كيف تؤثر علاقاتك الشخصية خارج العمل في صحتك النفسية؟

11 دقيقة
علاقاتك الشخصية خارج العمل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

ربما تعلم أنه حينما يقدم لك الناس من حولك الدعم الاجتماعي والعاطفي اللازمين، فإنهم يسهمون في تخفيف توترك وتحسين مزاجك وتعزيز قدرتك على التكيف في المواقف العصيبة! في المقابل، عند وجود صراع أو خلل في المنزل أو الحياة الاجتماعية، فبالإضافة إلى الضيق النفسي الحاصل، يتراجع أداءك في العمل.

على سبيل المثال، قد تسبب المشكلات العائلية غير المحلولة، مثل التنافس بين الأشقاء أو التعرض لانتقاد الوالدين أو خلافاتهما، توتراً عاطفياً مزمناً، أو ضعفاً في تقدير الذات، أو حساسية مفرطة تجاه تعليقات الآخرين، أو أعراضاً اكتئابية. إضافة إلى أن توقعات العائلة يمكن أن تضعك تحت الضغط لتحقيق أهداف معينة في الحياة، مثل الزواج والنجاح وواجبات الرعاية، ما يؤثر في شعورك بالاستقلال والسلام الداخلي.

ومن ناحية أخرى، يمكن للصداقات السامة أن تستنزف طاقتك، مسببة القلق وانخفاض تقدير الذات وأعراضاً تحاكي الاكتئاب. والأمر سيان بالنسبة للعلاقة مع الشريك، فقد يؤدي الصراع المستمر في المنزل إلى التشتت في العمل وضعف التركيز وسرعة الانفعال وزيادة ارتكاب الأخطاء.

دون أن ننسى أن العيش في كنف مجتمع غير ودود أو منتقد أو عدائي لا يمر على الصحة النفسية مرور الكرام! إذاً، ما الحل؟ ما السبيل إلى تحقيق التوازن بين العلاقات مع البشر وصحتك النفسية والمهنية؟ إليك 6 نصائح.

اقرأ أيضاً: هل تغضب بسرعة في العمل؟ هذه الإشارات تقول إنك بحاجة للتوقف فوراً

1. ضع حدوداً صحية واضحة

ماذا تعني الحدود أساساً؟ تعني أن تفهم احتياجاتك وما تقبله وما لا تقبله حفاظاً على صحتك النفسية وأمانك العاطفي، وذلك بالطبع مع مراعاة احتياجات الآخرين. وإليك كيف تضعها:

  • اعرف نفسك أولاً: أساس الحدود السليمة هو الوعي الذاتي. اسأل نفسك: ما الذي يجعلني أشعر بالاحترام؟ ما الذي يرهقني؟ كم من الوقت والطاقة العاطفية يمكنني أن أمنح الآخرين دون أن يؤثر ذلك في صحتي النفسية وعملي؟ باختصار، حدد قيمك الشخصية وحدودك العاطفية، فهذا يساعدك على تحديد ما أنت مستعد لتحمله من الآخرين وما لا تستطيع تحمله.
  • كن واضحاً ومباشراً: عبر عن احتياجاتك بصراحة، فإذا كان صديقك يراسلك باستمرار في أثناء العمل، فقل بهدوء: "لست متاحاً للتحدث الآن، دعنا نتواصل بعد العمل".
  • قلل الإفصاح عن مشاعرك: ليس عليك التحدث عن مشكلاتك الشخصية جميعها في العمل. على سبيل المثال، إذا كنت حزيناً أو غاضباً بسبب مشكلة عائلية ما، فلا داعي لمشاركة التفاصيل كلها مع زملاء العمل؛ لأن الإفراط في التحدث قد يؤثر في تركيزك وأدائك لعملك.
  • التزم بساعات العمل: تذكر أن مكتبك ليس ساحة لمعاركك العاطفية والاجتماعية، فلا تخض محادثات مشحونة عاطفياً قبل الاجتماعات المهمة، وأخبر أحباءك عندما لا تكون متاحاً وأوضح سبب ذلك، وخصص وقتاً كافياً للتعامل مع القضايا الشخصية بعد العمل ولا تخلطها أبداً بفترات العمل. كما من المهم أن تتجنب الرد على المكالمات أو الرسائل الخاصة بالعمل بعد انتهائه إلا في الحالات العاجلة، فمنزلك ليس مكتبك أيضاً.
  • التزم بحدودك: يظهر الالتزام جديتك، فإذا وضعت حدوداً ولم تلتزم بها، فقد لا يأخذها الآخرون على محمل الجد أيضاً. لذا اثبت على الحدود وعلى عواقبها.

إذا كان وضع الحدود أمراً جديداً عليك، فلا بأس في البدء بخطوات صغيرة، مثل تخصيص وقت هادئ لك أو عدم الرد على الرسائل بعد ساعة محددة. سيساعدك هذا مع مرور الوقت على الشعور بثقة أكبر حيال وضع حدود أكبر وأكثر شخصية.

أما إن لم تكن معتاداً على الحدود، فقد تشعر بالخوف من إزعاج الآخرين أو القلق من أنهم سيتوقفون عن ودك. لكن من المهم أن تفهم أنك تستحق حماية سلامك النفسي ووقتك وصحتك النفسية. فالحدود السليمة لا تجعلك أنانياً؛ بل تجعلك قوياً وسعيداً وحراً، وفقاً للمختصة الاجتماعية، كارين ساليرنو.

اقرأ أيضاً: حين تتحول الزمالة إلى عبء نفسي: هل تعرف كيف تتعامل؟

2. تعلم تنظيم عواطفك

لا يحل قمع المشاعر المشكلات إنما يؤخر انفجارها فحسب، في حين أن الغضب والتصرف بانفعال يأتي بعواقب وخيمة على عملك وعلاقاتك. فالحل إذاً هو تعلم تنظيم المشاعر؛ الذي يساعد على إدارتها بطريقة صحية، ويقلل خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب والأمراض المرتبطة بالتوتر.

وأول خطوة هي أن تسمي مشاعرك بصورة محددة لتحسين التنظيم، وأن تمارس التعاطف مع الذات بدلاً من انتقادها في أثناء اللحظات العاطفية المشحونة مع الآخرين.

كما أن التنفس البطيء، مثل الشهيق مدة 4 ثوان وحبس النفس مدة 7 ثوان ثم الزفير مدة 8 ثوان، وتكرار ذلك 4 مرات يقلل الإثارة الفيزيولوجية ويساعد على إدارة التوتر بصورة فعالة عندما تكون في حالة استفزاز عاطفي. إضافة إلى أن جلسات قصيرة من اليقظة الذهنية تحسن الانتباه والوعي العاطفي، وقضاء 10 دقائق بعد العمل في كتابة مذكراتك سيساعدك على معالجتها وتقليل شدتها.

اقرأ أيضاً: كيف تحافظ على صحتك النفسية وأنت تطارد أهدافك المهنية؟

3. افصل مشاعرك عن مشاعر الآخرين

يمتص العديد من الناس، خاصة أولئك الذين يتمتعون بحساسية مفرطة، مشاعر الآخرين دون وعي. وإن كنت من هؤلاء الناس، فهذا يعني أنك قد تحمل ضغوط عائلتك أو أصدقائك أو زملائك في العمل، أو حزنهم أو قلقهم، كما لو كانت مشاعرك الخاصة.

وهذا ليس ضعفاً، بل قد يكون سمة عصبية مرتبطة بزيادة نشاط الخلايا العصبية المرآتية، خاصة لدى الأشخاص شديدي الحساسية، أو سمة تطورت نتيجة صدمة أو تجارب الطفولة. لكن، قد يسبب هذا الانغماس العاطفي مع مرور الوقت إرهاقاً ذهنياً وتقلبات مزاجية وضعفاً في التركيز، ما قد يؤثر في أدائك في العمل دون أن تدرك السبب.

أي إنه على الرغم من أن التعاطف قوة، فإن امتصاص مشاعر الآخرين دون حدود قد يضر بصحتك النفسية وتركيزك. ولحماية نفسك، ضع حدوداً عاطفية وزمنية واضحة. قل "لا" عند الحاجة، وحدد وقت المحادثات العاطفية التي ستجريها مع الآخرين وعمقها.

كما من المهم أن تلاحظ مشاعرك قبل أي تفاعل وبعده. وإذا ما تغيرت حالتك العاطفية بدرجة حادة، اسأل نفسك: "هل هذه المشاعر خاصة بي أم إنها تخص شخصاً آخر؟". إذا كانت ملكك، فتعامل معها، وإن لم تكن كذلك، فأنزلها عن كاهلك. قل لنفسك: "هذه ليست ملكي، ولست مضطراً لحملها".

ومن الممارسات التي قد تساعدك على الشعور بالثبات والهدوء الداخلي، هناك اليقظة والتأمل واليوغا وأخذ استراحات قصيرة في الطبيعة. تعيد هذه الطقوس البسيطة ضبط جهازك العصبي وتزيل أي بقايا عاطفية. كما يمكنك بعد المواقف الاجتماعية المؤثرة أن تنشئ طقساً يساعدك على ترك مسافة بينك وبين ما التقطته من مشاعر، مثل الاستحمام أو المشي أو حتى إشعال البخور.

اقرأ أيضاً: متى يكون الصمت مفيداً في مكان العمل؟ ومتى يصلح مشكلة؟

4. ركز على جودة علاقاتك وليس عددها

النوعية أهم من الكمية حينما يتعلق الأمر بتكوين الشبكة الاجتماعية، فوجود علاقة اجتماعية وثيقة وموثوقة واحدة أفضل من وجود العديد من العلاقات السطحية. لذلك، حاول قضاء وقت مركز وخال من التشتت مع الأحبة بانتظام، على نحو يعزز الألفة والثقة.

أما في حال وجود علاقة سامة في حياتك، فابدأ بمناقشة ما تمر به بهدوء مع هذا الشخص مستخدماً عبارات تبدأ بضمير المتكلم "أنا" لتجنب إثارة موقف دفاعي، وكن واضحاً بشأن احتياجاتك العاطفية.

اعترف بدورك في هذه العلاقة واستكشفا معاً إمكانية التغيير، وحددا أهدافاً مشتركة لتحسين التواصل في حال كان الشخص منفتحاً على التغيير. أما إذا استمر في الإضرار بتقديرك لذاتك أو مقاومة التغيير، فأعد النظر في هذه العلاقة، وإن لم تستطع قطعها نهائياً، كأن يكون أحد أفراد عائلتك أو زميلك في العمل، فقلل الوقت الذي تقضيه معه واعمل على الحد من تفاعلاتك معه.

وهنا ينصح الطبيب المتخصص في الاستشارات النفسية الزوجية والعائلية، عبد الله غازي، بمقاومة العلاقات السامة، إذ إن خسارة الناس على صعوبتها أهون من خسارة نفسك.

5. احرص على بدء يومك بمزاج جيد قدر المستطاع

يؤثر المزاج الصباحي في الأداء اليومي في العمل كثيراً؛ فإذا بدأت يومك سعيداً هادئاً، فعادة ما تحافظ على هذا المزاج والإنتاجية طوال اليوم. أما في حال بدأت اليوم بمزاج سيئ، فسوف ينعكس على أدائك للعمل ويزداد مزاجك سوءاً في نهاية اليوم.

لذا، تجنب بدء اليوم بفوضى عاطفية، مثل الشجار مع أحد أفراد العائلة، أو التحقق من الرسائل الشخصية التي قد تثير التوتر أو الدراما، أو خوض المناقشات المشحونة عاطفياً قبل العمل أو الاجتماعات المهمة. واحرص على اتباع روتين صباحي هادئ، مثل ممارسة بعض التمارين الرياضية أو التأمل أو اليقظة أو التنفس العميق أو الاستماع إلى موسيقا ملهمة، ما قد يحسن الأداء العام والرفاهية.

اقرأ أيضاً: استثمر في نفسية موظفيك تربح ولاءهم!

6. استخدم تقنية التقسيم بحكمة

لا تحمل مشكلاتك معك إلى المكتب وغرفة الاجتماعات، بل درب ذهنك على تبديل الأدوار. فالتجزئة، أو التقسيم، هي آلية دفاع نفسية يلجأ إليها الأشخاص، دون وعي في كثير من الأحيان، لفصل أفكارهم ومشاعرهم بعضها عن بعض بغية تجنب الانزعاج الناجم عن التنافر المعرفي.

يمكن استخدام هذه التقنية عمداً من أجل الفصل بين جوانب الحياة المختلفة وتنظيمها ذهنياً لمنعها من التداخل مع بعضها. أي تقسيم أفكارك ومشاعرك وتجاربك إلى أقسام ذهنية منفصلة على نحو تستطيع فيه التركيز على جانب واحد فقط في الوقت المخصص له. يمكنك قراءة المزيد عن خطوات هذه التقنية في هذا المقال.

ختاماً، في حال لم تستطع إدارة مشاعرك بنفسك أو حل مشكلاتك مع الأحبة، فاستشر المختص النفسي أو الاجتماعي، فهو الأقدر على مساعدتك حينما لا تستطيع مساعدة نفسك.

المحتوى محمي