لماذا يجب عليك ألا تهرب من خوض الصراعات؟

خوض الصراعات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن المواجهة والعنف الذي يمكن أن تولده مخيفان. لكن في مجال المعالجة الاجتماعية؛ المواجهة أو “خوض الصراعات” هي الطريقة الوحيدة لاستعادة الروابط مع الآخرين. يستعرض هذا المقال الطرق التي يمكنك تطبيقها لتحويل العنف إلى صراع صحّي.
يُعتبر الصراع ضرورياً في العلاقات البشرية في يومنا هذا بسبب عدم وجود مسائل مسلّم بها بالنسبة للجميع. سواء كان الصراع يتعلق بالعلاقات بين الرجال والنساء أو الآباء والأطفال أو مدراء العمل والمتعاونين أو بين الجيران؛ والذين تختلف قواعدهم الأخلاقية الخاصة، فقد تطورت المعايير الأخلاقية كثيراً لدرجة أننا لم نعد نتمكن من الاتفاق على أساس القواعد المشتركة فقط. يقول “شارل روجزمان” اختصاصي علم النفس الاجتماعي الفرنسي: “هذه التغيرات تولّد العنف لأننا لم نتعلّم أن نخوض الصراعات بشكل صحيح. لم نتعلم ما هو الصراع لأنه حاجة جديدة. نميل نحن البشر إلى تجنّب الصراع خوفاً من أن يتصاعد لأننا نميل للخلط بين الصراع والعنف. لكن هذا التجنّب هو ما يجعل الأزواج ينفصلون وهو السبب في الشرخ الحاصل بين الأجيال وهو الذي يعطّل التعاون بين الأفراد في مجال الأعمال التجارية ويولّد الكراهية بين المجتمعات”. بالنسبة لروجزمان مخترع المعالجة الاجتماعية؛ يتضمّن التعلّم عن الصراع خوض 3 مراحل أساسية.

يمكنني أن أعارض الآخرين دون اللجوء للعنف

يتولّد العنف عندما أتصور أن الآخر الذي أعارضه شخص شرير تماماً وأدنى منّي وعندما لا أعتبره ندّاً لي يتمتّع بنفس القيمة والحقوق التي أتمتّع بها. وعندما أهاجمه أو أهينه أو أجعله يشعر بالذنب أو أتخلى عنه في كلامي أو مواقفي معه. أي عندما أعامله بلامبالاة أو أرفض خوض محادثات معه. يصعب أحياناً كشف العنف لأنه قد يكون خفيّاً ويتم التعبير عنه بلطف. يمكنك بالتأكيد أن تهين الآخرين وتُشعرهم بالذنب وتتخلى عن خوض النقاشات معهم دون أن ترفع صوتك، ويمكنك أن تفعل ذلك وأنت مبتسم أيضاً. على العكس من ذلك؛ يمكن أن يتجلّى الصراع بالغضب والعدوانية والصراخ دون أن يكون أحد الأطراف يعتبر أن الطرف الآخر ليس ندّاً له. بمجرد أن نفهم الفرق بين العنف والصراع سنكون قادرين على التعرف على العنف الذي نمارسه؛ والذي يتجلّى باحتقارنا للآخرين والحط من قيمتهم ومحاولة السيطرة عليهم وإنكار وجودهم أو معاناتهم. سنستطيع بنفس الطريقة أن نحدد ما إذا كان الطرف الآخر عنيفاً أم لا. إذا كان كذلك فيمكننا أن نرفض خوض نقاش عنيف. أما إذا لم يكن عنيفاً فيجب علينا أن نتقبّل الصراع؛ أي قبول الاختلاف معه.

الاختلاف أمر ذو منفعة للطرفين

يجب علينا لكي نعيش مع الآخرين بشكل أفضل (وهذا هو منطلق العلاج الاجتماعي) أن نحوّل العنف إلى صراع بدلاً عن محاولة إزالة الصراع. يصح ذلك في جميع مواقف الحياة اليومية. ينتج العنف عادة عن أن الأشخاص يكونون بحاجة إلى خوض صراع ما ولكن لا يعرفون ما هو أو الطريقة التي يجب عليهم خوضه فيها. إذاً فالأمر يتعلق “بتحفيز” الطرف الآخر على خوض الصراع من خلال جعله يفهم أن الاختلاف هو أمر ذو منفعة للطرفين. تمثّل كل وجهة نظر قطعة من اللغز، ويتيح لنا تجميع هذه القطع معاً فهم المشكلة بكل تعقيداتها. هذا هو السبب الذي يجعل المواجهة مفيدة بالنسبة للجميع في حل المشكلة التي تتسبب لهم بالمعاناة.

أنا أحترم عدوّي

لا يتعلّق جعل الصراع يجري بسلاسة اتباع إجراءات معينة أو استخدام مصطلحات مناسبة؛ بل بخلق الثقة التي تجعل الطرف الآخر يستطيع الكشف عن مشاعره والتصريح عن أفكاره دون خوف. تنتج هذه الثقة من تصرفاتنا وسلوكياتنا وما تعبّر عنه؛ وهو أننا نريد تعزيز هذا الرابط مع الآخر وأننا لن ننسحب في وسط النقاش أو نقلل من قيمة الآخر أو نهاجمه. تعبّر هذه التصرفات والسلوكيات أيضاً عن أننا نحترم الطرف الآخر حتى لو لم نكن نوافقه أو نحبّه. يجب عليك أن تتبع هذه التصرفات والسلوكيات والتعبير عنها إذا أمكن. يمكنك أن تقول: “أريد أن أجد حلاً” أو “ما تفكّر به قيّم بالنسبة لي حتى ولو لم أكن أوافقك”. لن تتمكن من خلق الثقة دون ذلك، ولن يتبقى شيء سوى العنف لأننا سنستمر بتصور الطرف الآخر على أنه وحش (أو جلّاد أو أبله وما إلى ذلك) والعكس صحيح.

يجب عليك أن تطبق هذه الخطوات الثلاث معاً لجعل أي صراع يبدو بسيطاً. لكن الخطوات نفسها ليست بسيطة فإن تحفيز الطرف الآخر ليختلف معك عندما يكون هدفك هو إيجاد حل لمشكلة ما أمر سهل للغاية. ولكن عندما يكون العنف موجوداً وتطول الأزمة ويفرّق فتور النقاشات بين الأشخاص، يصبح الأمر الصعب هو المبادرة تجاه الشخص الذي نراه كعدو في وضع نعتقد أنه ميؤوس منه. إن محاولة خوض هذه المراحل الثلاث بنفسك أولاً يمكن أن يساعدك في التغلب على الخوف من الصراع والمبادرة تجاه الطرف الآخر؛ ما سيساعدك في تحديد العنف الذي تمارسه (“كانت كلماتي محرضة على الشعور بالذنب”، “وكان سلوكي يبين الاحتقار”، “كان كلامي مؤذياً فحسب”). فكّر بالفائدة التي تسعى إليها (تجنب الانفصال عن شريكك أو أن تكون حياتك أكثر سعادة معه) وقم بإيجاد الثقة في نفسك لخوض النقاشات. يجب عليك لتجد هذه الثقة أن تحب نفسك ولا تقلل من قيمتك ولا تشعر بالذنب بسبب الصراع. كما يجب عليك أن تتقبّل نفسك في تلك اللحظة بكراهيّتك وتشوّشك وعجزك. حب الذات هو نقطة انطلاق أساسية لتحويل العنف إلى صراع لأن ما يقود معظم الناس إلى أن يكونوا عنيفين مع الآخرين؛ أي أن ينظروا إليهم على أنهم سيئون، هو صعوبة تقبّل أنفسهم بعيوبهم والحاجة إلى رفض خطأ الآخر للاستمرار في الاعتقاد بأنهم غير قابلين للإصلاح.

المحتوى محمي !!