دراسة حديثة: صدمات الطفولة تُضعف وظائف العضلات عند الكبر، فما الحل؟

8 دقيقة
صدمات الطفولة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: أظهرت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة ميشيغان (University of Michigan) ونُشرت في مجلة ساينس أدفانسيس (Science Advances) العلمية في مارس/آذار 2024، أن التعرض إلى تجارب الطفولة الصادمة يمكن أن يؤدي إلى ضعف وظائف العضلات مع التقدم في السن، وإليكم تفاصيل الدراسة في هذا المقال.

توصلت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة ميشيغان (University of Michigan) ونشرتها مجلة ساينس أدفانسيس (Science Advances) العلمية في مارس/آذار 2024، إلى نتيجة مفادها أن التجارب الصادمة التي قد نتعرض إليها في الطفولة تؤدي إلى ضعف وظائف العضلات مع التقدم في السن.

وأكدت الدراسة أن الضغط النفسي الذي يعانيه الأطفال في الصغر يؤثر سلباً في الصحة الجسدية مستقبلاً، وقد ركزت هذه الدراسة على فحص وظيفة العضلات الهيكلية لدى كبار السن بالتزامن مع دراسات استقصائية حول الأحداث الصادمة التي تعرضوا إليها خلال طفولتهم، فكيف تؤثر تجارب الطفولة الصادمة في وظائف العضلات مع التقدم في السن؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

دراسة حديثة: صدمات الطفولة قد تؤثر في وظائف العضلات مع التقدم في السن

أظهرت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن الصدمات والتجارب المؤلمة خلال فترة الطفولة يمكن أن يكون لها تأثير دائم في صحة العضلات لدى الأشخاص من كلا الجنسين. وفحص الباحثون خلال هذه الدراسة عينات من الأنسجة العضلية لنحو 879 مشاركاً تزيد أعمارهم على 70 عاماً، هذا بالإضافة إلى فحص عينات من العضلات والدهون، وأكمل المشاركون استبانات وتقييمات بدنية ومعرفية ونفسية واختبارات أخرى.

بعد ذلك، حُلّلَت عينات العضلات من أجل تحديد عملية إنتاج الأدينوزين الثلاثي الفوسفات (ATP)؛ وهو جزيء يلعب دوراً محورياً في تخزين الطاقة التي يحتاج إليها الجسم لأداء مختلف العمليات الحيوية، ونقلها. بالإضافة إلى ذلك، يسهم هذا الجزيء في عملية بناء الحمض النووي والتواصل بين الخلايا. وبأسلوب مبسط للغاية، يمكن تشبيهه البطارية التي تمد الخلايا بالطاقة.

وبالإضافة إلى تحليل العينات السابقة، استخدم الباحثون أيضاً الاستبانات والاختبارات من أجل جمع البيانات اللازمة عن تجارب الطفولة الصادمة؛ وقد احتوت الأسئلة التالية: 

  1. هل استخدم أحد أفراد العائلة المقربين المخدرات أو الكحول بطريقة تسببت في قلقك وخوفك؟
  2. هل تعرضت إلى الإهانة أو الخذلان من الوالدين أو أحد أفراد الأسرة في طفولتك؟
  3. هل تعرضت إلى الإيذاء الجسدي من قبل أحد الوالدين أو شخص بالغ في منزلك؟
  4. هل شعرت بالحب أو الأهمية أو التميز في عائلتك؟
  5. هل كان أحد والديك غائباً عن المنزل فترةً طويلة من حياتك؟

وقد أفاد 45% من المشاركين بأنهم تعرضوا إلى صدمة أو أكثر من صدمات الطفولة، وهؤلاء الأفراد كان لديهم إنتاج أقل من الأدينوزين الثلاثي الفوسفات؛ ما يعني أن وظائف العضلات لديهم أضعف من الآخرين الذين لم يتعرضوا إلى صدمات وتجارب مؤلمة في الطفولة.

وفي هذا السياق، توضح الباحثة في معهد البحوث الاجتماعية بجامعة ميشيغان ومؤلفة الدراسة، كيت دوتشوني (Kate Duchowny)، إن نتائج الدراسة تكشف أن تجارب الطفولة الصادمة لديها القدرة على التأثير في العضلات الهيكلية. وأضاف الباحثون المشاركون في الدراسة إن تأثيرات الأحداث المؤلمة والصادمة في مرحلة الطفولة ظلت كبيرة حتى بعد التحكم في العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في وظائف العضلات؛ مثل العمر والجنس والتحصيل العلمي وتعليم الوالدين ومؤشر كتلة الجسم، وأيضاً أعراض الاكتئاب والنشاط البدني. 

اقرأ أيضاً: أثر صدمات مرحلة الطفولة في الصحة النفسية

ما صدمات الطفولة؟

تعرّف الشبكة الوطنية الأميركية للضغط النفسي لدى الأطفال (NCTSN)، صدمات الطفولة بأنها الأحداث المخيفة أو الخطِرة أو العنيفة التي تشكّل تهديداً للسلامة الجسدية أو النفسية للأطفال. وفي هذا السياق، تؤكد المعالجة النفسية يولاندا رينتيريا (Yolanda Renteria) إن الأطفال يتعلمون مدى أمان العالم أو عدم أمانه من خلال تجاربهم الشخصية، فالطفل الذي يواجه أحداثاً صادمة في الصغر يطور طرائقه الخاصة لحماية نفسه، وتلك الطرائق التي يطورها تشكّل شخصيته البالغة.

أهم 9 أحداث يمكن أن تسبب صدمات الطفولة 

تعد سنوات الطفولة ضرورية جداً لتنمية المهارات الحياتية؛ حيث إن صدمات الطفولة، سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع، لها تأثير ضار بتطور المهارات المعرفية والعاطفية الأساسية. ومن أهم أنواع تلك الصدمات: 

  1. التعرض إلى الاعتداء الجنسي أو الجسدي أو النفسي. 
  2. الحوادث أو الأمراض التي تهدد الحياة.
  3. التعرض إلى العنف في المدرسة أو البيت أو المجتمع المحيط. 
  4. التنمر.
  5. الفقدان المفاجئ لأحد أفراد الأسرة. 
  6. تجارب الحرب.
  7. التعرض إلى الإهمال. 
  8. العيش في مكان خطِر لأن هذا يسبب التوتر المستمر للأطفال. 
  9. حوادث العنف المنزلي مثل الاعتداء اللفظي والجسدي بين الوالدين. 

وليس بالضرورة أن تحدث صدمات الطفولة مع الأطفال مباشرةً، فعلى سبيل المثال؛ يمكن أن تكون معاناة أحد أفراد أسرة الطفل مشكلةً صحية كبيرة، أمراً مؤلماً للغاية بالنسبة إليه. ويمكن القول أيضاً إن التجربة المزعجة ليست بالضرورة مؤلمة، فعلى سبيل المثال؛ من المحتمل أن يؤثر طلاق الوالدين في الطفل لكنه ليس بالضرورة أن يكون صادماً.

ما علامات تعرض الأطفال إلى التجارب الصادمة؟

تشرح أستاذة علم النفس، كيت إيشلمان (Kate Eshleman)، إن الأطفال يمكنهم تجاوز الصدمات النفسية التي يتعرضون إليها لكنهم يحتاجون إلى يد العَون؛ ولهذا يجب على الوالدين والمعلمين أن يكونوا متيقظين لعلامات صدمات الطفولة وأعراضها؛ ومن أهمها: 

  1. البكاء والصراخ المستمران.
  2. الشعور بالذنب والعار.
  3. اضطرابات النوم.
  4. مواجهة صعوبة في التركيز. 
  5. الخوف من الانفصال عن الوالدين. 
  6. اضطرابات الأكل التي تسبب زيادة الوزن أو فقدانه المفاجئ.

كيف تؤثر صدمات الطفولة في الصحة النفسية والجسدية؟ 

الأطفال الذين لا توفر لهم أسرهم الأمان والراحة والحماية على نحو مستمر، عادة ما يطورون طرائقهم الخاصة في التكيف التي تسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة، وهذه الطرائق عادة ما تكون غير صحية. ويمكن أن يمتد تأثير صدمات الطفولة إلى مرحلة البلوغ؛ وعادة ما يتجسد في: 

  • اضطراب العلاقات الاجتماعية: تلعب العلاقة الصحية والوثيقة بين الأطفال وذويهم دوراً محورياً في دعم الصحة النفسية للأطفال والكبار، فمن خلال هذه العلاقات، يتعلم الأطفال الثقة بالآخرين، وتنظيم العواطف، والتفاعل مع العالم؛ حيث إنهم يطورون أحاسيسهم تجاه العالم باعتباره آمناً أو غير آمن، ويتوصلون إلى فهم قيمة كل منهم بوصفه فرداً. وعندما تكون هذه العلاقات غير مستقرة أو لا يمكن التنبؤ بها، يتعلم الأطفال أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الآخرين. وحين يستغل الوالدان طفلهما ويسيئون معاملته، فإنه يكوّن فكرة تظل تتطور معه خلال الكبر، وهذه الفكرة مفادها أن العالم مكان قميء وأنه شخص سيئ.  
  • ضعف نمو الدماغ والجهاز العصبي: تتطور بيولوجيا الجسم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، فعندما يكبر الطفل خائفاً أو تحت ضغط مستمر أو شديد، لا يتطور جهاز المناعة وأنظمة الاستجابة في الجسم على نحو طبيعي. وفي وقت لاحق من الحياة عندما يتعرض الشخص البالغ إلى مستويات عادية من التوتر، قد تستجيب هذه الأنظمة تلقائياً كما لو كان الفرد تحت ضغط شديد! وفي سياق متصل، تؤدي صدمات الطفولة أيضاً إلى ضعف نمو الدماغ والجهاز العصبي؛ لأن غياب التحفيز العقلي بسبب الإهمال قد يحد من نمو الدماغ. وقد يُصاب الأطفال الذين لديهم تاريخ صدمات معقد بشكاوى جسدية مزمنة أو متكررة؛ مثل الصداع أو آلام المعدة، ويعاني الشباب المصابون بصدمات نفسية معقدة في كثير من الأحيان خللاً في الجهاز العصبي؛ ما يعني أنهم يستجيبون على نحو مفرط أو يستجيبون على نحو أقل إلى المحفزات الحسية، فعلى سبيل المثال؛ قد يكون لديهم فرط الحساسية للأصوات أو الروائح أو اللمس أو الضوء، أو قد يعانون التخدير والتسكين؛ حيث لا يدركون الألم أو اللمس أو الأحاسيس الجسدية الداخلية.
  • الاضطراب العاطفي: غالباً ما يواجه الأشخاص الذين عانوا صدمةً معقدة في الطفولة صعوبة في تحديد المشاعر والتعبير عنها وإدارتها، وقد تكون لديهم لغة محدودة لحالات الشعور. وفي بعض الأوقات، يُظهرون عجزاً في تطور اللغة ومهارات التفكير المجرد. وقد يعاني العديد من الأشخاص الذين عاشوا صدمات معقدة في الطفولة، صعوباتٍ في التعلم قد تتطلب الدعم في البيئة الأكاديمية.
  • تدني احترام الذات: يستشفّ الأطفال قيَمَهم الذاتية من ردود أفعال الآخرين، وخاصة أولئك الأقرب إليهم مثل الآباء والأمهات، فالوالدان يؤديان دوراً رئيساً في إحساس الطفل بقيمته وذاته؛ لهذا يؤدي كل من سوء المعاملة والإهمال والإساءة إلى شعور الطفل باليأس وانعدام القيمة، وتظل هذه المشاعر عالقة في ذهنه عندما يكبر.
  • ارتفاع مستويات هرمون التوتر في الجسم: يؤثر التوتر في الجسم من الرأس إلى أخمص القدمين؛ ولهذا فحين يواجه الأفراد أحداثاً تذكّرهم بصدمات الطفولة التي تعرضوا إليها في الماضي، فإن هرمونات التوتر تجعل دقات قلوبهم تتسارع، فيتصببون عرقاً. وإذا ظلت هذه الهرمونات مرتفعة فترةً طويلة، فإنها يمكن أن تسبب التهابات في الجسم وتؤدي إلى مشكلات صحية دائمة.
  • الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): يصاب ما يصل إلى 15% من الفتيات و6% من الأولاد في الولايات المتحدة الأميركية باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وذلك إثر تعرضهم إلى التجارب المؤلمة في الطفولة. وقد يعيد المصابون باضطراب ما بعد الصدمة تجربة الصدمات في أذهانهم مراراً وتكراراً، وربما يتجنبون أيضاً أي شيء يذكّرهم بها أو يعيدون تمثيلها في عقولهم.

اقرأ أيضاً: كيف تؤدي صدمات الطفولة إلى الإصابة بمتلازمة نفسية خطيرة؟

6 إرشادات مهمة للتعافي من صدمات الطفولة

توضح مختصة الإرشاد النفسي، سرى المسقطي، إن تجارب الطفولة الصادمة عادة ما تلقي بظلالها المظلمة الطويلة على حياة الأفراد في الكبر، ويمكن لثقل هذه التجارب أن يؤثر  في صحتهم النفسية على نحو كبير ويؤدي إلى إصابتهم بالاضطرابات النفسية المختلفة. يشبه الأمر أن يكون لديك جُرح عميق وقررت أن تعيش معه طوال حياتك، ففي هذه الحالة، عليك أن تفكر جدياً في محاولة الشفاء والتعافي من تلك الجراح، وفيما يلي بعض الطرائق والاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد خلال عملية التعافي من صدمات الطفولة؛ مثل: 

  • الاعتراف بالتعرض إلى التجارب الصادمة: غالباً ما يقضي ضحايا صدمات الطفولة سنوات في التقليل من أهمية التجارب المؤلمة التي مروا بها أو تجاهلها، وذلك من خلال التظاهر بأنها لم تحدث أو من خلال الاستسلام لمشاعر الذنب أو لوم الذات؛ ولهذا فإن  الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها البدء في التعافي هي الاعتراف بوجود حدث صادم وأنك لم تكن مسؤولاً عنه.
  • استعادة السيطرة: يمكن أن تسبب لك الصدمة مشاعر العجز التي تنتقل إلى مرحلة البلوغ؛ ما يجعلك تشعر بأنك ضحية دائمة للظروف؛ وقد تؤدي هذه المشاعر إلى اتخاذ قرارات بناءً على ألمك الماضي. فعندما تشعر بأنك ضحية، سيتحكم ماضيك في حاضرك؛ لكن بمجرد استعادة السيطرة على ماضيك والتغلب على جزء من ألمك، ستبدأ الشعور بمزيد من السيطرة على حاضرك ومستقبلك.
  • الاستعانة بالتأكيدات الإيجابية: وذلك لأنها ضرورية لمواجهة آثار تجارب الطفولة السيئة التي قد تعوق مسارات الدماغ وتمنع الاستمتاع بالحياة؛ ولهذا تجب عليك الاستعانة بالتأكيدات الإيجابية حتى تغذي عقلك وقلبك وتخبرهما بأنك آمن، وبأنك لم تعد طفلاً صغيراً خائفاً. دوّن التأكيدات الإيجابية التي يتردد صداها معك ومارسها يومياً، والأفضل من ذلك، تسجيلها بصوتك والاستماع إليها قبل النوم وبعده.
  • طلب الدعم: عادة ما يلجأ العديد من الأشخاص الناجين من الصدمات إلى الانسحاب والعزلة عن الآخرين؛ لكن هذا يؤدي إلى تفاقم الأمور لأن جزءاً كبيراً من عملية الشفاء يرتكز على التواصل مع الآخرين. لذا؛ ابذل جهداً للحفاظ على علاقاتك وطلب الدعم، وتحدث إلى أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء أو اطلب المساعدة من الطبيب النفسي المتخصص، وفكر في الانضمام إلى مجموعة دعم للناجين من صدمات الطفولة.
  • تعلم المعنى الحقيقي للقبول والتخلي: القبول هنا لا يعني أنك تتقبل الصدمة التي تعرضت إليها أو أنك توافق عليها، أو تظن أنك كنت تستحق تلك المعاملة؛ ولكن القبول يعني أنك قررت ما ستفعله بشأنها. يمكنك أن تقرر السماح لها بالتحكم في حياتك، أو يمكنك السماح لها بالرحيل. والتخلي يعني عدم السماح لذكرياتك السيئة ومشاعر طفولتك المؤلمة بأن تحرمك عيش حياة جيدة الآن.
  • كن صبوراً مع نفسك: عندما تتعرض إلى تجارب مؤلمة وصادمة في الطفولة، تتطور لديك مشاعر الخوف واليأس، والتصورات المشوهة التي يصعب التخلي عنها؛ ولهذا فإن رحلة التعافي سوف تستغرق الكثير من الوقت والعمل الجاد للتخلي عن هذه المشاعر. كن صبوراً مع نفسك واحترم تقدمك مهما بدا صغيراً؛ حيث إن الانتصارات الصغيرة في تعافيك هي التي ستساعدك في النهاية على الفوز في معركة شفاء صدمة طفولتك.

 

المحتوى محمي