ملخص: التفاعل مع الآخرين يؤدي حتماً إلى ظهور الخلافات والصراعات. بدلاً من الهروب منها أو التعامل معها بعنف ثمة قواعد وخطوات أساسية تسهّل عليك إنهاء الخلافات بأسلوب موضوعي واستباقي. هذا المقال يعرض هذه الخطوات ويشرح لك قواعد التعامل الإيجابي مع خلافاتك.
محتويات المقال
لا مفر من الخلافات التي تُربك مسار الحياة سواء كانت بسيطة أو شائكة. عادة ما تعود الخلافات التي تسبّب المعاناة والحزن إلى مشكلة نقص التواصل. إليك إذاً 3 خطوات ضرورية لإنهائها بأسلوب صحي.
نقص التواصل ظاهرة مميّزة للإنسان
يتضمن بدء أي حوار مع شخص أو أكثر احتمال خطأ الفهم، لأنه تفاعل بين عقول مختلفة يعمل كلّ منها بأسلوبه الفريد.
عندما يرسل المتحدث رسالة فإن نواياه لا تتفق بالضرورة مع فهْم الطرف الآخر لها. ما السبب في ذلك؟ يحدث هذا لأننا نحلّل ما يصلنا بالاعتماد على الأحكام المسبقة والدوافع الخفية، التي تعدّل فهمنا الكلّي للأحداث والرسائل التي نتلقّاها. وفقاً للدراسات التي أنجزها الباحثون غافي ولوي (Guffey & Loewy) سنة 2016 وتانكوفيتش وكابيس وبينازيتش (Tankovic, Kapeš & Benazić) سنة 2023 فإن أكثر من 75% من المحادثات الشفوية تكون غير مفهومة أو عرضة للتجاهل.
يؤدي انعدام الفهم حتماً إلى الخلاف أو الانسحاب: هذا ما يسمّيه علماء النفس استجابة "القتال أو الهروب". بمجرد تفعيل هذه الاستجابة تتضاءل فرص الوصول إلى تفاهم كامل وتتفاقم حالة الغموض ويتشبث كلّ طرف بمواقفه وقناعاته. ثم يدخل الطرفان المتحاوران حلقة سامّة تؤدي إلى الكثير من الجدال. فكيف تخرج إذاً من هذه الحلقة؟ ما عليك سوى أن تتّبع الخطوات الأساسية التالية.
1. التعامل بأسلوب استباقي وموضوعي
عند نشوب خلاف معين ستجد نفسك مخيّراً بين الانخراط فيه وتركه يتفاقم أو التعامل مع الموقف بأسلوب استباقي ونزع فتيله.
يسمح لك التعامل مع المشكلة بأسلوب استباقي بتجميد الخلاف قبل فوات الأوان، أي قبل انقطاع حبل التواصل. يكفي أن تنتبه انتباهاً كاملاً إلى ما يدور في الحوار بينك وبين مخاطَبك من خلال اقتراح أخذ استراحة مدة 15 دقيقة على سبيل المثال، حتّى يستردّ كلاكما هدوءه لاستئناف الحوار بعد التخلص من العواطف السلبية التي قد تسمِّم الموقف. تسمح لكما هذه الاستراحة بإدراك التحدّي الذي يواجهكما في هذا التفاعل أي تجنّب استجابة القتال أو الهروب وتحقيق التقدّم الإيجابي في الحوار.
عليك إذاً أن تتسلّح بالصبر لأن التفاعل مع الآخر دون غضب أو عنف يتطلب بذل جهد أكبر. من مفارقات هذا الموقف أن استخدام العنف في الخلاف الناشئ يحرّر مستخدمه بينما يتطلب الحفاظ على الهدوء وتجنّب التصعيد في المقابل اجتهاداً كبيراً في السيطرة على الذات. ومن ثمّ فإن السيطرة على عواطفك وعواطف الآخر تمثل الخطوة الأولى في طريق إنهاء الخلافات الناشئة.
2. الإصغاء الفعّال وإظهار التعاطف
بعد عودة الأجواء الإيجابية يمكنك الانتقال إلى مرحلة الإصغاء والفهم. استيعاب وجهة نظر الآخر خطوة حاسمة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الإصغاء الفعّال الذي سيقودك إلى محاولة الفهم العميق لرأيه. يتطلّب الإصغاء الفعّال تعاطفاً قوياً لا يمكنك التعبير عنه إلا إذا تحرّرت من الأحكام الجاهزة وأظهرت استعداداً فعلياً للإصغاء إلى الآخر. المطلوب منك خلال الإصغاء الفعّال إعادة صياغة عبارات مخاطَبك صياغة إيجابية وطرح أسئلة مفتوحة لخلق جو مناسب للحوار. تزداد أهمية هذه الخطوة الجوهرية عندما يكون مخاطبك غير مستعد أبداً للحوار. وهذا يعني أن عليك بذل جهد إضافي لصالحكما معاً وهو أمر ممكن.
3. تحديد موضوع الخلاف وإيجاد صيغة توافق
بمجرد تخصيص الوقت الكافي للإصغاء إلى الآخر وفهم حججه، وعرض أفكارك وحججك، يمكنكما أن تحدّدا معاً بموضوعية الاختلافات القائمة في وجهات النظر كي توضّحا موضوع الخلاف، الذي يمكنكما العمل على إنهائه من خلال الإصغاء المتبادل. يمكنكما حينها التوصل إلى حلّ وسط مقبول حتّى لو تعارضت وجهات نظريكما أو احتياجاتكما. هذا ما نسمّيه "تحقيق النفع للطرفين" حيث سيعود التواصل بينكما عندما يرى كل منكما أن الآخر يستمع إليه وأن الحوار يعود عليه بالنفع.
إذا حرصت على اتباع هذه الخطوات الثلاث الأساسية ستتمكن من إنهاء كل خلاف تواجهه تقريباً، لأن الإصغاء والتفهم المتبادلين يفتحان المجال أمام الحوار المثمر.