هل أصبح عملك يهدد حياتك الاجتماعية؟ إليك ما يجب فعله

4 دقيقة
ضغوط العمل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

في الفيلم الأميركي كليك (Click)، يعمل مايكل نيومان (Michael Newman) مهندساً معمارياً يسعى جاهداً لإعالة أسرته. لكن خلال سعيه نحو النجاح المهني، يعرض عليه أحدهم فرصة امتلاك جهاز تحكم سحري يُمكّنه من تجاوز لحظات الحياة المرهقة. في البداية، يبدو الأمر كأنه حلمٌ تحقق؛ تسريع لمواقف الخلافات الزوجية ووجبات العشاء المملة، فلا مزيد من الجدال أو الاستماع لمشكلات الأطفال أو الاضطرار لحضور مناسبات اجتماعية مع أفراد العائلة والأصدقاء على حساب العمل، فقط الانتقال سريعاً إلى أحداث العمل المهمة مثل لحظة الترقية في العمل.

ومع ذلك، وبينما يستخدم مايكل هذه القوة، يكتشف حقيقة مؤلمة؛ إذ بتخطيه اللحظات الصعبة، يفتقد أيضاً العناق مع أطفاله واللحظات العائلية اليومية الصغيرة ذات الأهمية الحقيقية، والضحكات التي تنبع من القلب مع الأصدقاء. يشاهد علاقاته تتلاشى تدريجياً، مدركاً بعد فوات الأوان أن الوقت والأشخاص الذين نحبهم لا يمكن تعويض وجودهم.

ربما شعرت يوماً مثل مايكل؛ قد يكون هذا الشعور رغبة في الصراخ غضباً على صديقك وهو يشكو لك همومه، أو كنت غارقاً بالعمل لدرجة أنك لا ترغب حتى بمشاركة عائلتك مائدة العشاء. الحقيقة أنه يمكن لضغوط العمل التسلل بهدوء إلى علاقاتنا، فتسلبنا التواصل والفرح قبل أن ندرك ما يفوتنا. لكن على عكس مايكل، لست بحاجة إلى جهاز تحكم سحري عن بعد لتغيير قصتك، فقط تابع هذا المقال للحصول على خطوات فعالة تمنع عملك من إفساد علاقاتك.

كيف تهدد ضغوط العمل علاقاتك الاجتماعية؟

إجهاد العمل قد يكون أكثر من مجرد عبء شخصي، إذ يمكنه تعطيل العلاقات. في مرحلة ما من مسارك المهني، يكون العمل من أولوياتك التي تبقيك موجِّهاً بوصلة حياتك باتجاهها، فتواجه صعوبة في ترك مخاوفك على باب المكتب، وتنقل هذا التوتر إلى حياتك الشخصية، وتُصبح قليل الصبر وسريع الغضب ومنغلقاً على ذاتك. وقد يُؤدي هذا الانهيار، وإن كان تدريجياً، إلى سوء تفاهم وخلافات مع الآخرين عموماً بمن فيهم الشريك والعائلة والأقارب والأصدقاء، وحتى الجيران.

تشير المختصة في العلاقات، ألكسندرا سولومان (Alexandra Solomon)، إلى أن التوتر مُعدٍ للغاية، فنحن بطبيعتنا كائنات اجتماعية، وتتفاعل أنظمتنا العصبية مع بعضها، لذا عندما يكون أحدنا متوتراً، فإنه لا يستطيع إظهار المودة، وينغلق على نفسه، فيشعر الطرف الآخر، أياً كان، بالإهمال أو عدم الأهمية ويُصاب بالتوتر وينسحب أيضاً، ما يخلق حلقة مفرغة من التوتر والتباعد بين الطرفين.

يُعدّ التأثير التراكمي لهذه الضغوط كبيراً، حيث كشف تقرير "حالة القوى العاملة لعام 2024" (2024 Workforce State of Mind) الذي أصدرته شركة هيد سبيس هيلث (Headspace Health) لخدمات الصحة النفسية الرقمية أن 71% من الموظفين أفادوا بأن ضغوط العمل تسببت في إنهاء علاقة شخصية، وأن ما يقرب من 40% أفادوا بأنها أثرت سلباً في قدرتهم على رعاية أسرهم أو الصحة النفسية لأطفالهم.

ويضيف المختص النفسي، أسامة الجامع: "إن تأثير العمل على جودة الروابط العائلية أكبر من تأثير الارتباط الأسري على العمل، بمعنى أن الأسرة تفقد الكثير من الاستقرار النفسي في حال انشغال رب الأسرة عن أسرته أكثر من اللازم".

متى تعرف أن عملك أصبح يهدد علاقاتك الاجتماعية؟

غالباً ما يلقي ضغط العمل بظله على حياة الفرد بطرق خفية لكنها مدمرة. لذا إليك أهم العلامات التحذيرية التي يمكن أن يساعدك التعرف إليها على إنقاذ علاقاتك قبل أن تعاني ضرراً دائماً:

  1. زيادة انفعالك وتكرار تقلبات مزاجك.
  2. البُعد أو الانسحاب والانطواء بعيداً عن الطرف الآخر في العلاقة؛ بعبارة أخرى، قد تكون حاضراً جسدياً، وغائباً ذهنياً.
  3. بالنسبة للشريك العاطفي، قد تواجه صعوبة في التواصل أو إجراء محادثات مطولة معه، بحيث تقتصر نقاشاتكم على مهام اعتيادية مثل "هل دفعت الفاتورة؟"، "من سيأخذ الأطفال؟".
  4. قلّة الوقت المُخصص لممارسة الأنشطة الاجتماعية في علاقاتك، بسبب جداول العمل المُزدحمة والإرهاق.
  5. تغيرات سلوكية، مثل إحضار العمل إلى المنزل أو خلال لقاءاتك مع أصدقائك، أو تجنّب التجمعات الاجتماعية، أو حتى زيادة كمية الطعام المتناولة.
  6. زيادة الخلافات أو الجدالات، لفقدان القدرة على تحمل الضغط والإحباط.
  7. أعراض جسدية مثل الإرهاق وصعوبة النوم والصداع أو مشكلات الجهاز الهضمي، أو خفقان القلب.
  8. أعراض نفسية، مثل القلق والإحباط والاكتئاب والصعوبات المعرفية.

7 خطوات فعّالة لمنع عملك من إفساد علاقاتك

قد يكون تحقيق التوازن بين العمل والعلاقات الشخصية أمراً صعباً، ولكن باتباع استراتيجيات مدروسة، يمكنك منع تأثير عملك سلباً في علاقتك. إليك بعض الخطوات الفعالة:

1. أعطِ علاقاتك الاجتماعية ما تستحقه من أولوية

تستحق علاقاتك الاجتماعية القدر نفسه من الأولوية الذي يستحقه أكبر مشاريعك في العمل، لذا ضع شريكك وعائلتك وأصدقاءك على رأس قائمة أولوياتك. هذا لا يعني إهمال عملك؛ بل يعني تخصيص وقت لأحبابك في جدولك اليومي. على سبيل المثال، حاول تنظيم لقاءات أو أنشطة مشتركة مثل ممارسة الرياضة أو الأعمال التطوعية برفقة الأشخاص الذين تهمك علاقتك بهم، فهي تعزز الروابط وتساعدك على تخصيص وقت لعلاقاتك دون الشعور بالضغط.

2. ضع حدوداً واضحة بين العمل والحياة الشخصية

حدد أوقاتاً لا تستجيب فيها نهائياً لأي شيء متعلق بالعمل، وذلك بخطوات حاسمة مثل الامتناع عن الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات الخاصة بالعمل في أثناء اللقاءات العائلية أو بعد الذهاب إلى المنزل. الفصل بين العمل والعلاقات يضمن لك جودة تواصل أعلى مع أحبائك.

3. اعتن بنفسك

العناية بالنفس تعزز حضورك الاجتماعي، فلا يمكنك أن تكون صديقاً أو فرداً جيداً في العائلة إذا كنت مستنزفاً ذهنياً وجسدياً. خصص وقتاً للراحة، لممارسة الرياضة أو هواياتك، فهي تمنحك الطاقة اللازمة للحفاظ على علاقات قوية.

4. تواصل بصراحة مع من حولك

إذا كنت تمر بضغط عمل كبير يؤثر في وقتك مع الأصدقاء والعائلة، لا تدعهم يفسرون غيابك بطريقة خاطئة. شاركهم ما تمر به، وكن واضحاً بشأن احتياجاتك وحدودك، ولكن لا تدعها تسيطر على كل حديث، وناقش معهم الحلول الممكنة.

5. تعلّم التقدير لا النقد

في بيئة العمل المزدحم، قد يصبح النقد عادة غير مقصودة تمتد إلى تفاعلاتك الاجتماعية. بدلاً من التركيز على العيوب، حاول أن تعبر عن امتنانك وتقديرك لأحبائك، فهذا يعزز علاقاتك ويخلق بيئة إيجابية.

6. كن جريئاً على قول "لا" في العمل

قد تكون متطلبات العمل مرهقة، ولكنك لست مضطراً لقبول المهام الإضافية كلها على حساب وقتك مع الأشخاص المحيطين بك. احرص على تحديد أولوياتك ولا تتردد في أن ترفض بلطف ما يسند إليك من مهام تجعل عملك يتعارض مع جودة حياتك الاجتماعية، مع حرصك على عرض البدائل أو التفاوض بشأن المواعيد النهائية.

7. اطلب المساعدة عند الحاجة

إذا وجدت أن العمل يلحق الضرر بعلاقاتك باستمرار، فلا تتردد في طلب استشارة المختص الاجتماعي، أو حتى التحدث إلى قسم الموارد البشرية حول خيارات العمل المرنة.

المحتوى محمي