عدد علامات التبويب في متصفحك يكشف شخصيتك

7 دقيقة
علامات التبويب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

أتوقف لحظة هذا الصباح، وأحدق في أعلى شاشة حاسوبي الشخصي، هناك أكثر من 30 علامة تبويب؛ بريدي الإلكتروني الخاص بالعمل، ومراجع المقال الذي أعمل على كتابته، وقائمة بالأشياء التي أحتاج إليها في البيت، ومقالات يجب قراءتها، ومشاهد فيديو أود مشاهدتها، والحقيقة أن إبقاء هذه العلامات مفتوحة يجعلني أحس بالانخراط في أداء مهامي اليومية، ولكنه على الجانب الآخر يخلق شعوراً بالإرهاق، ويمكن القول إن كثرة علامات التبويب ليست عادة تقنية، بل يمكن أن تكون انعكاساً صادقاً للسمات النفسية والسلوكية، فما الذي تعكسه كثرة علامات التبويب من سمات نفسية؟ الإجابة عبر هذا المقال.

ما هي الأسباب التي تدفعك إلى فتح الكثير من علامات التبويب في متصفحك؟

الفوضى الرقمية التي يعج بها حاسوبك الشخصي ليست عشوائية، ولكنها يمكن أن تعكس بعض السمات الشخصية والمخاوف، ما يعني أن كثرة علامات التبويب في متصفحك تدل على:

1. الخوف من تفويت الفرصة 

يشير الخوف من تفويت الفرصة أو ما يعرف باسم "فومو" إلى شعورك بأنك تفوت شيئاً بالغ الأهمية في الوقت الذي يستفيد منه الآخرون، ويعتقد المعالج النفسي، عبد الرحمن المهدلي، أن الخوف من فوات الفرص يجعلك تركض وراء الأشياء وتتمسك بها حتى لو لم تكن مناسبة، أنت فقط تخاف الإحساس بالحرمان، وتحس بالقلق من الفقد.

وفي حال علامات التبويب، أنت ترفض إغلاقها بشدة خوفاً من تفويت معلومات مهمة؛ فالبنسبة إليك ثمة شعور طاغ بالقلق، فأنت تحس بأنك تتخلص من مصدر ثمين للمعلومات، ولهذا تقرر عوضاً عن ذلك أن تبقي العلامات جميعها مفتوحة، وغالباً ما ترتبط هذه السمة بانفتاح أكبر على التجارب، وهو بعد شخصي مرتبط بالإبداع والفضول، لأنه يعني أنك لا تجمع المعلومات فحسب؛ بل تنشئ مكتبة شخصية كبيرة وتفتح أبواباً كثيرة دون الاستعداد لإغلاقها.

2. الرغبة في الشعور بالتحفيز الذهني المستمر 

التبويبات المتعددة ليست مجرد مساحة تخزين، بل هي وقود لعقل لا يهدأ ويرغب دوماً في الشعور بالتحفيز الذهني المستمر، ويمكن القول إن هناك بعض الأدمغة التي تعمل بكفاءة في حال تعدد المهام والمدخلات، وتتعامل مع التنقل بين علامات التبويب على أنه نوع من الكافيين الذهني، وهذه السمة غالباً ما تعكس أنك تستمتع بعملية التفكير بحد ذاتها، ولهذا فإن قائمة فواتيرك التي تعمل عليها منذ مدة طويلة قد لا تدل على مماطلتك، بل هي طريقة عقلك للحفاظ على مستوى نشاطه الذهني المفضل.

3. معالجة الإحساس بالتوتر من خلال جمع المعلومات

هل سبق ولاحظت أنك تفتح العديد من علامات التبويب حين تحس بالقلق أو التوتر؟ على سبيل المثال، تخيل أنك تعمل على مشروع مهم بالعمل، وقتها سوف تفتح الكثير من علامات التبويب حتى تسكن شعورك بالتوتر، وفي هذه الحالة سوف تتعامل مع البحث بصفته أداة لتنظيم عواطفك، كل علامة تبويب مفتوحة تمثل حلاً محتملاً، أو إجابة ممكنة، أو طريقة للشعور بأقل عجز، ويمكن القول إن هذه السمة تعكس أنك شخص يميل إلى التحكم في مآلات الأمور جميعها، ومن ثم، فإن علامات التبويب الكثيرة تجعلك تحس بالأمان وتعطيك شعوراً بالسيطرة.

4. تأثير زيغارنيك

تأثير زيغارنيك هو قدرة الأعمال غير المكتملة أو الأنشطة المتقطعة على الاحتفاظ بمكانة مميزة في الذاكرة، حيث تشكل المهام غير المكتملة عبئاً معرفياً، وتثقل كاهل العقل، ويسهل تذكرها أكثر من المهام المكتملة، وترتكز فكرة هذا التأثير على أنك عندما تبدأ العمل على مهمة ما، ولكنك لا تكملها، فسوف تستمر أفكار العمل غير المكتمل بالظهور في ذهنك حتى بعد الانتقال إلى مهام أخرى، إذ تحثك هذه الأفكار على العودة وإنهاء المهمة التي بدأتها، ما يعني أنك تفتح علامات التبويب وترفض إغلاقها لأن عقلك يتشبث بالمهام غير المكتملة.

5. الميل الفطري إلى نمط التفكير المتباعد 

لكل واحد منا طريقة تفكير مختلفة عن الآخرين، على سبيل المثال، هناك بعض الأشخاص الذين يميلون إلى نمط التفكير المتباعد ما يعني أنهم يبحثون في عدة مصادر مختلفة تبدو من البداية أنها غير مترابطة أبداً، ولكنه يبحث من خلال تلك المصادر عن أنماط يغفل عنها الآخرون، وهذا الميل نحو التفكير المتباعد يميز العقول المبدعة، ففي الوقت الذي تلتقي فيه علامتا تبويب غير مرتبطتين، يلتقط بعض الأشخاص الرابط بينهما، لأنهم قادرون على إيجاد المعنى وسط كمية كبيرة من المعلومات.

وفي معظم الأوقات يفضل المبدعون العمل بهذه الطريقة؛ فهم يحتاجون إلى مشاريع متعددة، ومدخلات كثيرة، ووجهات نظر متنوعة تعمل في آن واحد، وفي هذه الحالة تعد علامات التبويب هي التجسيد المرئي لعقل يرفض التفكير في خطوط مستقيمة.

6. تفضيل العمل وسط الفوضى 

عادة ما يمتد عدم القدرة على إغلاق التبويبات إلى كل مكان: حسابات بريد إلكتروني متعددة، مشاريع غير مكتملة، سطح مكتب يعج بالفوضى والكتب والملفات، والحقيقة أن هذا النمط يعكس أن الشخص يميل إلى الازدهار وسط الفوضى، وأنه قادر على الرغم من هذه الفوضى على الإبداع والإنتاج.

7. مغالطة التكلفة الغارقة 

هي تحيز معرفي يجعلك تشعر بأن عليك الاستمرار في ضخ الوقت أو الجهد في موقف ما لأنك "أنفقت" فيه الكثير، هذه التكلفة الغارقة المتصورة تجعل من الصعب عليك الانسحاب من الموقف لأنك لا تريد أن ترى مواردك تهدر، وتؤدي مغالطة التكلفة الغارقة دوراً كبيراً في كثرة علامات التبويب، فعندما تقضي وقتاً في البحث عن معلومة أو تنظيم علامات تبويب متعددة، يبدو إغلاقها دون استكشافها بالكامل إهداراً للوقت.

8. الإصابة ببعض اضطرابات الصحة النفسية 

هناك بعض الاضطرابات النفسية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكثرة علامات التبويب، مثل القلق الذي يأتي عادة من الشعور بعدم اليقين والرغبة في السيطرة، هذا بالإضافة إلى اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، فالأشخاص المصابون بهذا الاضطراب يركزون تركيزاً مفرطاً على إنجاز العديد من الأنشطة والمهام في وقت واحد.

اقرأ أيضاً: كيف يساعد العلاج السلوكي المصابين بتشتت الانتباه على التركيز؟

كيف تؤثر كثرة علامات التبويب في أدائك بالعمل؟

على الرغم من أن كثرة علامات التبويب عادة غير ضارة، فإنها تحمل العديد من الآثار السلبية، وذلك لأنها مع مرور الوقت يمكن أن تؤدي إلى:

1. تشتت الانتباه وفقدان القدرة على التركيز

تشرح أستاذة علم النفس السيبراني بجامعة نوتنغهام ترينت، داريا كوس، أن كثرة علامات التبويب تؤدي إلى فائض كبير في المعلومات، وهو ما قد يصعب على العقل البشري التعامل معه، وبدلاً من تعزيز الكفاءة، قد يؤدي التبديل المتكرر بين المهام إلى قصر مدى الانتباه وفقدان القدرة على التركيز في أداء المهمة التي يجب إنجازها.

2. الفوضى الذهنية والإرهاق 

إن فتح الكثير من علامات التبويب يسبب فوضى داخل عقلك، تماماً مثل فوضى المكتب. وحتى لو لم تكن تفكر بوعي في كل علامة تبويب، فإن عقلك يسجلها على أنها مهام غير مكتملة، وهذا يولد شعوراً بالإرهاق، حيث تمثل كل علامة تبويب مفتوحة نشاطاً غير مكتمل، وحين تحتل كل هذه الأنشطة مكاناً داخل عقلك، فسوف تجد صعوبة بالغة في التركيز على ما هو مهم.

3. انخفاض الإنتاجية 

عندما يكون لديك الكثير من علامات التبويب المفتوحة، يصبح التركيز على المهمة التي بين يديك أصعب. بالإضافة إلى ذلك، يسبب التبديل المستمر بين علامات التبويب تبديل السياق، ما يستنزف الطاقة الذهنية، ويمكن القول إن تعدد المهام لا يزيد إنتاجيتك، بل يقلل التركيز والكفاءة.

اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على التشتت وتستعيد تركيزك لتسعد في حياتك؟

4. بطء المتصفح وتعطله

قد تؤدي كثرة علامات التبويب إلى إجهاد ذاكرة جهاز الكمبيوتر الخاص بك وقوة معالجته، حيث يتطلب كل نظام تستخدمه على جهاز الكمبيوتر موارد، ولهذا ربما لاحظت أن الأداء يتأثر عند فتح عدة علامات تبويب؛ ذلك لأن فتح الكثير من علامات التبويب يسبب ضغطاً على وحدة المعالجة المركزية لجهاز الكمبيوتر، ما قد يسبب تعطل حاسوبك، وهذا الأمر لا يعوق سير عملك فحسب، بل قد يؤثر سلباً في أداء مهام العمل العاجلة والمهمة.

5. استنزاف الذاكرة العاملة 

يؤكد استشاري علم النفس السريري، مارك هيكستر، أن هناك بعض الأشخاص الذين يتعاملون مع علامات التبويب بصفتها امتداداًَ لأدمغتهم، ما يعني أن علامات التبويب هي نسخة أخرى من الذاكرة العاملة، ولكن دكتور هيكستر يحذر من إثقال كاهل الدماغ بالمعلومات، ففي هذه الحالة سوف تحس بالإرهاق وتصبح شديد الانفعال، ومع مرور الوقت سوف تبدأ في النسيان، ما يعني استنزاف ذاكرتك العاملة.

5 نصائح فعالة تساعدك على التعامل مع كثرة علامات التبويب في متصفحك

نعيش حالياً في عالم تقني يرتكز على تعدد المهام، أحياناً تجد نفسك تتنقل بين أداء عملك وتصفح هاتفك الذكي، وقد انتقلت هذه التعددية إلى علامات التبويب الخاصة بك، ولكن ربما عليك أن تتعامل مع هذه العلامات، ولهذا جرب النصائح التالية:

1. كن واقعياً بشأن قدرات عقلك

مهما ظننت نفسك بارعاً في تعدد المهام، فلن تستطع التركيز على 30 شيئاً في آن واحد، وبالتالي لن تولي اهتماماً كافياً لهذا العدد من علامات التبويب، ولهذا تقبل محدوديتك، وكن واقعياً بشأن قدراتك، لن تستطع أن تقرأ المقالات جميعها التي تخص الموضوع الذي تبحث عنه، ولن تتمكن من مشاهدة فيديوهات المهارة التي تسعى إلى تعلمها جميعها، تقبل هذا الأمر، سوف تفوتك أشياء، وهذا لا يعني أبداً أنك فاشل أو مقصر، أنت إنسان، ولست معالجاً للمعلومات، لديك حدود لوقتك وقدراتك العقلية.

2. قسم المهام الكبرى إلى أهداف صغيرة

إذا كان لديك العديد من المهام التي يجب إنجازها على مدار اليوم، حاول أن تحدد لنفسك أهدافاً واقعية وتلتزم بها. على سبيل المثال، خصص ساعة كاملة من أجل إنجاز مهمة واحدة فقط، واعمل عليها بطريقة متواصلة، بعد الانتهاء، انتقل إلى مهمة أخرى، وفي أثناء التركيز على مهمتك لا تفتح علامات تبويب لا داعي لها.

3. تأكد أن المعلومات موجودة دائماً 

في أثناء عملي، أفتح الكثير والكثير من علامات التبويب، خوفاً من تفويت المصادر الثمينة والقيمة، والحقيقة أن هذا الأمر قد يبدو محيراً بعض الشيء، وخاصة أن المعلومات موجودة على الإنترنت، وسوف تظل موجودة لن تذهب إلى مكان، لهذا لا تحس بالخوف من غلق علامات تبويبك، يمكنك العودة إليها لاحقاً، بالإضافة إلى ذلك، افهم أن للمعلومات تاريخ انتهاء صلاحية. في عالم اليوم، تصبح معظم المعلومات قديمة بسرعة كبيرة، ولهذا فإن تخزين علامات التبويب أو حفظها في إشارات مرجعية على أمل العودة إليها لاحقاً لا فائدة منه بمجرد تجاوزها العمر الافتراضي.

اقرأ أيضاً: العلم يخبرك: تعدد المهام يضرك نفسياً، فكيف تتجنبه؟

4. استخدم عقلك في أداء بعض المهام اليومية

أحياناً، أواجه بعض المشكلات العارضة في أثناء عملي، وحينها أفتح علامة تبويب وأسأل عن كيفية التعامل مع هذه المشكلة، بعدها يحدث موقف عارض، ومن ثم، أفتح علامة أخرى، لأسأل تشات جي بي تي، عن الاستجابة الفعالة للموقف، والنتيجة يصبح لدي مع نهاية اليوم عدد هائل من علامات التبويب، ولهذا لو كنت تفعل مثلي، ماذا لو جربت استخدام عقلك قليلاً عوضاً عن الاستعانة بالإنترنت؟ خاصة في حل المشكلات وترتيب الأولويات وتوليد الأفكار الجديدة.

5. اعتمد سياسة الاستخدام مرة واحدة 

عوضاً عن فتح الكثير من علامات التبويب من أجل أداء مهمة واحدة، ما رأيك لو اعتمدت على سياسة الاستخدام مرة واحدة والتي تعني أن عليك إغلاق علامة تبويب قبل أن تفتح واحدة جديدة؟ وفي حال كنت تعمل على مشروع يتطلب بعض المصادر لا تفتح أكثر من 4 علامات تبويب، ركز على المعلومات الواردة بها، واستخدم ما تحتاج إليه في مشروعك، ثم أغلقها وافتح غيرها، وفي نهاية كل يوم، خصص دقيقة لإغلاق أي علامات تبويب لم تعد بحاجة إليها، لأن هذا يصفي ذهنك ويمنحك بداية جديدة في اليوم التالي.

المحتوى محمي