الحياة. من هنا تأتي دعوة كُتب التنمية الذاتية إلى التخلص من هاتين الصفتين.
ونحن أيضاً في نفسيتي مقتنعون أن قلّة الصبر ليست صفة محمودة. فآثارها السلبية ملموسة لأنها تقوّض إصرارنا وتُفاقم مشاعر غضبنا كما أنها مصدر شعور بالتوتر وعدم الارتياح في علاقاتنا. لكنها ليست سبباً في ذلك فحسب وفقاً للطبيبة النفسية ستيفاني هاوسو (Stéphanie Hahusseau). إنها تمثل أيضاً طاقة وزخماً وحافزاً يدفعنا خارج منطقة الراحة التي نقبع فيها بعيداً عن رتابة عاداتنا واستكانتنا شريطة التمييز بين قلّة الصبر التي تدفعنا إلى التذمر والمزاجية وتلك التي تلهمنا الأفكار والطموحات.
قلّة الصبر تجعلنا مندفعين
الاندفاع الذي ينشأ عن قلّة الصبر ناتج من الصعوبة التي نجدها في التعبير عن اعتراضنا بطريقة بناءة أو التجرؤ على خوض الصراعات أو تأكيد الاحتياجات أو ضبط العواطف أو تنفيذ مشروع على المدى الطويل أو التعامل مع مشاعر الإحباط. عموماً يتغذى الاندفاع على الغضب وينجم عنه أو عن شعور بالعجز.
لكنّها قد تكون حافزاً أيضاً
قلّة الصبر الإيجابية ردّ فعل على الشعور بعدم التقدم. إنها تعبّر عن الرغبة في السير قدماً وإنهاء موقف يولّد المعاناة. كما أنها تعبير عن رغبةٍ تمثل نقطة انطلاق دورة جديدة. ووراء الشعور بالغضب والإحباط ثمة طاقة تُستخدم لإحداث التغيير الإيجابي. قلة الصبر الإيجابية هي شعورك بالغليان الداخلي المتعطّش إلى تحقّق الأهداف المنشودة وتلهّفك إلى التحكم في زمام حياتك بفرح وإلهام.
السؤال المفصلي: هل أميل إلى اتخاذ الإجراء السريع رغبة فقط في تخفيف الشعور بعدم الارتياح أو المعاناة أم لأنني متلهّف فعلاً إلى استثمار طاقتي في مكان مختلف وبأسلوب آخر؟
قلة الصبر تجعلنا مزاجيين
في ثقافتنا التي تهيمن عليها "الخيارات اللامحدودة" والمغريات التي لا تتوقف بأنواعها كافة تبدو قلة الصبر السلوك الأكثر شيوعاً في مجال الاستهلاك (الترفيه أو المعارف) والعلاقات. هذا ما يفسر انتشار التشتت والسطحية وعدم القدرة على الاستمرارية والمثابرة سواء في الاختيارات أو العواطف أو العلاقات مع الآخرين.
لكنّها تحافظ على حبّنا للاستطلاع
الملل من الأمور المعتادة والروتينية والرغبة في استكشاف أماكن جديدة وحبّ استطلاع ما هو مختلف ومستجدّ في المجالات كلّها يسمح لنا بمراجعة مسلّماتنا ومعتقداتنا وأحياناً أحكامنا المسبقة وهذا ما يجعلنا أكثر تسامحاً وتواضعاً. تقودنا "لهفة حبّ الاستطلاع" إلى إغناء أفكارنا وزيادة معارفنا وإن تطلّب ذلك التقلّب بين المواضيع المختلفة. وإذا كان الذكاء وحبّ الاستطلاع مقترنين عادة فهذا يرجع إلى أهمية شغف المعرفة مقارنة بالحاجة إلى الشعور بالأمان والألفة.
السؤال المفصلي: هل أشعر بالملل بسبب عدم القدرة على الاستمرارية في المجالات كلّها أم لأن لديّ اهتمامات مختلفة أغذيها بانتظام وعمق علاوة على مزاجيتي؟
قلة الصبر تشتت تركيزنا
ليس من الصدفة أن يذكّر معلمو فلسفة زن أتباعهم أن "الخطأ يكمن دائماً في عدم الانتباه". ومن الصعب أن تتواءم قلة الصبر مع القدرة على اليقظة الكاملة في لحظة الحاضر. هذا العجز عن التركيز على الذات والعالم لا يخلو من انعكاسات على كيفية النجاح في إنجاز مهامّنا وبناء علاقاتنا واستيعاب المعلومات، بل ينعكس أيضاً على قدراتنا على الانتباه إلى احتياجاتنا ورغباتنا.
لكنّها قد تجعلنا أكثر قدرة على الإبداع أيضاً
التركيز الطويل على الموضوع نفسه أو الممارسة ذاتها أو الإصرار على النهج نفسه أو الرغبة الزائدة في تحسين أداء مهمة ما يعرّضنا لخطر اختزال فكرنا وتجميده وإهمال بعض مهاراتنا ومن ثمّ فقدان طعم إنجازاتنا. قليل الصبر شخص يسعى إلى مكافحة الشعور بالملل لأنه لا يرضى أن يعتمد فترة طويلة على التكرار وعلى ما هو متوفر، وهذا ما يدفعه إلى البحث عن طرق جديدة للتفكير والعمل والعيش في الميادين كلّها. وهذا هو المعنى الدقيق للإبداع.
السؤال المفصلي: هل أعاني تشتت الذهن لأن لدي صعوبة في التركيز أم لأن عقلي منشغل بإنتاج أفكار وحلول جديدة؟
قلّة الصبر تصيبنا بالمرض
يعيش قليل الصبر تحت الضغط. هذا طبيعي فهو يغلي من الداخل وهذا ما يجعله مضطرباً وسريع الغضب، وهاتان خاصيتان ترتبطان بالكثير من الأمراض بما في ذلك ارتفاع الضغط الدموي. هذا ما يفسر انتشار تقنيات الاسترخاء والتجذر في اللحظة الحاضرة في مجتمعنا الحالي الذي أضحى يعمّم ظاهرة قلة الصبر ويشجعها.
لكنّها تحافظ على عقلية منفتحة
إذا كانت قلّة الصبر السلبية سبباً في الإصابة ببعض الأمراض فإن قلة الصبر الإيجابية مفيدة لعقلياتنا. الاهتمام بمواضيع لا حصر لها وحبّ التغيير والانفتاح على المجهول وعدم التشبث بالعادات والمسلّمات يمثل عنصر تجديد للعقلية البشرية. وقلة الصبر هذه لا تتواءم مع الشكوى و"التذمر" لأنها تتأسس على الإيمان اللاواعي بأن القادم أهم وأكثر إبهاراً وإضحاكاً وإمتاعاً.
السؤال المفصلي: هل أشعر بالغضب والعجز أم هو مجرد شعور بالإثارة بسبب الاكتشافات والمستجدات المحتملة؟
قلة الصبر تجعلنا وقحين
الإصغاء الجزئي أو الناقص إلى الآخر وعلامات المزاج السيئ (النبرة الفظّة والتعليقات القاسية إلي غير ذلك)، والإشارات الجسدية التي تدل على الاشمئزاز أو الانزعاج (تحريك القدمين والنظر بعيداً والأصابع التي تضرب على الطاولة إلى غير ذلك) كلها أساليب تعبير يستخدمها قليل الصبر ليقول للآخر: "أنت تضيع وقتي وما تقوله لا يهمّني".
لكنّها تساعدنا أيضاً على فرض الحدود
قد تساعدك قلّة الصبر على إنهاء موقف أو علاقة مؤذيين. تسمح لك بفرض حدودك وإعلان رفضك قبل الوصول إلى مرحلة بالغة من الأذى. يفيدك هذا الجانب الإيجابي من قلّة الصبر في إظهار الحزم (رفض الموقف أو إنهاءه) وكسب الاحترام وعدم السماح للآخرين باستنزاف طاقتك. لذا يكتشف قليل الصبر بسرعة ما يضيع وقته ثم يتخلّص منه.
السؤال المفصلي: هل أشعر عادة في مكان العمل بالمزاج السيئ والانزعاج من الآخرين أم أنه مجرد حرص على منعهم من النيل منّي أو مضايقتي أو إضاعة وقتي؟