كيف يؤدي الرهاب الاجتماعي إلى شعور الفرد بمحدودية قدراته الفكرية؟

قدراتي الفكرية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“ما الذي يتحدثون عنه؟ أنا لا أفهم شيئاً!”. يقتنع بعض الأشخاص بأنهم جهلة عندما لا يفهمون نقاشاً يدور أمامهم بسهولة وهو نوع من تدني تقدير الذات، فما أسبابه؟ وكيف يمكن التخلص منه والانسجام بصورة أفضل مع المحيط؟ نتعرف إلى ذلك من خلال السطور التالية.

تقول كوثر: “كنت أحضر افتتاح أحد المعارض الفنية رفقة صديقتي، ثم جاء الرسام لرؤيتنا وبدأت صديقتي بالتحدث معه حول اللوحات وهنا شعرت بأنني لا أفهم شيئاً مما يقولان واكتفيت برسم ابتسامة غبية على وجهي”. قد يرى معظمنا أنه لا أهمية لهذا الموقف، أو قد نتذكره كدعابة مضحكة؛ لكنه أثر في كوثر إلى درجة أنها اعتبرت نفسها إنسانةً جاهلةً وغبية.

وتؤكد مختصة العلاج النفسي كاترين إيميلي-بيريسول أن الأشخاص الذين يسمون أنفسهم “بالغباء” يتمتعون بصراحة كبيرة. ويعكس شعورهم هذا الفجوة بين ما يظنون أنهم يجب أن يكونوا عليه، وما هم عليه بالفعل، وهذا ما يولد لديهم الشعور بأنهم لا يفهمون من حولهم بينما الواقع هو أنهم لا يفهمون أنفسهم.

الرهاب الاجتماعي والشعور بمحدودية الفكر

ويوضح الطبيب النفسي جيرار ماكويرون، أن السبب الرئيسي لهذا التناقض هو الرهاب الاجتماعي، ويقول: “يتصور الشخص الذي يعاني من الرهاب الاجتماعي في ذهنه سيناريوهات سلبية مبالغاً فيها حول أي مقابلة قادمة، وبسبب ذلك فإنه تظهر عليه أعراض جسدية عند مواجهة الموقف المنتظر كالتعرق والارتعاش واحمرار الوجه، وتؤدي هذه الحالة إلى شعوره بالخزي، ومن ثم عزل نفسه عن الموجودين. وتؤدي الأفكار الطفيلية التي تسيطر على ذهنه من قبيل: “أنا غبي جداً، يجب أن أتحدث”، إلى ازدياد شعوره بالعجز عن المشاركة في نقاش دائر، وعندما يجد نفسه معزولاً يشعر بالحسرة ويحكم على نفسه بقسوة”.

في معظم الأحيان تظهر هذه الحالة عندما يرتب الفرد على نفسه مسؤوليات كبيرة منذ مرحلة الطفولة؛ حيث كان والداه يطالبانه على الدوام بأن يكون الأفضل بين أقرانه، أو يقللان من قيمته، ولذلك فقد اعتاد أن يكون أساس علاقاته مع الآخرين هو فعل كل ما في وسعه لتقديم صورة حسنة عن نفسه أمامهم.

اقرأ أيضا:

الشعور بانعدام القيمة الذاتية

ويوضح مختص علم النفس الاجتماعي ومؤلف كتاب “مصادر الخزي” (Sources de la honte)، فينسينت دي غوليجاك، أن طريقة تعليم الفرد والبيئة التي نشأ فيها هما من أهم العوامل التي تساهم في ظهور هذه “العقدة الاجتماعية” التي تؤدي إلى شعوره بانعدام قيمته. لوحظت هذه العقدة الاجتماعية مثلاً لدى الأطفال الذين تلقوا تعليماً منزلياً وحُرموا من التواصل الاجتماعي مع أقرانهم. وتظهر هذه العقدة لدى هؤلاء الأفراد عندما يواجهون دوائر اجتماعية أو فكرية أكثر ثراءً من تلك التي اعتادوها؛ إذ يؤدي هذا التفاوت الملموس إلى شعورهم بمحدودية مقدراتهم الفكرية لأنهم يميلون إلى تبني صورة سلبية عن أنفسهم.

ومن المفيد للفرد في هذه الحالة استشارة طبيب ومعالج نفسي متخصص في الرهاب الاجتماعي يساعده على فهم سبب خوفه من الآخرين.

نقص التعاطف

ومع ذلك فإن الانسجام مع الآخرين لا يتطلب منك أن تشاركهم البيئة والاهتمامات ذاتها، ويقول جيرار ماكويرون: “الأهم هنا هو وجود التعاطف”. قد يعجز الفرد عن التعاطف مع الآخرين عندما يجد صعوبةً في الاستماع إليهم وفهم ما يشعرون به، ويرجع نقص التعاطف هذا إلى سببين اثنين،

ويوضح المختص قائلاً: “قد يفتقر الفرد في مرحلة الطفولة إلى من يستمع إليه ويتفهم مشاعره، ومن ثم فهو بدوره لم يتعلم كيفية الاستماع إلى الآخرين”. من جهة أخرى فإن اهتمام الوالدين بالطفل بصورة مفرطة قد يؤدي أيضاً إلى نقص التعاطف لديه عندما يكبر؛ إذ إن فرط الاهتمام هذا يؤدي إلى عدم قدرته على أخذ مشاعر الآخرين بعين الاعتبار والاعتراف بأنها تختلف عن مشاعره، ومن ثم فهو يجد نفسه عاجزاً عن فهمها.

مشكلة الخوف من الآخرين

تقول سمر ذات الـ 30 عاماً وهي مترجمة: “لطالما كنت مقتنعة بأن قدراتي الفكرية محدودة، وعلى الرغم من أنني كنت طالبةً متفوقةً في سن المراهقة، فقد كنت أتجنب المجموعات دائماً خوفاً من شعوري بالجهل عندما تدور النقاشات. ولذلك فقد اخترت وظيفةً تتيح لي العمل وحدي مع كتبي دون الحاجة للتواصل مع الآخرين؛ ولكن ذلك لم يكن الحل الأمثل،

فقد شعرت بالوحدة الشديدة ووجدت أنني بحاجة إلى الانفتاح على الآخرين فقصدت معالجاً متخصصاً في البرمجة اللغوية العصبية ولم يستغرقني الأمر أكثر من جلسة أو اثنتين لأفهم أن مشكلتي لم تكن محدودية قدراتي الفكرية بل خوفي من الآخرين، وكان الأمر ذريعةً أبرر بها انطوائي على نفسي. لذلك فقد كان عليّ أن أعالج الرهاب الاجتماعي لدي من خلال مراجعة الكثير من جوانب حياتي ومن أهمها أفكاري السلبية، كخوفي من حكم الآخرين عليّ وشعوري بأنه يجب ألا أثق بأحد، وقررت أن أكون أكثر انفتاحاً على من حولي وأن أستمع إليهم بيقظة أكبر،

الأمر الذي لن يكون سهلاً بالنسبة إلى شخص اعتاد الوحدة؛ لكنني أمرن نفسي كل يوم”.

يوجه النظام الحوفي في الدماغ أو (دماغ الزواحف) استجابتنا السلوكية والعاطفية عندما نتعرض إلى الخطر، ويوضح مختص العلاج النفسي أن فهم هذه السلوكيات والعواطف يتيح لنا التآلف مع أنفسنا والتخلص من الضغوط التي نشعر بها.

اقرأ أيضا: هل يُعد الانعزال نوعاً من الاستقلالية التامة أم يُمثّل رهاباً اجتماعياً؟

ما الحل إذاً؟

حدد حالتك العاطفية

بمَ تشعر عندما تقول: “أنا شخص غبي”؟ هل تشعر بالغضب أم الحزن أم الخوف؟ ما مصدر هذه المشاعر؟ الغرض من هذه الأسئلة هو تحديد مشاعرك في اللحظة الحالية وفهم الأسباب الحقيقية التي جعلتك تشعر بأنك “غبي”، لأن ملاحظتك عن نفسك هذه ليست سوى ذريعة تخفي معاناة أعمق عليك أن تكتشفها لتتمكن من استئصالها.

البحث في مرحلة الطفولة

قد يميل الفرد في مرحلة الطفولة إلى الابتعاد عن الآخرين بسبب خجله الشديد ثم يفسر عزلته هذه بأن قدراته الفكرية المحدودة تمنعه من التواصل مع من حوله. ومن جهة أخرى فقد يكون سلوك الانسحاب هذا رد فعل من الطفل على الضغط الذي يفرضه والداه عليه، وعلى الرغم من أنه يهدف بهذا السلوك إلى حماية نفسه من هذه الضغوط فإنه سيؤدي إلى الكثير من الآثار السلبية كشعوره بالاكتئاب والعزلة، كما أنه سيمنعه من التطور. أخيراً؛ من الضروري أن تتجنب التعبير عن شعورك بعدم الفهم من خلال التذمر وتقليل قيمتك الذاتية لأن ذلك سيعزز مشاعرك السلبية، ويمكنك بدلاً عن ذلك اللجوء إلى الفكاهة التي ستخلق بينك وبين محاورك انسجاماً أكبر.

نصيحة للمحيطين بالشخص الذي يظن أن قدراته الفكرية محدودة

لا يحتاج الشخص الذي يشعر بأنه غبي ممن حوله أن ينفوا له هذه الفكرة، فتقييمه لذاته يجب أن يأتي من داخله هو. ويمكن مساعدته على ذلك من خلال تشجيعه عندما يحقق نجاحاً ما؛ كتهنئته والإشادة بأفعاله الإيجابية والاحتفال معه عندما ينجح في الامتحان أو يوقع عقد عمل جديداً، أو يربح صفقةً مهمةً، وهي أفضل طريقة لمساعدته على تعزيز تقدير الذات.

المحتوى محمي !!