كيف يستخدم النجوم مثل محمد صلاح وميسي علم النفس لتحسين أدائهم؟

5 دقائق
علم النفس الرياضي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: اكتسب علم النفس الرياضي اعترافاً كبيراً في السنوات الأخيرة، بعد أن أدرك الرياضيون والمدربون أهمية تدريب العقل جنباً إلى جنب مع الجسد.

بينما تراقب رافاييل نادال في بطولة فرنسا المفتوحة للتنس (رولان غاروس الدولية)، قد تجده متعباً ومتوتراً، وربما مصاباً، ومع ذلك غالباً ما كان النصر حليفه في مواجهاته. في سياق مماثل، قدم ليونيل ميسي للصحفيين وجماهير الأرجنتين ابتسامة ساحرة بعد الهدف الثالث لفرنسا في شباك الأرجنتين بكأس العالم 2022، ليخبر العالم بها إن النهاية لم تحن بعد. وبالفعل، انتهت المباراة بفوز الأرجنتين بلقب بطل العالم، وحمل اللاعب ذو الستة والثلاثين عاماً الكأس متوجاً مسيرته الكروية.

إن أفضل العروض الرياضية ليست مجرد مسألة لياقة بدنية، فغالباً ما تقرر النفس بين الانتصار والهزيمة. يزوّد علماء النفس الرياضي الرياضيين بتقنيات وحيل لتحسين أدائهم، والتعامل على نحو أفضل في المواجهات المتوترة.

ربما لا نمتلك القدرات والمهارات الجسدية لنادال وميسي؛ لكن يمكننا تعلُّم حِيلهم الذهنية التي تعظّم قدراتهما الجسدية وتحسّن أداءهما.

ما هو علم النفس الرياضي؟

إن فهم علم النفس الرياضي هو الميزة التي يتمتع بها أحد الفريقَين أو اللاعبين، ويحسم بها نتيجة المباراة لصالحه في أي نوع من الألعاب الرياضية. بعبارة أخرى؛ يمكن تعريف علم النفس الرياضي وفقاً للجمعية الأميركية لعلم النفس (American Psychological Association)، على أنه الدراسة العلمية للعقل والعاطفة والسلوك من حيث صلتهم بالأداء الرياضي والنشاط البدني، واستخدام المعرفة والمهارات النفسية للوصول إلى الأداء الأمثل للرياضيين وتعزيز صحتهم، لزيادة قدرات التحمل لديهم، والحصول على درجات عالية من أداء الرياضيين على المستويات جميعها بحيث يتمكنون من تجاوز حدودهم.

أشار الباحث أحمد أمين فوزي في كتابه "مبادئ علم النفس الرياضي: المفاهيم التطبيقات" إلى أن علم النفس الرياضي قد ظهر بوصفه أحد فروع علم النفس التي تهدف إلى إيجاد الحلول للمشكلات التي يعانيها الرياضي جميعها، وتطوير قدرات اللاعبين للوصول إلى منصات التتويج، وذلك عبر دراسة شخصياتهم، ومعرفة أفضل السبل التي تحسن أداءهم.

علاوة على ذلك، يمكن لهذه العمليات الذهنية أن تحسّن تركيز اللاعب وتسهم في التغلب على الإصابات والتعامل مع كلٍ من الفشل والنجاح.

وفقاً للعالم المعرفي ماسيميليانو كابتشيو (Massimiliano Cappuccio)، الأستاذ المحاضر في كلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية (College of Humanities and Social Sciences) بجامعة الإمارات العربية المتحدة (United Arab Emirates University) وجامعة نيو ساوث ويلز (University of New South Wales)؛ لا يكفي التدريب البدني والتمرينات الرياضية للتميز في المنافسة؛ بل يجب أيضاً إعداد الرياضي ذهنياً على نحو مثالي لمواجهة التحدي.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى نوع جديد من الرياضة للروح والجسد

ما أهم تقنيات علم النفس الرياضي لتحسين أداء اللاعبين؟

حدد عالم النفس الرياضي، الدكتور ديف ماكنتاير (Dave McIntyre) بعض المهارات العقلية لتحسين الأداء بغض النظر عن رياضتك؛ وهي:

عقلية النمو

العقليات هي الافتراضات والتوقعات التي لدينا لأنفسنا وللآخرين. توجه هذه المواقف سلوكاتنا وتؤثر في استجاباتنا للأحداث اليومية. والأشخاص الذين يمتلكون عقليات النمو يعتقدون بقدراتهم على التعلم وتعزيز إمكانياتهم دائماً. في المقابل، يعتقد الأفراد الذين يمتلكون عقليات ثابتة أنهم ولدوا بقدر ثابت من المواهب و القدرات، وأن ذكاءهم ومواهبهم هي سمات ثابتة. ويعتمد نجاح الرياضي على عقلية النمو ودرجة اعتقاده بقدرته على تنمية مواهبه ومهاراته.

الصلابة الذهنية

الصلابة الذهنية هي قدرة الأشخاص على اتخاذ مواقف تدريبية تنافسية صعبة للغاية بخطىً سريعة، فلا يسمحون لأنفسهم بالانصراف عن الهدف الرئيس، أو الشك الذاتي والقلق؛ أي يؤمنون بأنفسهم ما يمنعهم من الاستسلام للضغوط الداخلية أو الخارجية.

وتتطلب الصلابة الذهنية المثابرة على تحقيق الأهداف الطويلة المدى، وغالباً ما تكون المثابرة هي الفرق بين الرياضي المتفوق والعادي، والسمة التي تجعله يرفض تخطي التدريبات، أو التشتت باللهو مع الأصدقاء.

علم النفس الإيجابي

يعتمد علم النفس الإيجابي على فرضية أن بعض العوامل يعزز البيئة الداخلية للأفراد، ويسمح لهم بالازدهار؛ مثل احترام الذات ونظام الدعم الإيجابي من الأسرة والمدارس والمدربين والمجتمع بصفة عامة. ومن خلال التحكم بهذه العوامل، يمكن الوصول إلى الأهداف المنشودة والوصول وامتلاك السعادة، فالرياضي الناجح يعتبر المواجهات الصعبة فرصة للتعلم والنمو بدلاً من الشعور بالتهديد.

اقرأ أيضاً: كيف تزيد رياضة الحركات المتزامنة التقدير الذاتي؟

قوة التحضير

يشير أستاذ علم النفس أنديرس إريكسون (Anders Ericsson) في جامعة ولاية فلوريدا الأميركية (Florida State University)، إلى أن الرياضي الناجح يمتاز بما يُعرف بـ "الممارسة المتعمدة"، وهي الخروج من منطقة الراحة وتجربة أنشطة تتجاوز قدراتك الحالية.

الشعور بالمسؤولية

سواء كنت تلعب في رياضة فردية أو جماعية، فإن الشعور بالمسؤولية يعني التعامل مع الفوز والخسارة بتواضع ومسؤولية. على سبيل المثال؛ إذا خسرت أو كان أداؤك دون المعايير المتوقعة، فعليك الاعتراف بخطئك، وألا تلقي باللوم على زملائك أو مدربك أو الحُكّام.

اقرأ أيضاً: كيف تجعلك ممارسة الرياضة سعيداً؟

التصوُّر

تخيل نفسك تحمل الميدالية الذهبية وتسمع الجماهير تهتف باسمك عالياً. مع هكذا تصور، تمكّن الكثيرون من الأبطال الأولمبيين من الوصول إلى المرتبة الأولى. يُعدّ التصور من الأدوات القوية والمهمة التي تساعد الرياضيين على إدارة التوتر قبل المباريات، وتخفيف القلق خلال المنافسة، وتحسين التركيز بصفة عامة.

الامتِنان

شُكر العائلة أو المدرب أو زملاء الفريق، والشعور بالامتنان لهم يومياً هو أسلوب الرياضيين المحترفين. ليس ذلك فحسب؛ بل يمكنك الشعور بالامتنان لنفسك لعدة أسباب:

  1. امتلاكك جسداً ذا مستوى أداء عال.
  2. امتلاكك الموارد أو الرعاة لتحقيق أحلامك.
  3. تمتُّعك بالمرونة اللازمة للتدريب بجدّ.

نية التنفيذ: الحديث مع النفس

يعمل الحديث التحفيزي الذاتي على تحسين أداء التحمل؛ ما يزيد مستوى الطاقة ووقت الإرهاق. يمكن للرياضي أن يتحدث إلى نفسه بصوت عالٍ أو داخلياً ويقول أشياء مثل "يمكنني الاستمرار"، أو  "لا زلت أملك المزيد من الطاقة".

يمكن لمثل هذا التحفيز والإقناع الذاتي أن يؤثر في تقييم الرياضي للموقف المجهد، ودرجة الإيمان بالذات.

اقرأ أيضاً: كيف تخلصك رياضة التاي تشي من التوتر والقلق؟

أمثلة عملية لتأثير علم النفس الرياضي 

يحمل التاريخ الرياضي العديد من الأمثلة على تأثير الحيل الذهنية التي يمارسها علم النفس الرياضي في نجاح الرياضيين وتحسين أدائهم البدني؛ ومنها:

  • في تحدي المدرب الرياضي غريغ وايت، الممثل الكوميدي إيدي إيزارد للجري في 34 ماراثوناً متتالياً خلال 51 يوماً، لم يكن الممثل يمتلك حتى زوجاً من الأحذية الرياضية. ومع ذلك، تمكن إيزارد بعد 6 أسابيع من الإعداد على يد وايت من النجاح في إكمال مسافة نحو 814 كيلومتراً. كانت الرؤية، والثقة، والتدريب القائم على العلم، والدعم النفسي، وتصميم إيزارد هي المكونات الأساسية التي أدت إلى النجاح.
  • تواصل عدّاء دُوَليّ يعاني التوتر قبل السباق مع الطبيب النفسي الرياضي جون كريمر. وبعد تحديد ما يمر به العدّاء، ساعده كريمر على إعادة صياغة تصور الرياضي لقلبه النابض من الإجهاد الذي يؤثر سلباً في أدائه، وللاستعداد للمنافسة.
  • عام 2000، تعرضت الغواصة لورا ويلكينسون لكسر في 3 عظام قبل بداية الألعاب الأولمبية؛ لكنها تمكنت بعد العلاج النفسي الرياضي من تصميم روتين يتضمن تخيل إتقانها سلسلة من الغطسات المعقدة، وتمكنت في النهاية من الفوز بالميدالية الذهبية في أولمبياد سيدني.
  • في مقابلة أجراها المصري محمد صلاح لاعب نادي ليفربول الإنجليزي، مع الإعلامي عمرو أديب، تحدث عن سر نجاح ثلاثيته الشهيرة في مرمى نادي مانشستر سيتي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ضمن الجولة 9 للدوري الإنجليزي، وهو التخيل والتصور الذهني قبل المباراة. حيث أوضح صلاح إنه يمارسهما في أوقات فراغه عموماً؛ ما يساعده على رسم مجريات المباراة حتى قبل حدوثها، ويمنحه المزيد من الثقة والعزيمة للفوز بها.

اقرأ أيضاً: لماذا قد ننساق وراء المشاهير؟ وكيف نحد من ذلك؟

في الختام، تذكر أن النفس والجسد وجهان لعملة واحدة؛ إذ مثلما تؤثر الصحة النفسية في أدائنا، فإن للنشاط البدني تأثيره في النفس، فهو يحسن الأداء الأكاديمي للطلاب، ويعزز الثقة بالنفس، ويقاوم القلق والاكتئاب؛ لذا من المهم أن تولي كلاً منهما القدر الملائم من الاهتمام.