إن معرفة نفسك جيداً وتحديد نقاط قوتك وضعفك شروط أساسية للعيش بسلام مع نفسك ومع الآخرين. كما أن وجود علاجات نفسية مختلفة على غرار التحليل النفسي والحوار الداخلي وعملية هوفمان، تُتيح للجميع حرية اختيار طريقتهم لتحقيق ذلك.
"أشعر بالسوء حيال نفسي"، "لقد سئمت من الجدال مع شريكي"، "أريد أن تتركني والدتي وشأني"، "لا أستطيع تحمّل وظيفتي بعد الآن". مهما كانت الأسباب التي تشجع هؤلاء الناس على التشاور مع طبيب نفسي لاختيار العلاج المناسب تبقى هناك رغبة واحدة مشترَكة للمرضى؛ ألا وهي الهدوء والسكينة.
الجميع متأكد تقريباً بأنه لا توجد حياة دون توتر تتخلّلها في ذات الوقت فترات الهدوء وغيرها من الفترات الأكثر اضطراباً، وهكذا تمضي حياتنا إلى الأمام. لذلك فإن دور العلاجات لا يتمثل أبداً في القضاء على صراعاتنا النفسية الداخلية؛ بل إن العلاجات النفسية تساعد في التعرف على هذه الاضطرابات وفهمها قبل أن يتعلم هؤلاء المرضى التعايش معها، لهذا فكل علاج له طريقته.
فيما يلي نقدّم ثلاثة علاجات نفسية من الأكثر كلاسيكية وعالمية إلى عملية هوفمان الأقصر والأكثر إبداعاً، مروراً بالحوار الداخلي المستوحى من التحليل النفسي للطّبيب النفسي السويسري كارل يونغ. في الحقيقة لكل علاج طريقته الخاصة في تهدئة المريض؛ لكن احذر فهذه الأساليب غير مناسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب ذهاني.
1. التحليل النفسي
فيما يلي أجابت المحللة النفسية دومينيك ميلر عن الأسئلة المتعلقة بالعلاجات النفسية التي تساعد على تهدئة المريض.
لماذا يمكن أن يساعد التحليل النفسي على التصالح مع الذات؟
دومينيك ميلر: يقتصر التحليل النفسي على الكلام. ومع ذلك فإن التحدث مع المريض عن ما يعانيه يجلب التهدئة بالفعل. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالتّحليل النفسي له متطلباته؛ إذ يتوقع من المريض -محور المشكلة- أن يعمل على تحديد وفهم ما يجعله يعاني. هذه المعرفة بأعراضه وأسباب انزعاجه هي مصدر تهدئة في حد ذاتها.
ما خطوات التحليل النفسي؟
تكمن المفارقة في أننا نتوق إلى السلام وفي نفس الوقت نحب الاضطرابات، وبالتالي فإن الخطوة الأولى تتمثل في معرفة ما إذا كان الشخص جاهزاً حقاً للتخلي عن الموضوع الذي يجعله يعاني من أعراضه. بمجرد موافقته نبدأ العمل على ما يزعجه. يبدأ العلاج أولا بتحديد الأعراض التي يعاني منها والموضع الذي يزعجه. لماذا يحدث معه هذا وكيف يمكنه تلقي العلاج؟ من خلال قول وتكرار الأعراض نتعرّف إلى أسباب الإزعاج ثم بعد ذلك نحاول العمل على مستوى الرضا.
ما المتعة التي يستمدها المريض من ارتباطه بمثل هذه الأعراض التي يمكن أن تدمر حياته إلى حد ما؟
يتألف العمل التحليلي من مزج الذات مع الموضوع والأعراض، لمساعدة المريض في تحديد المتعة التي يشعر بها عند المعاناة. لا تتمثل نتيجة التحليل النفسي في مساعدة الشخص على التخلي عن أعراضه (لأنها تعطي معنىً لوجوده) ولكن لمقايضة المتعة القاتلة التي يستمدها في خضمّ المعاناة بقوة. فعلى سبيل المثال؛ هناك من المرضى من يريد التخلص من اضطراب الشره المرضي بطريقة مختلفة من خلال حلمه أن يصبح ممثلاً أو صحفياً لإشباع متعته الشفوية.
ما التمرين الذي يمكن أن تقترحه لمساعدة الشخص على تهدئة نفسه؟
لا يركز التحليل النفسي بشكل كبير على "التمارين"! ولكن إذا كنا سنصفه كعلاج للتعبير عن الكلمات، فلا شك أن المعالج سيقترح على المريض كتابة أحلامه وأفكاره وانطباعاته. يمكن أن يوفر هذا بعض الراحة عندما تتعامل مع القلق.
كيف يكون هذا التمرين؟
هل ما زلنا بحاجة إلى تقديم كل العلاجات؟ طور سيغموند فرويد في نهاية القرن التاسع عشر التحليل النفسي؛ وهو تتويج لسنوات بحثه حول اللاوعي. على الأريكة، يسمح لنا هذا العلاج عبر الكلام باكتشاف الأصول العميقة والمقموعة لمعاناتنا النفسية من أجل مساعدتنا على التغلب عليها.
مدة العلاج
عادة ما تكون الجلسات بين مرة إلى ثلاث مرات في الأسبوع ومن عشرين إلى خمسة وأربعين دقيقة ولفترة علاجية تدوم لعدة سنوات.
2. الحوار الداخلي
فيما يلي أجاب بيير كوفين؛ مستشار إداري ومدرب في علاج الحوار الداخلي، عن جميع الأسئلة التي تدور حول جوانب الذات.
لماذا يمكن للحوار الداخلي أن يساعد على التصالح مع الذات؟
بيير كوفان: نحن لسنا كياناً واحداً ولكننا مكونون من عدد معين من الشخصيات الفرعية التي أنشأناها من أجل التكيف مع البيئة. ومع ذلك فهذه الشخصيات ليست بالضرورة متوافقة مع بعضها بعضاً، وتسبب لنا شعوراً بالضيق. بالإضافة إلى ذلك؛ تقترح طريقة الحوار الداخلي إنشاء وتطوير عملية تنظيمية بين هذه الأجزاء المختلفة من أنفسنا. هذا الحَكَمُ هو ما نسميه "الذات الواعية".
ما هي الدورة النموذجية؟
يشرح المريض ما يزعجه للطبيب النفسي لمعالجته. بعد ذلك يدعوه الأخير لإعطاء صوت للشخصيات الفرعية التي تشير إلى هذه المشكلة. الهدف هو السماح لكل من هذه الأصوات بالوصول إلى مصدر وجودها، على الرغم من أننا أحياناً نقمع بعض الأصوات التي لا تتركنا نعيش في سلام أبداً. لكن شعور التهدئة لا يمكن اكتسابه إلى الأبد؛ بل يجب الحفاظ عليه من خلال الانتباه إلى ما نقوله ونفعله وما نقرّره على أساس يومي.
ما التمرين الذي تقترحه للتعرف على إحدى شخصيات المريض الفرعية؟
تظهر الشخصيات الفرعية في شكل أزواج إما مُسيطرة أو مقموعة. للتعرف عليها أقترح الإجابة عن الاستبيان التالي:
- ما الذي يزعجني بشكل خاص بشأن الأشخاص الآخرين؟ على سبيل المثال: الكسل.
- ما الصفة التي تثير غضبي؟ طاقتي.
- كيف يعرّف أولئك الذين أُسمّيهم كسالى أنفسهم؟ إنهم سيقولون إنهم يعرفون كيف يعيشون اللحظة.
- كيف سيرون ما أعتبره نقطة قوتي؟ مجرّد إرهاق وإجهاد للنفس.
لقد أبرزت للتو شخصية فرعية مهيمنة والجانب الدؤوب والجانب المزعج والجانب الآخر الهادئ. لكي تشعر بسلام أكبر سيكون الهدف هو أن تكون أكثر انتباهاً لهذا الجزء الثاني منك؛ والذي ترفضه في الآخرين بقدر ما ترفضه في نفسك.
كيف تُطبّق هذه الطريقة؟
تم تطوير هذه الطريقة في أوائل الثمانينيات من قبل المحللَين هال وسيدرا ستون من كاليفورنيا، مستلهمين ذلك من المحلل النفسي السويسري السابق ذكره كارل يونغ. إنه علاج مخصص للأشخاص الذين يرغبون في حل مشكلة معينة (علائقية أو شخصية) بسرعة.
مدة العلاج
تمتد مدة العلاج إلى ثماني جلسات لمدة ساعة ونصف، كما يمكن أن تكون كافية. كجزء من علاج قصير؛ يستغرق الأمر من عام إلى عامين مع جلسة واحدة كل أسبوعين.
3. عملية هوفمان
فيما يلي تخبرنا كارين رويتر؛ اختصاصية علم النفس السريري والمعالجة النفسية والمديرة المشاركة لمعهد هوفمان بفرنسا، مع ابنتها كاترين رويتر، كيفية استعادة الثقة بالنفس.
كيف يمكن لعملية هوفمان أن تساعد على التصالح مع الذات؟
كارين رويتر: السلام الداخلي لا يأتي إلا مع تيقّنك بأنّك شخص محبوب. إذا كان هذا الإحساس مفقوداً فإن عملية هوفمان تقترح كيفية استعادته. لكن كيف يكون ذلك؟ بالرجوع إلى طفولتنا يمكننا إعادة إحياء المخاوف أو الغضب الذي شعرنا به في يوم من الأيام من قبل آبائنا، بهدف إيجاد الانسجام في النهاية بين عقلنا البالغ وجَانبنا العاطفي الذي مازال منغمساً في الطفولة.
ما هي خطوات العملية؟
هناك أربع خطوات عملية حول فترة تدريب. الأولى هي المرحلة التحضيرية؛ قبل أسابيع قليلة من اللقاء يبدأ المشارك في عملية التأمل من خلال الإجابة على استبيان اقترحه المعالج. بهذه الطريقة يتعلم المريض كيفية التعرف إلى مشاكله والتعبير عنها ويبدأ في الانغماس في طفولته. ثم تبدأ المرحلة النشطة: أثناء التدريبات في مجموعات صغيرة يُغرق المشارك نفسه في ذكريات طفولته ويُخرج المشاعر المرتبطة بهذه الفترة. هذه الخطوة الجسدية شافية تماماً.
بعد ذلك تأتي مرحلة التفاهم؛ حيث يجد المريض صدى صوت طفله الداخلي الذي يتراوح عمره بين 12 و13 عاماً ويلتقي بوالديه في العمر المناسب في مجموعة كبيرة من خلال تقنية التخيل. ثم يتم إنشاء حوار؛ حيث يسأل المريض والديه مراراً وتكراراً، بالعودة إلى الماضي والنظر في المستقبل، عن سبب تصرّفهما معه بهذه الطريقة. يؤدي هذا التمرين إلى المغفرة والتعاطف مع الذات ومع الوالدين. أخيراً من بين هذه القواعد الجديدة نقترح على الشخص إعادة تعلم كيفية التصرف.
ما التمرين الذي يمكن أن تقترحه؟
إعادة تحديد الأحداث والبتّ في تفاصيلها. دعونا نتخيل موقفاً على سبيل المثال: عندما يكون لديّ موعد مع رئيسي فمن الطبيعي أن أشعر بالاكتئاب ولا أرغب في أي شيء؛ لكن هكذا أصبحت مدركاً لسبب ومصدر الانزعاج. إنها سمة الشخصية التي طورها والدي في مواجهة وضع صعب بحسب المعالجة النفسية. لكن كيف أتصرف؟ ما الآلية الأخرى التي يمكنني استخدامها في هذه الحالة؟ أتطلع إلى هذا الاجتماع باعتباره تحدياً: أواجهه أولاً من خلال التخيل أنني في مواجهة رئيسي قبل تجربة ذلك في الواقع، وهكذا أجد الانسجام بين العقل (يجب أن أنجح في هذا اللقاء) والعاطفة (الفرح، الثقة في النفس).
كيف يُطبّق هذا العلاج؟
تم تطوير تقنية عملية هوفمان في الستينيات من قبل عالم النفس الأميركي بوب هوفمان بالتعاون مع محللين نفسيين وعلماء النفس الإنساني؛ بمن في ذلك الطبيب النفسي كلاوديو نارانجو.
المبدأ
إنه علاج مناسب لكل من يشعر بالحاجة إلى الخروج من مواقف تُكرّر نفسها أو علاقات سامة أو مشاعرَ سلبية. لا يُنصح بهذا النوع من العلاج للأشخاص المدمنين على الكحول أو المخدرات.
مدة العلاج
يتم تقديم هذا العلاج الجماعي في أربع عشرة دولة من خلال تقديم عروض علاجية مكثفة مدتها تسعة أيام.