كيف يمكن علاج الرهاب الاجتماعي دون أدوية؟

4 دقيقة
الرهاب الاجتماعي

أدى الممثل الإنجليزي المخضرم كولين فيرث ببراعة فائقة، دور ملك بريطانيا القادم الذي يعاني من مشكلة التلعثم في فيلم الدراما التاريخي: "خطاب الملك" (The King's Speech)، المبني على القصة الحقيقية للملك جورج السادس والد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية التي رحلت عن عالمنا مؤخراً.
وتحملنا مشاهد الفيلم إلى قلب المعاناة التي يمكن أن يئن تحت وطأتها أي شخص مصاب بالتأتأة في الكلام، بسبب الخوف من الحديث أمام جمهور أو مجموعة صغيرة من الناس حتى، ويُعتبر هذا النوع من الخوف من أكثر أشكال الرهاب الاجتماعي شيوعاً.

وبالرغم من أن حدة هذه المشكلة قد تختلف من شخص لآخر؛ لكن من الممكن جداً أن تعرقل حياة الأفراد وتعيق تقدمهم و تحقيقهم لأهدافهم وهو ما تؤكده قصة الملك جورج الذي حالت مشكلة تلعثمه بينه وبين فرض احترامه كملك جدير بقيادة بلاده خلال الحرب العالمية الثانية.

بالتأكيد لا تنحصر أشكال الرهاب الاجتماعي في التلعثم أثناء الحديث، فتلك واحدة من عدة صعوبات يمكن أن يواجهها الأشخاص المتأثرون بهذه الحالة. سيتطرق هذا المقال إلى طرح اضطراب الرهاب الاجتماعي، ويناقش أعراضه وأسبابه، وكيفية معالجة هذه المشكلة دون اللجوء للأدوية.

ما هو الرهاب الاجتماعي، وما أعراضه؟

يتسم الرهاب الاجتماعي (Social Phobia) والمعروف أيضاً باضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)، بالخوف والقلق الشديدَين من مجابهة المواقف الاجتماعية؛ حيث يسبّب ذلك الكثير من الرهبة، فيفضل الشخص الانسحاب من أي نشاط أو موقف كالحديث أمام جمهور، أو أنه يكون مضطراً لمواجهة الموقف ولكن بضغط نفسي وانزعاج كبيرَين.

يكون الرهاب الاجتماعي مشكلة شائعة لدى المراهقين وفقاً لخدمة الصحة الوطنية الإنجليزية (NHS)، ويتحسن مع التقدم في السن لدى البعض؛ لكنه يمكن أن يخلق تجارب مؤلمة ذات تأثير كبير في حياة البعض الآخر.

أما عن أعراض اضطراب القلق الاجتماعي، يحدد الخبراء من مايو كلينيك (Mayo Clinic) العلامات التالية التي يعاني منها المريض بشكل مستمر:

  • الخوف الشديد من التفاعل مع الغرباء أو التحدث إليهم، أو أن يلاحظ الآخرون قلقك وخوفك.
  • تجنّب القيام بأي تصرف أمام الناس تفادياً للإحراج.
  • القلق من ظهور الأعراض الجسدية التي قد يسببها الرهاب الاجتماعي مثل احمرار الوجه أو التعرق أو الارتعاش أو الصوت المرتعش أو التلعثم في الحديث.
  • تجنب المواقف التي قد تكون فيها مركز الاهتمام، أو تلك التي قد يتم الحكم عليك فيها بشكل سلبي.
  • القلق بشأن إحراج نفسك أمام الآخرين.
  • تحليل أدائك وتحديد العيوب في تفاعلاتك بعد موقف اجتماعي معين.
  • توقع أسوأ النتائج المحتملة من تجربة سلبية خلال موقف اجتماعي.

ومن الجدير بالذكر أنه لا ينبغي الخلط بين الشعور بالخجل أو عدم الراحة في مواقف معينة وأعراض الرهاب الاجتماعي المرضية؛ إذ تختلف مستويات الانفتاح على المواقف الاجتماعية بشكل طبيعي حسب السمات الشخصية وتجارب الحياة.

فالأطفال على سبيل المثال، قد يُظهرون قلقاً طبيعياً من المدرسة أو بعض الأنشطة الجديدة، بينما تظهر أعراض القلق الاجتماعي لديهم من خلال البكاء أو نوبات الغضب أو التشبث بالوالدين، وتجنب التفاعل مع البالغين أو الأقران ورفض التحدث في المواقف الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: الصمت الاختياري ليس خجلاً: تعرّف إلى علاقة الصمت بالقلق!

أسباب الرهاب الاجتماعي

يميل الخبراء من ويب إم دي (Web MD) إلى عدم تحديد سبب واحد للإصابة بالرهاب الاجتماعي، فالعديد من العوامل قد يتداخل لزيادة احتمالية الإصابة، فوجود فرد مصاب من الأسرة يجعل أفراداً آخرين أكثر عرضة لخطر الإصابة وهو ما يفسر انتشار اضطرابات القلق في العائلات.

لكن خبراء هيلث لاين (Health Line) يعتقدون أن ذلك قد يرجع إلى تداخل كل من العوامل الوراثية والبيئية معاً، وهو تفاعل ذو طبيعة معقدة يتسم بميزات بيولوجية وجينية؛ إذ تؤدي اختلالات في هرمونات السيروتونين والدوبامين والغلوتامات، وهي المواد الكيميائية في الدماغ التي تنظم الحالة المزاجية، إلى زيادة خطر الإصابة.

ويتفق كل من خبراء ويب إم دي وهيلث لاين حول ارتباط العوامل الآتية بزيادة احتمال تأثر الأشخاص بشكل أكبر بالرهاب الاجتماعي أكثر من غيرهم:

  • فرط نشاط اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهي الجزء من الدماغ الذي يتحكم في استجابة الخوف.
  • وجود تاريخ من سوء المعاملة أو التنمر أو المضايقة.
  • الخجل عند الأطفال يمكن أن يجعلهم أكثر عرضة لأن يصبحوا بالغين مصابين بالرهاب الاجتماعي.
  • الإساءة العاطفية والجسدية أو أنواع أخرى من الإساءة.
  • التفاعلات السلبية مع الأقران.
  • أساليب الأبوة والأمومة غير الآمنة.
  • اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بسبب تجارب مؤلمة أو صادمة؛ حيث يكون الرهاب الاجتماعي واحداً من الأعراض.

هل يوجد فرق بين القلق الاجتماعي والرهاب الاجتماعي؟

يشير الخبراء من كليفلاند كلينيك (Cleveland Clinic) إلى الرهاب الاجتماعي كأحد المصطلحات التي كانت تطلق سابقاً على ما هو معروف حالياً باضطراب القلق الاجتماعي، فلا يوجد فرق كبير بينهما. حيث كان تشخيص المرض قبل سنة 1994، يركز على نوع واحد من الرهاب وهو الخوف والقلق عند الأداء أمام الناس، وتم تغيير تسميته بعد ذلك في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) إلى اضطراب القلق الاجتماعي؛ حيث اتسعت معايير التشخيص لتشمل الخوف والقلق من حكم الآخرين أو مراقبتهم في المواقف الاجتماعية.

قد يفيدك أيضاً: كيف يؤدي الرهاب الاجتماعي إلى شعور الفرد بمحدودية قدراته الفكرية؟

طرق علاج الرهاب الاجتماعي دون أدوية

العلاج النفسي

يعد العلاج بالتعرّض (Exposure Therapy) الجزء الأكثر فعالية في العلاج المعرفي السلوكي (CBT) وفقاً للجمعية الأميركية للقلق والاكتئاب (ADAA)؛ إذ يمكن أن يستفيد الأشخاص من تعريضهم للمواقف الاجتماعية المخيفة بهدف تعليمهم طرق إدارة قلقهم.

فالعلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرض عن طريق الممارسة التدريجية لمواجهة أكثر ما يخشاه المصاب، يخفّف من أعراض اضطراب الرهاب الاجتماعي لدى معظم الأشخاص المصابين لأنه يوفّر لهم طرقاً عملية تعلمهم كيفية التعرف إلى الأفكار السلبية عن أنفسهم وتغييرها، وتطوير مهارات اكتساب الثقة في النفس ومهارات التأقلم أثناء المواقف الاجتماعية المسببة للقلق.

لكن تعتمد طرق علاج الرهاب الاجتماعي دون أدوية على مدى تأثيره في القدرة على العمل ومواصلة مهام الحياة اليومية وفقاً للمعلومات الصادرة عن مايو كلينيك (Mayo Clinic)، لذلك تجب استشارة مختص الصحة النفسية لتحديد العلاج غير الدوائي الأنسب.

تغيير نمط الحياة

إلى جانب العلاج النفسي؛ يقترح الخبراء من مايو كلينيك أيضاً تغيير نمط الحياة كطريقة ثانية لعلاج الرهاب الاجتماعي دون أدوية. وبعكس العلاج بالتعرض؛ يمكن تنفيذ الاقتراحات التالية ذاتياً دون مساعدة معالج نفسي:

  • ممارسة الأنشطة البدنية بشكل منتظم.
  • اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.
  • الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.
  • تجنب تناول الكحول والمنبهات كالكافيين.
  • تعلم مهارات تقليل الإجهاد.
  • المشاركة في المواقف الاجتماعية والتواصل مع الأشخاص الذين ترتاح لهم.

كم من الوقت يستغرق علاج الرهاب الاجتماعي؟

يستغرق علاج الرهاب الاجتماعي بعض الوقت، لأن المريض سيحتاج إلى بناء الثقة في النفس اللازمة لمواجهة المخاوف وتعلم المهارات التي تساعده على إدارة المواقف التي تخيفه. لذلك حدّد الخبراء من ويب إم دي حوالي 12-16 جلسة علاجية لتحقيق هذا الهدف.

وتؤكد المعلومات الصادرة عن الجمعية الأميركية للقلق والاكتئاب أن فوائد العلاج المعرفي السلوكي تظهر عادة في غضون 12-16 أسبوعاً عند أغلب الأشخاص.

لا أحد يعلم حقيقة المعاناة التي يمكن أن يسبّبها الرهاب الاجتماعي لأن الضغوط التي تصاحب الخوف والرهبة من المواقف الاجتماعية المختلفة التي يضطر المريض لمواجهتها أو الانسحاب منها، يصعب التعامل معها بشكل فردي.

ما يؤكد أهمية الاستعانة بمعالج نفسي لتقديم الدعم والإرشاد اللازم. هذا لا يعني أيضاً أن الشخص المتأثر بهذا الاضطراب لا يمكنه الاستفادة من طرق علاج الرهاب الاجتماعي ذاتياً، فالخبراء ينصحون بخطوات عملية ممتازة يمكن البدء بها في رحلة الشفاء.

المحتوى محمي