لثلاث سنوات، عانى جيرارد ذو الـ 35 عاماً، وهو عالم لامع، من نوبات إرهاق مفاجئة وضيق في التنفس وشعور بالثقل في الساقين وظلت هذه الأعراض الجسدية غير معروفة الأسباب حتى اكتشف أنها ذات منشأ نفسي.
ما هي طريقة العلاج النفسي الحيوي؟
يقول المؤسس المشارك ومدير مدرسة علم النفس الحيوي فرانسوا لوين: "عندما رأيت جيرارد أدركت أن عواطفه هي سبب الأعراض التي يعاني منها. وهذا ما أكدته مقابلتي معه؛ إذ قال لي هذا الشاب طويل القامة والنحيل نوعاً ما أنه شعر دائماً بأن ثمة ما يعزله عن الآخرين، وذلك على الرغم من أنه كان متزوجاً". خلال القسم الأول من جلسة العلاج النفسي أخبر العالم الشاب المعالج بأنه يمارس اليوغا والتأمل ثم وصف له الأعراض التي يعاني منها، ويقول المختص: "لقد كانت أعراضاً غريبة جداً سيطرت على جسده دون سبب واضح". ولم يكن من الممكن في حالة جيرارد علاج عواطفه مباشرة لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأعراض التي يعاني منها.
لذا فقد لجأ فرانسوا لوين إلى طريقة "التدليك الحيوي" التي تستهدف الجسد والعقل في آن معاً، ويرجع أصل هذه الطريقة إلى مبدأ "الانقباضات النفسية" الذي ابتكرته مؤسِّسة علم النفس الحيوي جيردا بويسن. من المعروف أن عواطفنا تؤدي إلى تغيرات جسدية لدينا بما في ذلك مثلاً التغيرات التي تطرأ على سرعة الدورة الدموية وسوائل الجسم، وتنتج عن هذه التغيرات أصوات مثل قرقرة البطن. اكتشفت جيردا بويسن أن هذه الإشارات هي دلالة على أن الجسم يحاول تنظيم نفسه واستيعاب العواطف التي يشعر بها المرء. ولتتيع أصوات "الانقباضات النفسية" يستخدم المختص سماعة طبيب، ويوضح قائلاً: "لم أتمكن من سماع أي أصوات من معدة جيرارد، وكان واضحاً أنه يعاني من عوائق تحول دون تدفق طاقته الجسدية ما أدى إلى ظهور تلك الأعراض لديه". تتميز هذه الطريقة بأنها تنظر إلى الجسد ككل، فخلال تدليك أصابع المريض بدأت بطنه تقرقر، ويقول المختص: "هذا يعني أن ثمة طاقة في هذه المنطقة لكنها ركدت في مكانها ولم تعد تتدفق، وكان سبب الأعراض التي عانى منها جيرارد هو أن جسده لم يكن يتقبل أي تحفيز خارجي، ولذلك فقد عملتُ على تخليص الجسد من هذا الحمل الذي يُثقله من خلال "مخارجه" وهي الرأس واليدان والقدمان".
خلال الجلسة الثانية بدأ المعالج النفسي بسماع أصوات من الجسد عند تدليك الساقين، فقرر العمل على تخليصه من توتراته العضلية، ويقول المعالج: "إضافةً إلى الأصوات التي يُصدرها الجسم، فأنا أتتبع كل الحركات اللاواعية الصغيرة التي تصاحبها وأركز عليها، وهذا هو مبدأ العلاج النفسي الجسدي الحيوي الذي يتطلب من الممارس أن يتمتع بمهارة التلقي. خلال الجلسات نطلب من المريض أن يعبر عن مشاعره لا أفكاره، وكانت هذه المرحلة هي الأكثر أهمية مع جيرارد حيث كان هناك اختلال في التوازن بين تطوره العقلي الكبير والضمور العاطفي الذي يعاني منه. بعد ستة أشهر من الجلسات العلاجية اختفت الأعراض تقريباً وكانت الطاقة تتدفق في جسده الذي استعاد قدرته على التنظيم الذاتي مجدداً، وبدأ جيرارد يدرك الواقع من حوله أكثر وتمكن من التركيز على مشاعره بصورة أفضل، وذات يوم، وبينما كنت أقوم بتدليك ذراعه، قال لي: "سر التواصل مع الآخرين هو الانفتاح عليهم"، وكانت تلك لحظةً استثنائيةً بالنسبة إلي".
نبذة تاريخية عن طريقة العلاج النفسي الحيوي
في عام 1947، اطلعت النرويجية جيردا بويسن (1922-2005) على عمل فيلهلم رايش، ولا سيما منهجه في العلاج النفسي القائم على طاقة الجسد الذي أدهشها. وبعد أن أنهت دراسة علم النفس وتدربت على العلاج الطبيعي في أوسلو، درست العلاقة بين التوتر العضلي والعواطف المكبوتة، ووضعت ملاحظاتها الخاصة حول هذا الموضوع، وخلصت إلى فكرة مفادها أن تأثيرات التوتر ترتبط بالجهاز الهضمي، وصاغت مفهوم "الانقباضات النفسية"، ثم طورت أسلوب التدليك الخاص بها وابتكرت من خلاله "علم النفس الحيوي"، لتنتقل بعدها إلى لندن في عام 1968 وتؤسس معهدها الخاص.
تُعتبر جيردا بويسن الآن من مؤسسي العلاج الجسدي النفسي، وكان علم النفس الحيوي قد حظي باعتراف الجمعية الأوروبية لعلم النفس كأسلوب علاجي.