ملخص: لم يكن صوت الأشخاص مفرطي الحساسية مسموعاً قبل عام 1996، إلى أن جاءت عالمة النفس الأميركية إيلين آرون (Elaine Aron) وسلطت الضوء على الشخص المفرط الحساسية وعلى معاناته.
محتويات المقال
لم يكن صوت الأشخاص مفرطي الحساسية مسموعاً قبل عام 1996، إلى أن جاءت عالمة النفس الأميركية إيلين آرون (Elaine Aron) وسلطت الضوء عليهم وعلى معاناتهم من خلال كتابها المعنون "هؤلاء الأشخاص الذين يخيفهم أن يخافوا: دليلك لفهم فرط الحساسية النفسية". وعلى عكس العقود الماضية، صار المصطلح اليوم معروفاً لدى العامة، كما بات المعالجون النفسيون يأخذونه في الحسبان عند التشخيص والمرافقة النفسية.
يرى المحلل النفسي سافيريو توماسيللا بأن هذا الاهتمام الذي بات يحظى به فرط الحساسية ليس وليد الصدفة؛ إذ يقول: " لا غرابة أن مجتمعاتنا اليوم ذات نزعة فردانية، والتي صارت تتحكم فيها التكنولوجيا ولم تعد تؤمن سوى بالإنتاجية كمعيار للحكم على أفرادها؛ باتت تدهس في طريقها كل من يتخلف عن ركبها، ولهذا فإن الحساسية النفسية غدَت مزيةً ينبغي إعلاء قيمتها والحفاظ عليها، ذلك أنها مستقبل الإنسانية".
لكن ذلك لا يعني أن توماسيللا يضفي على الأمر صبغة ملائكية، حيث يستطرد بالقول: "أن يكون الإنسان المفرط الحساسية لا يعني أن صحيفته بيضاء، فهو بذلك لا يُعدّ ملاكاً ولا ضحية للأشرار، إن بوسع مفرطي الحساسية أن يحولوا حياة المحيطين بهم إلى جحيم، كما بإمكانهم أن يسيؤوا معاملتهم. فهم أحياناً كثيرة يقعون بين المطرقة والسندان، يخلطون بين شعورهم غير الموضوعي وبين النية الحقيقية للآخر، كما يخلطون من جهة أخرى بين التعاطف والبذل المبالغ فيه للذات".
ما الذي يميز الشخص المفرط الحساسية؟
تعد سرعة الانفعال واحدة من أبرز سمات الشخصية مفرطة الحساسية؛ وهي ما تتسبب في الخلط بين قوة ما يحس به ونوايا الشخص الذي عمد إلى جرح مشاعره. حيث إن تأثرنا العميق لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الأذية التي ألحقها بنا الآخر هي بالقوة نفسها التي استشعرناها بها.
إذ من شأن انتقادٍ مغلف بالمزاح مثلاً أن يؤثر عميقاً في الشخص مفرط الحساسية مما يقود به إلى اتهام صاحب الانتقاد بأنه بيّت النية ليهينه. وهذا التأويل المغلوط لا يرتبط فقط بالأذية؛ بل قد يدفع بالمرء حين يجد التقدير أو يتلقى الثناء والإطراء إلى المغالاة في اعتبار نفسه محبوباً أو محطّ إعجابٍ بدرجة وقدر أكبر بكثير مما هما عليه في الواقع. وقد يدفع بالمرء إلى الانحياز المؤذي؛ أو ما يطلق عليه يونغ "الإسقاط النفسي الإيجابي"، الذي يعني منح الغير بشكل مبدئي مزايا دون إبصار عيوبه وسلبياته.
يوجه الشخص المفرط الحساسية تركيزه إلى الخصال الإيجابية في الآخر ويعمي عينه عن كل العيوب، ما يعرضه في النهاية إلى خيبة الأمل بل والخيانة أحياناً. في المقابل؛ ثمة من يسخر حساسيته هذه للتلاعب بغيره؛ وهو ما يؤكده سافيريو توماسيلا قائلاً: "إنه ذلك النوع من الأشخاص الذي لا تستطيع مواجهته بأي كلمة، ذلك أنه يشهر في وجهك بطاقة "انتبه، أنت تتعامل مع شخص بالغ الحساسية» لتفادي أي نوع من النقد أو المساءلة".
بذل مبالغ فيه للذات
صحيح أن التعاطف المبالغ فيه لا يختصر كل الحساسية المفرطة، لكنه يظل جزءاً منها. يطلق المحلل النفسي سافيريو توماسيلا على هذه الشريحة من الناس اسم "فائقو الحساسية" في حين تسميهم إلين آرون "مفرطو الحساسية المتعاطفون". وهم أولئك الأشخاص الذين يصح وصفهم بـ "إسفنجات آدمية للمشاعر"، إذ يذهب البعض بامتصاصه لمشاعر الآخرين لدرجة التماهي مع آلامهم والشعور بها على المستوى الجسدي، ولأنهم يرمون بأنفسهم في بحر هذه المشاعر دون سترة نجاة، فإنها تجرهم نحوها جراً إلى أن يغرقوا فيها. ما ينتج عنه إرهاق عاطفي مزمن لا يدركون إصابتهم به أو يعمدون إلى الاستهانة به ويوافقهم في ذلك محيطهم.
ومن ضمن المتاعب التي تترصدهم، امتصاص الطاقة، إذ يبذلون كل شيء دون حساب؛ مدفوعين بكرم أرواحهم وسعيهم اللاهث وراء المُثل والتعاطف، ولا عجب أن ينتهي بهم المطاف مُستنزَفين بشكل كامل، وتكثر هذه النوعية من الشخصيات عند الممارسين لمهن المساعدة. أما في علاقاتهم العاطفية، فإنك تجدهم يؤثرون الآخرين على أنفسهم بحيث يضعون احتياجات غيرهم وتلبية رغباتهم في المقدمة.
وفي هذا الصدد، يضع المحلل النفسي سافيريو توماسيلا النقط على الحروف قائلاً: "إن اللطف غير المحدود الذي يصل حد نكران الذات ليس سوى ترجمة لخوف المرء على مشاعره من أن تُجرح وعلى نفسه من أن يُرفض؛ حيث يجعلها البعض وسيلته لتفادي الصراعات إلى أن يجد نفسه عالقاً مع أشخاص أو وضعيات لا تناسبه على الإطلاق".
نصائح للأشخاص مفرطي الحساسية
أجمع الاختصاصيون على قولٍ واحد مفاده: لتفادي الوقوع في شراك الاحتراق النفسي والإجهاد العاطفي، على الشخص المفرط الحساسية أن يلِمَّ بآلية عمل نفسيته ويحدد بشكل واضح ما يسهم في فتح باب الحساسية النفسية المفرطة عليه. فوفقاً للمحلل النفسي سافيريو توماسيلا: "يخول الاشتغال على الذات وضع اليد على الأنماط المتكررة وبالتالي تفادي ردات الفعل شديدة الانفعال والتسرع". كما يُعد اختيار نمط حياة نفسية صحية مسألة هامة في إدارة الحساسية المفرطة، مثل ممارسة الاسترخاء والتأمل أو أي نشاط يسهم في الترويح عن النفس مثل المشي والنوم الجيد.
يوصي المحلل النفسي: "نصيحتي لهؤلاء الأشخاص، أن يأخذوا الوقت الكافي للتمعن والتفكير في ما سيقولونه قبل أن يتلفظوا بنعم أو أن يتجنبوا إلصاق الخصال الحميدة بالآخرين في الوقت نفسه الذي يغضون فيه أعينهم عن العيوب". كما يدعو إلى الاحتكام إلى أجوبة هذه الأسئلة الثلاثة المستوحاة من أسلوب التواصل اللاعنفي: بماذا أشعر؟ ما الذي أحتاج إليه؟ ماذا سأطلب؟
ويوضح: "من شأن الأجوبة على هذه الأسئلة أن تعيد المرء إلى ذاته وتربط الجسور بينه وبين احتياجاته وتخفف من حدة المشاعر المزعجة". بالإضافة إلى ذلك يعد واحداً من الحلول طلب رأي شخص محلّ ثقة؛ لينظر بموضوعية أكثر إلى ما قد يبدو في أعيننا تصرفاً عنيفاً. فالعودة إلى الموضوعية ستسهل عليه الإدارة الجيدة لحياته وتحميه من استنزاف طاقته النفسية والعاطفية في ما لا طائل منه.
صفات الشخص المفرط الحساسية
أنت شخص مفرط الحساسية إذا كنت تتلقى كل المشاعر دون غربلة أو حماية، وتمتصها كلها. تعيش على أعصابك، تُجرَح وتُستفَزّ وتستاء بسرعة! تعتبر مشاعر الآخر ذات أهمية أكبر مما تشعر به أنت، وتحرص على ألا تتسبب له بأي ضيق، سريع التأثر بآلام ومعاناة الآخرين. تدخل سعادة الآخرين الفرح على قلبك، فأنت اجتماعي ومليء بالحماس و تبحث عن الفرادة والتميز. تُشعرك الانتقادات وتضارب الأقوال بالتشويش، وتتفادى الصراعات والنزاعات. تهتز ثقتك بنفسك لأسباب تبدو بسيطة ظاهرياً.
أنت شخص مفرط الحساسية إذا كنت تتسم بخجل كبير، تقدر الجمال وخصوصاً جمال الطبيعة. يتملكك خوف من خيبة الأمل أو الرفض، تبحث عن الهدوء والسكينة، ويتملكك الهلع فجأة ودون سابق إنذار. تسعى إلى أن تختبئ وتهرب من الآخرين، تشعر بالذنب لأسباب واهية. وأنت تظن أن لعنة تطاردك أو أنك عرضة للاضطهاد على الدوام. وأخيراً، أنت تبخس نفسك حقها، ما يفسر نظرتك المغلوطة لذاتك.
7 شخصيات مؤذية لك إذا كنت مفرط الحساسية
سيعود بالنفع على الأشخاص مفرطي الحساسية بشكل عام والأشخاص المتعاطفين مفرطي الحساسية بشكل خاص البقاء بعيداً عن بعض الشخصيات، نذكر منها:
- النرجسي: يضع هذا الشخص نفسه في مركز الاهتمام، ويضع رغباته واحتياجاته في الصف الأول، كما يتلاعب بالشخصيات النبيلة واللطيفة دون أن يرف له جفن.
- الغاضب: مهتاج دائماً، يصرخ ليفرض وجهة نظره، ويضيق الخناق على مخاطبه.
- الضحية: لا يتحمل أبداً مسؤولية أفعاله ويبحث دائماً على منقذ يتولى هذه المهمة.
- الدرامي: أدواته حكايات ساحرة وتصرفات مسرحية، ما يبحث عنه هو متفرج يصفق له لا شخص يشاركه الحديث.
- المهووس بالسيطرة: شخص سلطوي يتدخل في الأمور كلها؛ يدير كل شيء مكان الآخرين حتى وإن لم يُطلب منه ذلك.
- الثرثار: طوفان كلام؛ يرهِق ويسبب الضيق.
- السلبي العدواني: لا يكشف عن عدوانيته بشكل صريح، يعبر عن غضبه وهو يبتسم ويدلي بتلميحات ظاهرها السذاجة فيما باطنها عكس ذلك، ومعه يتحول المُعنِّف إلى مُعنِّف.
في ختام هذا المقال؛ ثمة سُبل كثيرة لتُسلك كي تتعايش مع حساسيتك المفرطة. وأنت تختار ما يناسبك منها. تذكر أن هذه الحساسية هي ما يميزك عن غيرك؛ وحتى وإن كان المشي على الجسور التي تربطك بالآخرين شاقاً فهي جسور قوية وصلبة بالتعاطف الذي يزخر به