3 فوائد غير متوقعة للعناق تجعلك تمارسه يومياً مع أفراد أسرتك

3 دقائق
فوائد العناق

يرى الأشخاص من ثقافات مختلفة العناق من وجهات نظر قد تختلف كليّاً أو تتشارك في بعض المفاهيم المعينة، فالاتصال أو التلامس الجسدي في إطار إنساني ودّي ومحترم، يمكن ألا يحظى بنفس درجة القبول من الناحية الثقافية، ويتعلّق هذا الأمر بمعايير ثقافية واجتماعية قد تشمل جنس الشخص والعمر والسياق العام للعناق.
هل أنت شخص يبادر بإظهار المودة لأفراد العائلة وزملاء العمل عن طريق العناق، أم أنك دائماً ما تحافظ على مسافة بينك وبينهم وتكتفي بالمصافحة أو التعبير الشفوي فقط، وتحتفظ بالمعانقة لأقرب المقرّبين؟ أجوبة كل ذلك تكمن في ثقافتك الأم.

ورغم أننا نخلص لثقافتنا ونحترم ثقافات الآخرين؛ ربما يمكن أن نُوجد بين الفينة والأخرى مساحة صغيرة لمستجدّات العلم حول سلوكيات البشر الاجتماعية، ما ينفعنا منها وما يضرّ بنا، عسى أن نتطوّر جميعاً إلى نسخ أفضل من أنفسنا.

لذلك خصّصنا هذا المقال عن أهميّة العناق والاحتضان في عالمٍ قد يسيطر عليه التباعد النفسي حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.

العناق مضاد طبيعي للاكتئاب

يُعد الاكتئاب من بين اضطرابات المزاج الأكثر شيوعاً في العالم وفقاً لـ "جمعية علم النفس الأميركية " (APA)، غير أن الاستمرار الدائم بالشعور بالحزن وعدم الاهتمام والقلق يتحوّل إلى الاكتئاب السريري الذي يستدعي تدخل طبيب نفسي.

وقد باتت إحصائيات الاكتئاب في المنطقة العربية بالفعل تدعو للخوف؛ إذ إن حوالي 3 من كل 10 أشخاص يعانون من الاكتئاب وفقاً لاستطلاع رأي من قبل شبكة الباروميتر العربي شارك فيه 25 ألف مواطن ومواطنة على امتداد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل يمكن لحركة ودّية بسيطة كالعناق أن تخفّف بعض الشيء من معاناة الأشخاص؟ وهل اتخاذها كعادة طبيعية تدخل في الثقافة السائدة من شأنه أن يساعد على تخفيف أعراض الاكتئاب؟

هذه الأسئلة يجيب عنها موقع هيلث هارفارد بابليشينغ (Harvard Health Publishing) في مقال نشره في مارس/آذار سنة 2014، يشير إلى أن مجرّد الاحتضان أو حتى التلامس بالأيدي يساعد الجسم على إفراز مجموعة من الهرمونات تشمل الأوكسيتوسين والدوبامين والسيروتونين، وهي الهرمونات المسؤولة عن انخفاض مستويات الاكتئاب والاسترخاء وتحسين الحالة المزاجية.

العناق يُقلّل استجابة الكورتيزول للتوتر

يمكن للتلامس أن يأخذ سياقات اجتماعية مختلفة؛ كما يمكن في سياقات استثنائية أن يشكل تهديداً أو علامة على وجود خطر حقيقي، لذا لا يجب إلغاء فكرة أن نفس هذه الآلية التي هي اللمس يمكن أن تهدد السلامة الشخصية للفرد إذا كانت بدون موافقة مسبقة منه، أو تأتي من طرف شخص ذو نوايا خبيثة أو في ظروف خاصة أخرى مثل التباعد الاجتماعي خلال الأوبئة درءاً لإمكانية التعرض للعدوى.

غير أن اللمسة لها تأثيرات إيجابية لا يمكن التغاضي عنها، لأن العديد من الدراسات أظهرت أنها تحدث انخفاضاً في الخوف النفسي أو استجابات الإجهاد في النتائج العصبية الفيزيولوجية وتؤدي دوراً بارزاً في السيطرة على الاستجابات السلوكية والغدد الصماء للإجهاد والتوتر.

أي بمعنى أوضح؛ إنها تخفّف من التوتر ولها تأثيرات مهدئة؛ حيث تنقل للمتلقي إشارة اجتماعية آمنة تقول إن "الأمور على ما يرام". هذه التأثيرات تسهم بشكل مباشر في تعزيز الاستجابة الصحية للإجهاد وتوازن هرمون الكورتيزول؛ الذي يمكن أن يسبب التعرُّض المفرط والمتتالي له نتيجة التوتر العالي والضغط النفسي الإصابة بأمراض مناعية كالسكري.

اقرأ أيضاً: 6 عادات لمحاربة الشعور بالوحدة

العناق يقلّل من الشعور بالوحدة

حين يكبر الأبناء ليصبحوا مراهقين، قد يشعرون بالإحراج عند معانقة أهلهم لهم، أو أن الأبوين يبدآن

في الاعتقاد أنهم لم يعودوا بحاجة إلى ذلك الاحتضان أو أنه سيفسدهم. هناك عشرات التبريرات للتصور الخاطئ عن كون الأطفال الصغار والرضع أكثر من يحتاج إلى العناق المتكرر!

نظرتنا للعناق من زاوية ثقافية تجعلنا غير منفتحين على ما يمكن للعلم أن يقدّمه لنا كأفراد من معلومات تقودنا نحو التطور الإيجابي، والصحة النفسية هي القسم الأكبر من هذا التطور.

بالتأكيد ساهمت أزمة الجائحة في السنتين الأخيرتين في خلق مشاكل اجتماعية ونفسية لدى الأفراد بسبب الحظر المنزلي وقواعد التباعد، ورغم ضرورة ذلك إلا أنه جعل أناساً كثُر من حول العالم يشعرون بالوحدة الشديدة.

ووفقاً لتحليل نشره "معهد الإحصاءات الرسمي في المملكة المتحدة" (Office for National Statistics) في يونيو/ حزيران سنة 2021، أبلغ 25 مليون شخص في المملكة المتحدة عن شعورهم بالانفصال والوحدة أثناء الوباء نتيجة غياب التواصل الجسدي.

أدّى غياب العناق والاحتضان في الحياة اليومية للأفراد بشكل واضح إلى تدهور حالتهم النفسية، وعزّز الشعور بالوحدة والعزلة لديهم؛ ما يؤكّد مرّة أخرى أن العناق من أقوى الطرق لإظهار الدعم والمحبة، عدا عن تأثيره المهم في تغيير الحالة المزاجية السلبية من خلال تحفيز إطلاق هرمون السعادة الشهير؛ الدوبامين الذي يؤدي إفرازه إلى تقليل الشعور بالوحدة.

ليست هناك دراسة واحدة؛ بل العشرات أجريت على التأثيرات الممكنة للتواصل الجسدي والعناق في الإنسان، تتشارك نتائج مجملها في أن الاحتضان المتبادل بين أفراد العائلة والأسرة يحسّن الصحة النفسية ويعزّز المناعة الجسدية كذلك، وأن الجزء الأكبر من تطوّر الجنس البشري اجتماعياً كان عن طريق التقارب بين الناس. ما الذي تنتظره إذاً حتى تبدأ في التخطيط لجعل تبادل العناق مع صغارك وأحبائك جزءاً من عاداتك اليومية؟!

المحتوى محمي