يعاني عدد كبير من النساء من الدورة الطمثية؛ لكن ماذا لو كان الإنصات والوعي بالفصول الأربعة للدورة الشهرية وتأثير هذه التغيرات الهرمونية وسيلةً من شأنها أن تساعدكِ على الرفع من جودة الحياة التي تعيشين، وليس المرحلة الصعبة التي تمرين بها فقط؟ إذ يُعد اجتياز هذه الفترة طريقاً يفضي إلى تعزيز الثقة في النفس ويقوي العلاقة بالذات والآخرين.
مدّ الجسور
تحضرني لحدّ اليوم لحظة الاستنارة التي حصلت لي سنة 1999 وكأنها حصلت البارحة. كنت أتناول الغذاء رفقة إحدى صديقاتي، وبينما نحن نتبادل وصفات الطبخ ذكرتْ بشكل عرضي أنها لا تستهلك سوى فواكه وخضروات الموسم.
قبل 20 سنة، وجدت نفسي أقف مشدوهة أمام هذه الفكرة لأهميتها وجِدَّتِها واستحالة إدخالي إياها حيز التنفيذ! إذ كيف لي أنا ابنة المدينة التي تربت محاطةً بالخرسانة أن تملك أدنى فكرة حيال ما تطرحه الأرضُ من ثمار في هذا الفصل أو ذاك!
أما اليوم فقد تغير الوضع تماماً إذ صرنا أكثر تماساً واتصالاً بالأرضِ وفهماً لتعاقب فصولها وما ينجم عن هذه الدينامية الطبيعية. غير أن المفارقة تكمن في أننا نبقى نحنُ النساء منفصلاتٍ عن دوراتنا الخاصة، ومرَدّ ذلك أننا وبكل بساطة لم نتعلم أن نراقب ما يحصل داخلنا ونفهم الآثار المترتبة عن تغيراتنا الهرمونية.
فصول الدورة الشهرية الأربعة
نمرّ بسبب تغيّرات الإستروجين والبروجيستيرون بما يحاكي تعاقب الفصول الأربعة؛ إذ يثبت علماء الأعصاب اليوم مدى تأثير الهرمونات في أدمغتنا ومشاعرنا وإمكانياتنا الجسدية وحالتنا الذهنية.
يمكن اعتبار الأسبوع الذي يلي فترة الطمث بمثابة فصل الربيع؛ حيث تزيد قدراتنا الجسدية والذهنية بارتفاع مستويات الإستروجين فتغمرنا الطاقة وتفيض منا كأننا نعيش ربيعاً داخلياً يجعل كل شيء ممكناً أمامنا!
أما في فترة التبويض والتي يمكن أن نطلق عليها صيفنا الداخلي، تأخذ معدلات الإستروجين في الانخفاض لتُفسح المجال أمام البروجستيرون (هرمون الأمّ) ليرتفع، وهو هرمون يتلخص دوره في إعداد الجسد للحمل وذلك ما يفسّر العطف الدافق والتواصل المتزايد والكرم الكبير الذي يغمرنا في هذا الفصل.
فيما يمكننا تشبيه انخفاض مستويات الهرمونات بتساقط أشجار الخريف، وهو فصل صعب بالنسبة إلى أغلبية النساء حيثُ نختبر خلاله ما يماثل أعراض الانسحاب؛ إذ تشعر نساء كثيرات بعدم الراحة على المستوى الجسدي والنفسي والذهني.
لتأتي في النهاية فترة الطمث وتكون انطلاقة شتائنا الداخلي حيث هرموناتنا الأنثوية تصل أدني مستوياتها، وبالإنصات إلى جسدنا سنجده يطالبنا بخفض إيقاع الحياة والتروي؛ إذ يُعتبر هذا الشتاء الداخلي وقتاً يفضل تخصيصه للاستبطان الذاتي، وربط الجسور مع ذواتنا، وإرخاء الحبل وأخذ قسط من الراحة لشحن الجسد والروح لاستئناف الربيع القادم.
معرفة أفضل للنفس وعناية للذات
يظل ما يحصل داخل أجساد النساء طيّ الكتمان ومحفوفاً بسوء الفهم والإنكار؛ إذ من الشائع وصف النساء بصاحبات المزاج المتقلب في حين أن طبيعة المرأة نفسها متقلبة لأنها مرتبطة بدورات تتكرر الواحدة تلو الآخر، غير أن المجتمع ينتقص من طريقة عمل جسد المرأة أو يكتفي بإنكار حقيقتها.
إن فهم تغيراتنا وإدراك أنها مسألة طبيعية وفيزيولوجية يُمَثّل العتبة الأولى لتحقيق ثقةٍ كبرى في النفس وخطوة مهمة لبدء إيلاء العناية بالذات؛ إذ يُعد تقبل هذه المراحل التي نمر بها كل شهر كلمة السرّ لتحسين علاقتك بنفسك وبالآخرين.
دورتك الشهرية وسيلة تدريب ذاتي
فورَ أن نشرع في مراقبة أنفسنا والانتباه إلى ما يحصل داخل أجسادنا ومشاعرنا وأذهاننا سنلاحظ أننا نعيش الأمر نفسه شهراً بعد شهر،
وسنلتفت إلى أن حاجتنا إلى النوم والأكل في دورة الربيع تختلف عن تلك التي تنتابنا في دورة الخريف، وكذلك الشأن بالنسبة لأمزجتنا وطريقة إنجازنا أعمالنا، وهكذا ستتعرف كلّ امرأة على أعراضها الخاصة وتفهم ذاتها أكثر.
وفي هذا الصدد طوَّر المدرب والأستاذ بجامعة كولومبيا، فريدريك هادسون (Frederic Hudson) ما أسماه بـ "عجلة التغيّر" وهي أداة تسمح بمواكبة التغيرات التي تطرأ على المرأة في دورتها الشهرية معتمدة على مبدأ محاكاة الفصول الأربعة.
بتتبع الدورة الطمثية وفقاً لهذا النموذج سندرك بأننا نتوفر على آلية داخلية مذهلة يمكن أن نعتمد عليها لتطوير ذاتنا وتدريب أنفسنا بأنفسنا.