تتباين حساسيتنا الشعورية وتتفاوت، بفضل تاريخ البعض الشخصي صار البعض أكثر قدرة على إحاطة أنفسهم بقوقعة صلبة، يستعصي على أقوى المشاعر اجتيازها والتأثير بهم. فيما ثمة أشخاص آخرون في المقابل، أسهَمت حياتهم وشخصيتهم وخصوصيتهم في أن يقفُوا عُزَّل تحت وابل المشاعر الذي يغمرهم ويتشرَّبونه بسهولة. وحيثُ إن تَشرُّب المشاعر هذا فعل غير واعٍ، فإنه يأخذ شكل أعراض جسدية وجسمانية، وهو ما يطلق عليه بالجَسْمَنة والتي هي عبارة عن ألم نفسي يتجذر في الأعماق لدرجة أنه ينبعث على شكل ألم جسدي.
حين تُعَبر الذاكرة الوراثية عن نفسها
لجسمنا ذاكرة جينية عبارة عن خلاصة تجاربنا، وهي تجارب تضرب بجذورها في أزمنة عتيقة. ولذا، فإن تجربة حياتية صعبة كالحداد تأتي لتُغذي خوفنا من الهجر والانفصال والذي يتفشّى في أنسجتنا وأعضائنا وعضلاتنا. عند بداية مرحلة جديدة، بعدَ انفصالٍ صعب مثلاً أو أيّ حدث أقلّ صعوبة، يُفعل دماغنا آلية دفاعية لاواعية لتحميه من هذه المخاوف، فتجد لنفسها تعبيراً آخر، وتأخذ شكل آلام جسدية، نقف حائرين عادة أمامها غير قادرين على إيجاد سبب لها.
حين تَدُكّ الصدمات حُصُوننا
أياً كان سبب وشكل آلامنا الجسدية التي تُعبّر عن ألمٍ نفسي، فقد صار العالم اليوم أكثر تفهّماً لها، وقد تكون آلام ظهرك إحدى تمظهرات الألم النفسي. كيف يمكن أن نشرح أن حساسية المرء أحياناً تبلغ تجعل الجسدَ يدخل بدوره على الخطّ؟ عدا حساسيتنا الشّخصية، فالجَسْدَنة تعتمد على معايير مختلفة من شخص لآخر، من بينها الأمان العاطفي الذي حظينا أو لَمْ نحظَ به في صغرنا والصدمات التي كابدنا. بالإضافة إلى ذلك، قد يستصعب المرء الاعتراف بمشاعره وإعطاءها حقّها في حال لم يكن أحد الوالدين أو كليهما قد نجحا في تلبية احتياجاته الأساسية في مرحلة الطفولة، أو في حال مررت وتمرّ باختبار صعب كالحزن على رحيل شخص أو أزمة طلاق أو مرض أحد الأبناء. ما يجعل ظهور أعراض جسدية يتباين حسب طبيعة المشاعر و الظروف التي مرّ بها كل شخص على حدة. تتكرر أحياناً شكوى أشخاص يخشون من المستقبل أو التغيير من آلام أسفل الظّهر، فيما يشترك المرضى الذين يعيشون نزاعاً مع السلطة والذين يحملون على عاتقهم مسؤولية كل ما يحصل حولهم في معاناتهم من آلام على مستوى الكتفين. في حال وجدت توافقاً بين ما قرأتَه وما تعيشه، يُستحسن أن تنظر إلى آلام ظهرك من هذه الزاوية مع الأخذ بعين الاعتبار أن تمظهرات الجسدنة تختلف حسب تجربة وحياة كلّ شخص.
تدابير للعناية بظهرك
ليس من السهل أن تقف بالضبط على مدى جسدنتك لآلامك النفسية، وأمرٌ كهذا يُعدّ طبيعياً بالنّظر إلى آليات الجسدنة التي تعتمد بشكل أساس على اللاوعي. لكن، إن ساورك شكّ أن مصدر آلام ظهرك قد يكون معيشك النفسي. ننصحك بـ:
- اختبر رغباتك! أن تواجه مخاوفك ومشاعرك القوية ليس بالأمر اليسير! إلا أن لا مفرّ من هذه المواجهة على أن تكون نابعةً من إرادة حرّة، وأن تملك الرغبة في إعادة فتح أبواب التي ليس بالضرورة أن يُعجبنا ما يختبئ خلفها. ولهذا، من المهم أن تتذكر أن من حقك أن تشعر أنك لست مستعداً بما فيه الكفاية لتبدأ هذه الرحلة الصعبة وشديدة الحساسية. إذا شعرت أن أمراً كهذا سيجعلك تتحسن، فذلك المبتغى، أما إذا وجدتَ أن إمكانية العلاج النفسي أو العلاج النفسي الموجه للجسم صعبة للغاية، فبإمكانك أن تُرجئها إلى وقت آخر. أهم ما في هذه المرحلة هو أن تنصت إلى نفسك بتمعّن وتمنحها فسحةً لتُعبِّر بحرية
- جِد الاختصاصي الذي يلائمك! يوسع مختلف اختصاصات العلاج النفسي الجسدي أن تخفف من آلام ظهرك كالعلاج بالوخز بالإبر وتقويم العظام بل يمكن اللجوء أيضاً إلى الكنيزيولوجيا (علم حركات الجسم). لكن قبل أن تبدأ رحلة العلاج، ضع نُصب عينيك أن عليك اختيار العلاج الذي تستطيع الالتزام به وكذا المعالج الذي تثق فيه.
- ابدأ بالعلاج بالأعشاب أو بعلاجات زهرة باخ للتخفيف من مشاعرك والتقليل من تمظهراتها الجسدية عليك. إليك بعض الوصفات الناجعة في حالات الجسدنة:
العلاج بالأعشاب كاستعمال الزيتوت الأساسية المستخلصة من البردقوش، والخزامى أو بذور النارنج.
تُعد علاجات زهرة باخ وصفة ناجعة متعددة الاستعمالات، تُسهم في تهدئة النّفس والمشاعر. يمكن أن تستعملها ريثما تجد علاجاً جذرياً.
في الحالتين، لا تتردد في استشارة متخصص مؤهل، سواء كان طبيباً أو صيدلانياً لمساعدتك على إيجاد الحل المناسب.
