وظيفتك بلا غاية؟ هذا ما عليك فعله لتستعيد معناها

9 دقائق
العمل الذي يحمل رسالة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

من منا لا يحلم بعمل ذي معنى يتوافق مع قيمنا ويحدث أثراً في هذا العالم ويمنحنا دافعاً للنهوض من الفراش صباحاً؟ ولكن، ماذا لو كان هذا العمل مرهقاً أو مستنزفاً للطاقة الجسدية أو النفسية؟ هل يستحق "المعنى" كل هذا العناء؟ دعونا نستكشف ما تقوله الأبحاث عن العمل الهادف وتأثيره النفسي، وكيف يمكن تقليل الضغط النفسي الناتج عنه، وما الذي يمكن فعله لإضفاء المزيد من المعنى على الوظيفة الروتينية.

اقرأ أيضاً: تعمل كثيراً ولا تنال ما تستحق؟ إليك ما يمكنك فعله

ما وراء الأجر: المكافآت العاطفية للعمل الهادف

ثمة دراسة منشورة في مجلة السلوك المهني عام 2021 تعرف العمل الهادف بأنه التجربة الذاتية للأهمية الوجودية والقيمة الشخصية المستمدة من العمل. ووفقاً لهذه الدراسة، فإن العمل الهادف لا يقتصر على الراتب أو المكانة الاجتماعية فحسب؛ بل يتعلق بمدى تلبيته للاحتياجات النفسية الداخلية، وذلك استناداً إلى نظرية تقرير المصير.

تكمن في قلب هذه النظرية فكرة مفادها أن البشر يمتلكون احتياجات نفسية فطرية معينة، مثل الاستقلالية والكفاءة والترابط مع الآخرين والإحسان، وأن إشباعها ضروري لرفاهية الإنسان وتحفيزه ونموه الشخصي. وعندما يتوافق العمل مع هذه الاحتياجات، فإنه يمنح الشخص شعوراً بالأهمية الوجودية، ما يعزز بدوره الصحة النفسية والرضا الوظيفي والإنتاجية.

على سبيل المثال، وجدت دراسة منشورة في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة عام 2023 أن الموظفين الذين يشعرون بأن عملهم يتماشى مع أهدافهم الحياتية ويستمتعون بأداء مهامهم، يتمتعون بصحة نفسية أفضل وسعادة أكبر وتنخفض نياتهم ​​في ترك العمل. فضلاً عن ذلك، وجدت دراسة منشورة في المجلة البريطانية للصحة النفسية أن العمل الهادف يرتبط بانخفاض مستويات الاكتئاب، وخاصة عندما يقترن برضا وظيفي مرتفع.

اقرأ أيضاً: حتى في أسوأ أيامك: 5 خطوات تستعيد بها اتزانك النفسي

الوجه المظلم للعمل الهادف: متى يصبح المعنى عبئاً؟

يمكن القول إن العمل ذا المعنى كالسلاح ذي الحدين، فبينما ينظر إليه على أنه أحد أسرار السعادة، تظهر الأبحاث أنه ليس دائماً بهذه البساطة. على سبيل المثال، وجدت دراسة منشورة في دورية الحدود في علم النفس عام 2023، أن العمل الهادف والضغط النفسي المرتبط به مترابطان بعمق.

فقد يقلل العمل الهادف الشعور بالتوتر؛ أي عندما يهتم الإنسان بعمله اهتماماً عميقاً، سيشعر بمزيد من التحفيز والرضا وقدرة أعلى على تحمل المصاعب في العمل؛ لكن في المقابل، قد يفاقم الاهتمام البالغ بالعمل والانشغال العاطفي به وإرهاق الذات لتحقيق الأهداف الشعور بالتوتر.

والأمر اللافت للنظر أيضاً، أن بعض الناس لا يفصلون العمل الهادف عن الضغط النفسي. فتراهم يتساءلون: "إذا لم يكن العمل مرهقاً، فهل سيظل مهماً؟". ويمكن لهذا التشابك العاطفي أن يخلق صراعاً داخلياً، فقد يشعرون بالذنب عند الراحة أو تخفيف العمل، خوفاً من أن يخونوا أهدافهم.

علاوة على ذلك، وعندما ترتبط الهوية الشخصية ارتباطاً وثيقاً بالعمل وتتلاشى الحدود بينهما، قد يبدو الفشل في العمل أو النقد فشلاً شخصياً، وقد يمنع ذلك التشابك تنمية شعور مستقر ومستقل بالذات. ووفقاً للمعالجة النفسية، ديالا عيتاني، فإن خسارة العمل الذي يوليه الشخص أهمية كبرى في حياته، على حساب الجوانب الأخرى من الحياة، قد يتطور إلى اكتئاب أو شعور عميق بالخسارة والوحدة.

اقرأ أيضاً: قائد عطوف أم حازم؟ اكتشف نقطة التوازن الذكية

6 نصائح تساعدك على تقليل التوتر المرتبط بالعمل الهادف

عندما يصبح العمل الهادف مرهِقاً عاطفياً، يغدو من الضروري خلق مساحة للتعافي، ووضع حدود، والتعاطف مع الذات؛ وإلا فإن أكثر الأعمال الهادفة قد تؤدي إلى ضرر نفسي. وإليك بعض النصائح لإدارة التوتر في هذه الحالات:

1. أدرك أن العمل الهادف يمكن أن يستنزفك إذا لم تكن حذراً: لنفرض مثلاً أن طاقتك وشغفك مثل بئر ماء عذب، فإذا واصلت العطاء والعمل والمساعدة دون رعاية نفسك، فستجف هذه البئر في النهاية.

لذا من المهم أن تضع حدوداً لمقدار ما تتطلبه الوظيفة منك عاطفياً ونفسياً وجسدياً، وأن تنتبه إلى العواقب الصحية الجسدية والنفسية للتوتر الناجم عن هذا العمل النبيل. ولا تتردد في أخذ فترات راحة حقيقية، وتعلم قول لا في بعض الأحيان، واسمح لنفسك بالابتعاد عند الحاجة. هذا ليس كسلاً ولا أنانية، إنما خطوات أساسية تساعدك على البقاء قوياً وصحياً وقادراً على الإسهام على المدى الطويل، في العمل والحياة على السواء.

2. وفر الوقت: فوض المهام إلى الزملاء أو استعن بمتدرب أو زميل للمساعدة على أدائها، واقض هذا الوقت بممارسة أنشطة غير متعلقة بالعمل، فذلك يساعد على إثبات هويتك خارج نطاق العمل، ويقلل التعلق المفرط به، ويعزز مهارات التواصل والقبول.

3. ابدأ بخطوات صغيرة: جرب الهوايات التي تتطلب التزاماً منخفضاً في البداية، فذلك يساعد على الالتزام والاستمتاع بتجارب غير مهنية دون ضغوط؛ ويبني عادات إيجابية تدريجياً.

4. اعمل على تقوية شبكتك الاجتماعية: تواصل مع العائلة والأصدقاء القدامى عبر اللقاءات أو المكالمات أو حتى الرسائل النصية، لأن وجود الأصدقاء يزيد الرضا عن الحياة ويساعدك على الاستمتاع بوقتك، كما سيعينك على بناء شبكة دعم تسندك وقت الحاجة.

5. فكر في قيمك الشخصية: فكر مطولاً في مبادئك وقيمك وراجعها، وحدد ما يهمك فعلاً في الحياة، ورتب أولوياتك؛ هل ترى المهنة أولوية؟ أم الأطفال أم المجتمع أم العلاقات الشخصية أم غيرها؟ لماذا يساعدك ذلك؟ لأنه يرسخ قيمتك الذاتية انطلاقاً من مبادئك الشخصية وليس من الإنجازات الخارجية؛ ويقدم لك التوجيه لاتخاذ القرارات المستقبلية.

6. أعد صياغة هويتك المهنية: انظر إلى نفسك من خلال مهاراتك وليس فقط من خلال المسمى الوظيفي أو الشركة التي تعمل بها. واستكشف أدواراً بديلة في المجال نفسه إن كنت تحب عملك ولا تود تركه بأكمله؛ إذ ما زال بإمكانك إحداث أثر بطرائق مختلفة، مثل توجيه الآخرين الذين يدخلون هذا المجال، أو التطوع بدوام جزئي بدلاً من العمل بدوام كامل، أو المساعدة في صياغة السياسة أو الكتابة أو التدريس. تذكر أن المعنى لا يأتي من مسمى وظيفي محدد، بل من عيش قيمك بأي طريقة تناسبك.

ماذا تفعل لو كنت تعمل في وظيفة ليست ذات معنى؟

في الواقع، العمل الهادف أمر شخصي جداً، ينشأ من لحظات غير متوقعة وارتباطات بالقيم الشخصية والعائلة والإسهامات المجتمعية، وليس فقط من ظروف العمل أو الرضا الوظيفي. لذا، فإن إضفاء معنى على العمل يتطلب خلق شعور بالهدف والرضا والتوافق بين وظيفتك وقيمك أو أهدافك الشخصية. وإليك عدة طرائق لتحقيق ذلك:

  1. اربط عملك بقيمك الشخصية: مرة أخرى، فكر فيما يهمك وتأمل قيمك وأهدافك ومبادئك، وكيف يسهم عملك في تحقيق هذه القيم. فعندما تتوافق مهامك مع معتقداتك أو شغفك الأساسي، يصبح العمل أهم. لكن، تذكر أنه ليس من الضروري أن تغير كل شيء بين عشية وضحاها، إنما ابدأ بخطوات صغيرة تقربك من أهدافك، والتزم بها.
  2. انظر إلى التأثير: افهم كيف يؤثر عملك إيجابياً في الآخرين وقدر ذلك، سواءً في زملائك أو في عملائك أو في المجتمع ككل. فإدراكك للأثر الذي تحدثه يعزز شعورك بالهدف.
  3. ركز على نقاط قوتك: استخدم مواهبك ونقاط قوتك وقدراتك المميزة في عملك لإحداث فرق حقيقي في بيئة عملك. وفكر في الخروج من منطقة الراحة، وقبول التحديات الجديدة، فذلك يساعدك على النمو الشخصي ويعزز شعورك بالإنجاز.
  4. تواصل مع الزملاء: كون علاقات قيمة مع زملاء العمل والعملاء، فالعلاقات الشخصية القوية تزيد الرضا الوظيفي والشعور بالانتماء.
  5. حقق التوازن بين الإنجاز والإجهاد: أي حاول إيجاد حل وسط صحي، بحيث يمثل عملك تحدياً كافياً لإبقائك مهتماً ومتحفزاً، ولكن ليس لدرجة أن تشعر بالإرهاق أو القلق. هذا يعني أداء مهام تدفعك للنمو، مع مراعاة النصائح المذكورة في الفقرة السابقة. عندما تحقق هذا التوازن، ستبقى منخرطاً في عملك وتشعر بالرضا على المدى الطويل، بدلاً من الشعور بالإرهاق.
  6. تأمل في المعنى بانتظام: قيم بانتظام إذا ما كان عملك لا يزال يتماشى مع أهدافك وهويتك المتطورة، وكن منفتحاً على إجراء التغييرات إذا لزم الأمر.

المحتوى محمي