ملخص: يمكن أن يحفّز الخروج من منطقة الراحة النموّ الشخصي وتحسين الذات. إذ تساعدك هذه الخطوة على تعلّم مهارات جديدة، وتطوير المرونة، والتكيّف مع التغيير بشكل أكثر فعالية.
محتويات المقال
ماذا يقصد بمنطقة الراحة؟
على الرغم من أن الحياة مليئة بفرص الخروج من مناطق راحتنا، فإن اغتنام هذه الفرص قد يكون مهمّة صعبة بسبب عقلية الأفراد ونقص المعرفة لديهم. يشير مصطلح "منطقة الراحة" (Comfort Zone)، الذي قدّمته المفكرة الإدارية الأميركية جوديث باردويك (Judith Bardwick) في 1991، إلى حالة يعمل فيها الشخص في بيئة خالية من المخاطر، باستخدام مجموعة محدودة من السلوكات للحفاظ على مستوى أداء ثابت. وفي حين توفّر هذه الحالة نوعاً من الراحة، فهي لا تقدّم الحافز للأفراد للسعي لتحسين الأداء، ما يؤدّي إلى ركودٍ في تقدّمهم.
يمكن إرجاع جذور هذا المفهوم إلى علم النفس السلوكي، لا سيما التجربة التي أجراها عالما النفس الأميركيين روبرت يركيس (Robert Yerkes) وجون دودسون (John Dodson) في 1907. إذ وجدا ارتباطاً بين القلق والأداء لدى الفئران، التي تؤدّي بشكل أفضل في ظلّ التوتّر المتزايد، ولكن فقط إلى حدّ ما، فبمجرّد أن يتجاوز الإجهاد عتبة معينة، تتراجع الفئران عن الأداء. وينعكس نفس النمط على السلوك البشري، عند الأشخاص الذين يمكن أن يواجهوا التحدّي، أو يهربون منه، أو يصابوا بالشلل، وذلك استجابةً للمحفزّات المُجهدة.
وينطبق هذا المفهوم، المعروف باسم "قانون يركيس دودسون" (Yerkes-Dodson)، على العديد من مجالات الحياة التي تتجاوز أداء المهام، بما في ذلك فهم الذات والعلاقات الشخصية. إذ يفترض أن أنظمتنا العصبية تعمل على النحو الأمثل داخل منطقة الاستثارة "المعتدلة". الاستثارة غير الكافية تؤدي إلى بيئة مريحة أو منطقة الراحة ولكن غير محفزّة، ما يؤدّي إلى الملل. ومن ناحية أخرى، يؤدّي الإفراط في التيقظ الفيزيولوجي أو العقلي إلى حالة من الذعر وتوقّف التقدّم.
اقرأ أيضاً: 5 أسباب لتتحلّى بالجرأة في محيط عملك
ماذا تستفيد بالخروج من منطقة الراحة؟
من المهم الموازنة بين الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك والرعاية الذاتية وعدم دفع نفسك إلى التوتّر أو القلق المفرط. و بغض النظر عن تحسين الأداء، ثمّة العديد من الفوائد غير المباشرة التي يمكن أن تجنيها من مغادرة منطقة الراحة. ويعدّ الآتي أبرزها:
تحقيق الذات
يعدّ تحقيق الذات - وهو مفهوم قدّمه عالم النفس الأميركي أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) في 1943 - بمثابة دافعٍ قويّ للأفراد لمغادرة منطقة الراحة الخاصة بهم. حيث تقترح نظرية ماسلو أنّه بمجرّد تلبية احتياجاتنا الأساسية والنفسية؛ أيّ ما يعادل التواجد في منطقة الراحة، فإننا نسعى بشكلٍ فطريّ إلى تحقيق النموّ والاستِيفاء الشخصي. وهذا هو جوهر تحقيق الذات - أن نستكشف كلّ إمكاناتنا الكامنة. فإذا كان الخروج من منطقة الراحة يتماشى مع قيم الفرد، فهو خطوة نحو تحقيق الذات، لأن غياب النموّ قد يؤدي إلى حالة من الجمود أو الركود في وقت لاحق من الحياة.
تطوير عقلية النمو
أحدثت أعمال عالمة النفس بجامعة ستانفورد، كارول دويك (Carol Dweck) سنة 2008 ثورة في علم النفس الإيجابي من خلال التمييز بين عقليتين: الثابتة والنامية. فالأفراد ذوو العقلية الثابتة ينظرون إلى قدراتهم على أنها محدودة، معتقدين أن الفشل يشير إلى محدوديتهم والنقد يضرّ باحترامهم لذاتهم. وفي المقابل، يرى أولئك الذين لديهم عقلية نامية أن البشر قادرون على التكيّف، ويرون النكسات على أنها فرص للتعلّم وإمكانيات لانهائية.
يساعد الخروج من منطقة الراحة على تطوير عقلية النمو التي تشجّع التعلّم والمخاطرة وتوسيع الاحتمالات. في حين أن العقلية الثابتة يمكن أن تؤدّي إلى الخوف من الفشل والركود.
المرونة ومقاومة الهشاشة
يستلزم عدم القدرة على التنبؤ بالحياة القدرة على التكيّف. فمواجهة الشدائد أمر لا مفر منه، ولكن الخروج بانتظام من مناطق الراحة لدينا يمكن أن يُعدّنا للتعامل مع التغيير وعدم اليقين، ما يعزز المرونة.
وفي خطوة أبعد من ذلك، اقترح الكاتب اللبناني- الأميركي والباحث في الإحصاء الرياضي ومحلّل المخاطر، نسيم طالب (Nassim Taleb)، مفهوم الأنظمة التي تتسم بالصلادة في 2012. هذه الأنظمة لا تنجو فحسب، بل تزدهر أيضاً في ظلّ التقلّبات والعشوائية والاضطراب والإجهاد. وهي تشمل الأنظمة التطوّرية والمناعة والنفسية البشرية.
وعلى عكس الأنظمة المرنة التي تعود إلى حالتها الأصلية بعد الصدمة، تنمو الأنظمة التي تتسم بالصلادة من هذه التجارب، لتصل إلى آفاق جديدة. لذلك، يمكن اعتبار مغادرة منطقة الراحة عمداً وطواعية بمثابة خطوة تعزّز مقاومة الهشاشة، بشرط أن نتجنّب الوقوع في حالة الذعر التي تمّت الإشارة إليها سابقاً.
زيادة الكفاءة الذاتية
يعرّف عالم النفس ألبرت باندورا (Albert Bandura) الكفاءة الذاتية على أنها الإيمان بقدرة الفرد على أداء القيام بالإجراءات اللازمة لتحقيق الهدف. فالأهداف التي تسهم في زيادة الكفاءة الذاتية هي أهداف محدّدة وقصيرة المدى وصعبة إلى حدّ ما. يتضمّن الخروج من منطقة راحتنا فترة من التجارب، يكون خلالها مستوى معيّن من النجاح ضروريّ. إن تحقيق بعض النجاح يعزّز الكفاءة الذاتية، ويعزّز تدريجياً إيماننا بقدراتنا.
16 طريقة ينصح بها الخبراء للخروج من منطقة راحتك بكامل ثقتك
تساعد تجربة تقنيات نفسية وذهنية مختلفة الأفراد الذين يميلون إلى البقاء في منطقة آمنة ومريحة على أخذ زمام المبادرة بثقة خارج مناطق راحتهم. يشاركنا 16 مدرّباً من فوربس الأساليب المتنوعة التي استخدموها لمساعدة عملائهم على الخروج من مناطق الراحة الخاصة بهم واحتضان الخبرات ووجهات النظر الجديدة.
- حدّد قوّتك الخارقة: وهي شخصية أو صورة أو عبارة رئيسية تجسّد قدرة الشخص وثقته. عند مواجهة الانزعاج أو التحديّات، ينصح بالتوقّف، وأخذ نفس عميق، والتفكير في "قوتك الخارقة"، ثم التصرّف بناءً عليها.
- ضع المشاعر جانباً وتقبّل حقيقتك: عندما تضع عواطفك على جنب وتقبل من أنت، ستكتشف مدى ارتباط النفسي الداخلي بخططك وأهدافك بشكل طبيعي.
- اعقد صفقة مع جانبك الذي يفضّل الألفة: تخيّل ذلك الجانب من شخصيتك الذي يفضّل الألفة واتفق معه أن يبقى هادئاً أو في المنزل في بيئة مريحة بينما تقوم أنت بتجارب جديدة.
- اربط القيمة الأساسية بالموقف: اربط تفكيرك بإحدى القيم، مثل "النزاهة". يساعدك هذا في تحديد ما هو مهم بالنسبة لك من أجل تسهيل تقدّمك.
- تعلّم كيفية تقبّل الانزعاج: تذكّر أن النمو لا يكون في بيئة مريحة. لذلك؛ تقبّل أن تحقيق هدف ما يتطلّب تقبّل الانزعاج الذي يأتي معه.
- تخيّل أنك تتحدّث إلى نفسك المستقبلية: تخيّل أنك تتحدث إلى الشخص الذي سيكون موجوداً في غضون 3 سنوات حول تحدّيك أو قرارك الحالي. ما هي النصيحة التي يمكن أن يقدمها لك؟ ما الذي يوصي به كخطوة أولى؟
- ابحث عن تجربة من الماضي تقويك: فكّر في تجربة في حياتك الخاصة تمكّنت فيها من النجاح أو تحقيق هدفٍ ما. سيساعدك ذلك على إعادة تعريف ماضيك، وإدراك أن الآلام في الماضي ساعدتك على بناء القوة لمستقبلك.
- تخيّل تحقيق الأهداف: تخيّل أنك تحقّق هدفاً حددته لنفسك. فكّر في تفاصيل الهدف؛ مثل؛ ماذا ترتدي؟ من يتواجد معك؟ ماذا يوجد في حقيبتك؟ وغيرها من التفاصيل الأخرى.
- وازن بين السلبيات والإيجابيات المستقبلية: البعض من التركيز السلبي قد ينفعك، مثل أن تسأل نفسك ما الذي لن يتغيّر إذا لم تفعل شيئاً؟ ما الذي عليك الاستمرار في تحمّله؟ كم من الوقت أنت على استعداد لتحمل كذا؟ وفي المقابل، فكّر في الإيجابيات التي ترغب في بلوغها.
- تعرّف على نماذج العقل الباطن: استكشف أنماطك النفسية المخفية عنك التي تؤثّر في حياتك. وجد نماذج تفكير جديدة تخدمك بشكلٍ أفضل.
- تبنى التخطيط القائم على الأهداف: يتمثّل التخطيط القائم على الأهداف في تحديد الهدف، ثم تحديد الخطوات لبلوغه.
- أعد تعريف "منطقة الراحة": يمكنك تغيير معتقداتك الداخلية حول "منطقة الراحة" واعتبارها مثلاً؛ "منطقة العبقرية السهلة".
- تخيّل نفسك تقوم بمهمة تمكينية: تخيّل نفسك وأنت تقوم بمهمّة أو نشاط يُشعرك بالقوة ويمنحك إحساساً بالإتقان التام.
- تخيّل أشخاصاً آخرين يقومون بمهام يومية عادية: تخيّل شخصاً آخر يقوم بمهمات يومية عادية في المنزل، ومع العائلة وفي العمل. إذ يمكن أن يساعدك ذلك في تبديد الشعور بعدم الراحة.
- ضع في اعتبارك أفضل سيناريو: تجنّب التحيّز السلبي وإعطاء أهميّة للنتائج السلبية المحتملة واسأل نفسك: "ما هو أفضل شيء يمكن أن يحدث إذا حاولت؟".
- اسأل نفسك هذه الأسئلة الثلاثة: تحدّث إلى نفسك، باستخدام اسمك، واسأل: "ما الذي تريده حقاً؟" ثم، "إذن، لماذا تريد ذلك؟" وتابع بالسؤال: "من سيستفيد أيضاً إذا حقّقت هذا الهدف؟". تساعد هذه العملية على انتقال الأفكار من الدماغ إلى قشرة الفص الجبهي للدماغ حتى تتمكّن من اتخاذ القرارات المثلى.
اقرأ أيضاً: لماذا ينبغي لنا الخروج من منطقة الراحة الخاصة بنا؟
وأخيراً، يمثّل الخروج من منطقة الراحة تحديّاً لا يمكن إنكاره، ولأنه طريق مليء بفرص النموّ واكتشاف الذات وبناء المرونة، ينبغي اعتماد بعض الاستراتيجيات الموضحة في هذا المقال، التي تمكّنك من المغامرة خارج منطقة راحتك بثقة أكبر.