من هو صديق العمر الحقيقي؟ وكيف يساعدك على التوازن النفسي؟

6 دقيقة
صديق العمر الحقيقي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

كشفت دراسة حديثة من جامعة كورنيل أن الصداقات الطويلة المدى لا ترفع فقط جودة حياتنا، بل تبطئ أيضاً مظاهر الشيخوخة وتخفض الالتهابات في الجسم، كما تقلل مستوى هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر. أي إن وجود صديق حقيقي لا ينعش قلبك فحسب، بل يحافظ على صحتك الجسدية والعقلية أيضاً…

نعيش حالياً في خضم عصر سريع يرتكز على التواصل الاجتماعي، ولكن هل نتواصل حقاً بعضنا مع بعض؟ الحقيقة أننا في الكثير من الأوقات ننشغل بالمسؤوليات اليومية بين مهام العمل والأعباء المنزلية، حيث تكثر الضغوط وتتفاقم التحديات، ولكن في وسط هذا العالم المليء بالضجيج سوف تكون محظوظاً للغاية إذا كنت تملك صديق العمر، ودعني أخبرك أن هذا الصديق ليس مجرد رفيق للمرح أو شاهد على ذكريات حياتك، ولكنه دعامة نفسية قوية، إذ أكدت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة كورنيل، ونشرتها دورية الدماغ والسلوك والمناعة في أكتوبر/تشرين الأول 2025، أهمية صديق العمر في تعزيز الصحة النفسية والجسدية، فما هي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة؟ وكيف تحمي صداقتك حتى تستمر إلى آخر العمر؟ الإجابة عبر هذا المقال.

ما هي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة؟ 

كشفت الدراسة البحثية السابق ذكرها، أن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية قوية ومستقرة يشيخون بيولوجياً على نحو أبطأ من غيرهم. وحللت الدراسة بيانات أكثر من 2,000 شخص، وذلك بهدف قياس "الميزة الاجتماعية التراكمية"، أي مجموع الروابط والعلاقات الإيجابية التي ترافق الإنسان طوال حياته، حيث أكدت الدراسة أن تلك العلاقات الإيجابية ترتبط بمؤشرات الشيخوخة البيولوجية مثل العمر الجيني والالتهابات في الجسم، وقد أوضحت نتائج الدراسة ما يلي:

  1. كلما زادت العلاقات الإيجابية التي ترافق الإنسان طوال حياته، أو ما يعرف باسم صديق العمر، انخفض معدل إصابته بالشيخوخة المبكرة.
  2. الصداقات التي تستمر على مدار العمر تقلل مستوى الالتهابات في الجسم.
  3. العلاقة المستمرة مع صديق العمر تقلل مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.

وأكد مؤلف الدراسة، أنتوني دي أونج، أن العلاقات الاجتماعية الطويلة الأمد تشبه حساب التقاعد، كلما بدأت الاستثمار مبكراً زادت مساهمتك بانتظام، ومن ثم زادت عوائدك، ويضيف أونج أن نتائج الدراسة توضح أن هذه العوائد ليست عاطفية ونفسية فحسب؛ بل بيولوجية أيضاً، فالأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية أكثر ثراءً واستدامة يتقدمون في السن تقدماً أبطأ، كما يعتقد أونج أن الأمر لا يقتصر على وجود أصدقاء فحسب، ولكنه يتعلق بكيفية نمو علاقاتك الاجتماعية وتعمقها على مدار حياتك، لأن هذا التراكم يشكل مسارك الصحي بطرق لا تتخيلها.

اقرأ أيضاً: كيف تميز بين الصداقة الحقيقية والصداقة الزائفة؟

كيف تبدو صداقة العمر؟ وما هي أهم أساسيات وجودها؟ 

الصداقة الحقيقية ليست مجرد علاقة تعارف أو معرفة سطحية، ولكنها روابط عميقة مبنية على الثقة والاحترام المتبادل، وفيما يخص صديق العمر فإنه ذلك الشخص الذي شهد تحولاتك الحياتية، وديناميكيات عائلتك، وخسائرك، وصدماتك النفسية، ولذلك فإنه يفهمك جيداً، ويفهم الظروف والتحديات التي شكلت شخصيتك الحالية. علاوة على ذلك، فإن صديق العمر كان رفيق مراحل نموك طوال رحلة الحياة، ولهذا فإنه يعد مرجعاً مهماً في حياتك، وترتكز صداقة العمر على عدة أسس مهمة وهي:

1. الدعم العاطفي 

الأصدقاء الذين يدومون مدى الحياة موجودون لمساعدتك عندما تكون في أمس الحاجة إليهم؛ سواء كنت تحتفل بإنجازاتك المهمة، أم تمر بأوقات عصيبة، حيث توفر هذه الصداقات مساحة آمنة لمشاركة المشاعر وتقديم النصائح والإنصات الفعال في أثناء المحن.

2. الثقة والوفاء 

تعد الثقة هي الأساس الراسخ في صداقات العمر، فأنت تعلم أنك تستطيع الاعتماد على صديق عمرك في كتمان الأسرار، والصدق، والوقوف أحدكما بجانب الآخر مهما كانت الظروف.

3. التجارب المشتركة 

حين تملك صديقاً استمر معك فترة ممتدة من حياتك، فهذا يعني أنك خضت معه الكثير من التجارب المشتركة، ويمكن القول إن هذه التجارب تعزز علاقتكما وتساعدكما على بناء الكثير من الذكريات.

4. النمو والتغيير 

الصداقات التي تدوم مدى الحياة قوية وذلك لأنها تتغير وتنمو مع تغير حياة كل شخص؛ حيث ينمو الأصدقاء معاً، ويحتفلون بمحطات جديدة كالزواج أو التغييرات المهنية، ويدعم بعضهم بعضاً في مواجهة تحديات كفقدان الوظيفة أو الوفاة أو الصراعات الشخصية.

5. الاحترام المتبادل 

في هذه الصداقات، يقدر كل من الطرفين آراء الآخر ومشاعره، حتى لو اختلفا، وهذا الاحترام يعزز التواصل المفتوح، ما يسمح بنقاشات صحية وحل النزاعات.

اقرأ أيضاً: 7 علامات تؤكد أنك في صداقة صحية

ما هي طبيعة العلاقة بين الصداقة الحقيقية وتحسن صحتك النفسية؟

كشفت دراسة بحثية نشرتها مجلة الحدود في علم النفس خلال عام 2023 أن الأشخاص الذين ليس لديهم أصدقاء هم أكثر عرضة للوفاة المبكرة بمرتين، وهو عامل خطر أكبر حتى من آثار تدخين 20 سيجارة يومياً، ويمكن القول إن الصداقة الحقيقية تعزز صحتك النفسية للأسباب التالية:

1. تخفيف مشاعر التوتر والقلق 

عندما تمر بأوقات عصيبة، أو تواجهك مشكلة في العمل قد يساعدك وجود صديق حقيقي على تخفيف حدة مشاعرك بالقلق والتوتر، وذلك لأن صديقك سوف يستمع إليك، ويوفر لك دعماً عاطفياً كبيراً، كما أنه سيقدم لك وجهة نظر مختلفة، ما يساعدك في نهاية المطاف على تهدئة مشاعرك.

علاوة على ذلك، فإن علاقة الصداقة الحقيقية يمكن أن تحفز إفراز هرمون الأوكسيتوسين، وهو هرمون الحب المرتبط بالترابط العاطفي والاجتماعي، وعادة ما يخفف هذا الهرمون مشاعر القلق ويعزز الشعور بالراحة، بالإضافة إلى ذلك، فإن صديقك الحقيقي سوف يتعرف بسهولة على العلامات المبكرة لمشاكل الصحة النفسية، ومن ثم، سوف يشجعك على طلب المساعدة المهنية عند الضرورة، ليكون بمثابة خط دفاع أول للحفاظ على صحتك النفسية.

2. تعزيز الثقة بالنفس 

في كل مرة أواجه فيها وقتاً صعباً وأشعر بتقصيري في العمل أو في واجباتي تجاه أسرتي، أتحدث إلى صديقتي التي تعزز ثقتي في نفسي لأنها تذكرني بكل الإنجازات التي حققتها وبكل الأنشطة التي أؤديها مع أطفالي، وهنا يأتي دور الصديق الحقيقي، حين تصاب بغمامة من المشاعر السلبية أو تحس بأنك متخلف عن الركب، سوف يذكرك صديقك بالطريق الذي سبق وبدأت السير فيه، والتحديات التي اجتزتها.

3. الشعور بالانتماء 

يعد الشعور بالانتماء حاجة إنسانية أساسية، ويأتي في المرتبة الثالثة في هرم ماسلو للاحتياجات، والحقيقة أن الصداقات الصحية والدائمة تعمل بصفتها شبكة دعم وتخلق شعوراً قوياً بالانتماء لدى الأفراد.

4. تحسين صحة القلب والأوعية الدموية 

الأشخاص الذين يفتقرون إلى أنظمة دعم اجتماعي قوية معرضون لردود فعل سلبية، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة الالتهابات في الجسم وارتفاع خطر السكتات الدماغية، وعلى الجانب الآخر فإن الصداقة الحقيقية تعزز صحة القلب وتحافظ على الأوعية الدموية، كما أن الأشخاص الذين يمتلكون العلاقات الاجتماعية الوثيقة يتمتعون بأجهزة مناعة أقوى، وهم أقل عرضة للإصابة بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب.

وفي هذا السياق، يؤكد الطبيب النفسي، إبراهيم حمدي، أن علاقات الصداقة تخفف القلق، وتنظم ضربات القلب، وتقلل هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر، ويضيف حمدي أن وجود صديق يفهمك ليس رفاهية بل علاجاً نفسياً لا يكتب في وصفة طبية.

5. زيادة مستوى الرضا عن الحياة

تزيد الصداقة الحقيقة مستوى الرضا عن الحياة وتعزز شعورك بالرفاهية، وفي هذا السياق، تشرح أستاذة علم النفس بجامعة ماكجيل في مونتريال، ميلاني ديركس، أن الصداقة هي أول علاقة نختارها بحرية في الحياة، وهي تساعدك على الإفصاح عن ذاتك، ومشاركة أفكارك ومشاعرك، ما يسمح لك بترسيخ هويتك الفردية وبناء شخصيتك.

6. تحسين جودة الحياة 

يلعب الأصدقاء أيضاً دوراً رئيسياً في تشجيع السلوكيات الصحية، مثل التشجيع على ممارسة النشاط البدني، وتناول الطعام الصحي، فمن خلال دعم أصدقائك تصبح أكثر ميلاً إلى ممارسة الرياضة واتباع نمط عادات صحية تحسن جودة حياتك على المدى الطويل.

7. الحفاظ على جهازك المناعي 

تعزز الصداقة جهاز المناعة لديك، وذلك لأن التفاعلات الإيجابية مع الأصدقاء تقلل هرمونات التوتر وتزيد إنتاج هرمونات الشعور بالسعادة، ونتيجة لذلك، يكون جسمك أكثر قدرة على محاربة العدوى والأمراض، كما أن الروابط الاجتماعية القوية تقلل الالتهابات وتحسن قدرة جسمك على مواجهة المشاكل الصحية.

5 نصائح واستراتيجيات فعالة لتحافظ على صداقاتك وتجعلها تدوم مدى الحياة

إن تكوين الصداقات أو بدء التعرف على الأشخاص الجدد ليس سوى جزء بسيط من المعادلة، فالأمر لا يرتكز على تكوين صداقات فحسب، ولكن يجب تنمية تلك الصداقات من أجل ترسيخها مع مرور الوقت، وإليك كيفية تعزيز صداقاتك حتى تحافظ عليها وتجعلها تدوم مدى الحياة:

1. تواصل تواصلاً منتظماً ومستمراً

يعد التواصل المنتظم -سواءً شخصياً أم عبر الهاتف أو الرسائل النصية أو محادثات الفيديو- أمراً محورياً للحفاظ على قوة رابطة الصداقة، وحتى اللفتات الصغيرة كإرسال رسالة سريعة، أو فيديو مضحك، أو مشاركة مقال مثير للاهتمام يمكن أن تحافظ على العلاقة حية.

2. قدم الدعم خصوصاً في الأوقات الصعبة 

قرأت من قبل في أحد الكتب عبارة مفادها أن كل ما هو متبادل مستمر، وهذا يعني أن العلاقات الصحية ترتكز على العطاء المتبادل والدعم المتبادل، يجب أن يكون صديقك حاضراً في الأوقات الصعبة والأوقات الجيدة، وأنت أيضاً، قدم المساعدة عندما يحتاج إليها صديقك، سواءً كانت عاطفية أم نفسية أم اجتماعية، وتأكد من وجودكما أحدكما بجانب الآخر خلال تقلبات الحياة.

اقرأ أيضاً: نصائح الخبراء لتميز الصداقات الحقيقية وتحافظ عليها

3. كن صبوراً ومتفهماً 

أحياناً يمر أصدقاؤك بتقلبات وتحولات حياتية مختلفة ومتنوعة، مثل العمل في وظيفة جديدة تتطلب الكثير من الوقت والجهد، أو الانتقال إلى بيت جديد، أو إنجاب طفل. وفي هذه الحالات قد يتعذر عليك مقابلة صديقك أو التحدث إليه كالسابق، وهنا عليك أن تكون صبوراً ومتفهماً وتتحلى بالصبر، هذه التحولات سوف تأخذ وقتها وستعود الصداقة إلى سابق عهدها، المهم أن تقدم لصديقك الدعم الذي تحدثنا عنه سابقاً، وتلتمس له العذر.

4. حاول التغلب على التحديات 

تواجه الصداقات، كأي علاقة، تحديات، وهنا يمكن القول إن معالجة سوء الفهم والصراعات بطريقة بناءة أمر بالغ الأهمية لصحة الصداقة على المدى الطويل، ولهذا تعامل مع الخلافات بعقلية حل المشكلات بدلاً من المواجهة. وناقش التحديات بانفتاح واحرص على العمل معاً لإيجاد حلول يمكن أن تقوي الرابطة وتؤدي إلى تعزيز النمو المتبادل.

5. كن مرناً 

في الكثير من الأوقات، تكون الحياة غير متوقعة، وقد لا تسير الأمور دائماً كما هو مخطط لها، لهذا من المهم التحلي بالمرونة والتواؤم مع ظروف الحياة، ولكن مع ضرورة الالتزام بالحفاظ على العلاقة. على سبيل المثال، لنفترض أنك تود مقابلة أصدقائك لكن أماكن عملكم مختلفة وبعيدة، في هذه الحالة يمكنكم ترتيب لقاء عبر مكالمة فيديو أو يمكنكم التخطيط معاً لقضاء وقت في عطلة نهاية الأسبوع، أو إذا كنتم تحبون الأنشطة المشتركة مثل مشاهدة الأفلام أو كرة القدم فخططوا سوياً من أجل الذهاب إلى السينما أو حضور مباراة لكرة القدم، المهم ألا تضع الصداقة في آخر قائمة أولوياتك.

المحتوى محمي