تبدأ الحكاية عادة ببريد إلكتروني مفاجئ، أو اجتماع طارئ يغلق خلفه الباب بصمت ثقيل. في تلك اللحظة، لا يفقد المرء مجرد راتب شهري، بل يشعر بأن الأرض قد سحبت من تحت قدميه. فقدان الوظيفة ليس مجرد عثرة مهنية، بل هو صدمة نفسية تهز أركان الهوية والأمان الشخصي، ففي عالم يربط قيمتنا -بصفتنا بشراً- بما نفعله لا بما نحن عليه، يصبح التسريح جرحاً غائراً يتطلب جراحة نفسية دقيقة للتعافي، من هنا ولدت فكرة هذا المقال.
محتويات المقال
تشريح الصدمة: كيف يهدد فقدان الوظيفة استقرار حياتنا؟
عندما نفقد وظيفتنا، لا نفقد المهام اليومية فحسب، بل نفقد ما يسميه علماء النفس البنية التحتية للنفس، إذ إن فقدان العمل يطلق سلسلة من التفاعلات الكيميائية والنفسية تشبه إلى حد كبير مراحل الحزن الخمس: (الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، ثم القبول)، ويظهر ذلك بوضوح في:
1. أزمة الهوية والاحتراق الداخلي
يدمج الكثير منا هويته الشخصية بمسماه الوظيفي، لذلك عندما تسقط البطاقة التعريفية الخاصة بالعمل، يشعر الفرد بضياع المعنى. هذا الفقدان يضرب الحاجة للانتماء والحاجة للكفاءة، ما يؤدي إلى انخفاض حاد في تقدير الذات.
2. القلق الوجودي والخوف من المستقبل المجهول
الخوف من الفقر ليس المحرك الوحيد للقلق، بل هو الخوف من عدم اليقين، فالدماغ يترجم فقدان الوظيفة باعتباره تهديداً للبقاء، ما يبقي الجهاز العصبي في حالة استنفار دائم يبقيها مضطربة بين استجابتي الكر والفر، وهو ما يفسر الأرق، وفقدان الشهية، والتوتر المزمن الذي يصاحب هذه الفترة.
وهنا يشير المعالج النفسي أسامة الجامع إلى إن الارتباك في مراحل الحياة الانتقالية، ومن ضمنها الانتقال من الوظيفة إلى البطالة أو العكس، هو أمر طبيعي ينبغي ألا يستجيب الشخص له بالفزع إنما بالتقبل؛ فالتأقلم يتطلب وقتاً، ولنجاحه يجب تجنب الانسحاب أو الاستسلام.
اقرأ أيضاً: "أنت لست وظيفتك": كيف تستوعب الأبعاد المختلفة لذاتك؟
5 إرشادات فعالة للنهوض من جديد بعد فقدان الوظيفة
التعافي من فقدان الوظيفة ليس عملية تلقائية تحدث بمرور الزمن، بل هو عمل نشط يتطلب اتباع إرشادات واضحة أهمها:
1. امنح نفسك الحق في الحزن
لا تتظاهر بالقوة فوراً؛ فمن الضروري الاعتراف بالمشاعر السلبية، لذا لا تخجل من أن تبكي أو تغضب أو تعبر عن حزنك بالكتابة، إذ إن كبت المشاعر يؤدي إلى إطالة أمد الصدمة وتحويلها أحياناً إلى اكتئاب سريري.
2. سطر قصتك بصياغتك
من أخطر الأمور بعد فقدان الوظيفة هو جلد الذات، وهنا يصبح من المفيد والضروري إعادة صياغة القصة في ذهنك، فبدلاً من قولك: لقد طردت لأنني فاشل، قل: الشركة تمر بإعادة هيكلة، وخبراتي ستكون قيمة في مكان آخر، تذكر دائماً أنك فائض عن حاجة العمل ولست شخصاً فاشلاً.
4. رتب روتينك اليومي
الفراغ هو العدو الأول للصحة النفسية، فالشخص القوي نفسياً لا يترك يومه للصدفة وهذا يرشدك إلى أهمية وضع روتين يومي يتضمن:
- الاستيقاظ في وقت محدد.
- ممارسة الرياضة (لتعديل الكيمياء الدماغية).
- تخصيص ساعات محددة للبحث عن عمل، وعدم الانخراط في ذلك طوال اليوم.
4. تجنب العزلة الاجتماعية
الخجل من فقدان الوظيفة قد يدفعك للانسحاب من محيطك الاجتماعي، لكن التواصل مع الأصدقاء والداعمين يعد مصلاً نفسياً واقياً، إذ إن الدعم الاجتماعي يقلل مستويات الكورتيزول ويمنحك منظوراً خارجياً للأمور.
5. لا تتردد في استشارة المعالج النفسي عند الحاجة
أحياناً تكون الصدمة أعمق من قدرة الفرد على الاحتمال، خاصة إذا ارتبطت بضغوط مالية هائلة، هنا يأتي دور العلاج النفسي. فالمعالج النفسي يستطيع مساعدتك في فك تشفير المعتقدات الجوهرية التي تحطمت والاستعاضة عنها بمعتقدات مرنة تساعدك على العودة لسوق العمل بصلابة أكبر.
ختاماً، فقدان الوظيفة هو نهاية فصل وليس نهاية الكتاب، وقوتك النفسية لا تعني عدم السقوط، بل تعني القدرة على استعادة التوازن بعد الارتطام بالأرض، ما أود قوله لك: كن واثقاً بأن الحياة أوسع من مكتب، وربما تكون هذه الأزمة فرصة لإعادة تقييم شغفك ومهاراتك.
اقرأ أيضاً: تخشى الإصابة باكتئاب البطالة؟ تعرف إلى 5 استراتيجيات لمواجهته