كيف تتعامل مع شريك حياتك الذي يدمر ثقتك بنفسك؟

6 دقيقة
ثقتك بنفسك
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

لطالما كنت معجبة بصديقتي لإبداعها وأناقتها ولطفها. كانت تتمتع بموهبة فطرية في عملها وتتصرف بثقة هادئة، على الأقل هكذا كنت أتذكرها قبل زواجها. فقد تغيّر شيء ما مع مرور الوقت؛ إذ بدأت تشك في نفسها، وتعيد النظر في اختياراتها، وتعتذر عن أشياء لم تتطلب اعتذاراً قط. لم أستطع أن أفهم ما حدث، حتى اعترفت لي يوماً؛ ملاحظات زوجها المستمرة، وانتقاداته الخفية، ومقارنتها مع الآخرين، جعلها تشعر بأنها أقل مما هي عليه حقاً. إذا كنت تعرف شخصاً عاش تجربة مماثلة، أو أنك تعيش الموقف نفسه، فربما شريك حياتك هو فعلاً مَن يدمّر ثقتك بنفسك. فكيف تتأكد من ذلك وتتعامل معه؟ إليك التفاصيل.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد شريك حياتك البخيل على التخلص من بخله؟

1. تعرّف إلى العلامات

غالباً ما ينخرط الشريك الذي يحاول تقويض ثقتك بنفسك في سلوكيات خفية، ما قد يجعلك تحتار فيما إن كنت تعاني فعلاً مشكلة في الثقة بالنفس أم أنك ضحية للتلاعب. لذا، إليك العلامات التي تشير إلى هذا السلوك:

  • النقد المتكرر؛ سواء مظهرك أو عاداتك أو مشاعرك أو تطلعاتك. وبالطبع، لا يتعلق النقد هنا بالملاحظات البناءة؛ وإنما هو نمط من التعليقات التي تجعلك تشعر بعدم الكفاءة أو النقص.
  • النصائح والاقتراحات المستمرة لفعل الأمور بطريقة مختلفة، كما لو أن اختياراتك خاطئة دائماً.
  • القبول المشروط ومنح الحب أو الاهتمام بناء على شروط. على سبيل المثال، "سأحبك أكثر إذا فقدت وزناً"، أو "طالما لم تكلّف نفسك عناء تحضير الفطور، فلا أعلم ما فائدتك في هذه العلاقة"، "أنا أنتقدك لأني أريدك أن تكون أفضل من الجميع". المقصد من ذلك ومن الأمثلة المماثلة هو أنك لست جيداً بما يكفي.
  • لجوء الشريك إلى الجدال والنقاش العقيمين اللذين لا ينتهيان في محاولة لإرهاقك ودفعك إلى الاستسلام. تعزز هذه الطريقة، مع مرور الوقت، سيطرة الشريك وتجعلك تشعر بالعجز والاستنزاف العاطفي وعدم القدرة على تأكيد احتياجاتك أو حدودها.
  • تصيّد الأخطاء الصغيرة وتضخيمها ومعاملتها مثل الجرائم الكبرى، ما يجعلك تشعر وكأنك في حالة دفاع دائمة عن النفس، فتصبح أكثر ميلاً إلى الامتثال لرغباته تجنباً لمزيد من الاتهامات والصراعات.
  • رفض آرائك وأفكارك أو السخرية منها، أو استبعادك من القرارات والمحادثات المهمة.
  • مقارنتك المستمرة مع الآخرين؛ سواء مع شريك سابق، أو صديق، أو أي شخص آخر.
  • إخفاء النقد على أنه "مجرد مزحة"، ما قد يجعلك تشك في حقك في الانزعاج، وقد يشعرك ذلك بالارتباك والشك الذاتي.
  • استخدام لغة جسد سلبية معك؛ مثل تحريك عينيه أو رأسه بازدراء لتجاهل أفكارك ومشاعرك .
  • التحدث إليك بطريقة متعالية كما لو كنت طفلاً.
  • عدم تقدير جهودك أو الاعتراف بها.
  • لعب دور الضحية وجعلك تشعر بالذنب تجاه أمور ليست خطأك.
  • تجاهل رغباتك وإعطاء الأولوية لاحتياجاته ورغباته دائماً.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شريك حياتك الشكاك؟

2. افهم سبب تصرفاته

لا يعني ذلك إيجاد تبرير لتصرفاته، لا أبداً؛ إنما فقط محاولة فهم دوافعه؛ لأن فهمها يساعدك على التمييز بين الأذى المتعمد والسلوك غير المتعمد الناجم عن أسباب كامنة. فضلاً عن أن إدراك سبب تصرف الشريك بهذه الطريقة يسمح لك بإجراء حلول أكثر فعالية، سواء من خلال المناقشة المفتوحة أو وضع الحدود أو حتى طلب المساعدة المهنية.

فقد لا تكون هذه السلوكيات مقصودة دائماً؛ وإنما قد تنبع مثلاً من مرحلة الطفولة؛ إذ غالباً ما يكرر الشخص الأنماط التي تعلمها في عائلاته، سواء كانت إيجابية أو سلبية. فإذا نشأ فرد ما في بيئة شديدة الانتقاد، فقد يكرر هذا السلوك لاحقاً، حتى دون أن يدرك ذلك.

كما ينبع هذا السلوك من مشكلات نفسية مختلفة؛ مثل انعدام الأمان النفسي أو تدني احترام الذات أو اضطرابات القلق، وذلك لخلق وهم مؤقت بالتفوق دون معالجة السبب الجذري للمشكلات.

وبالطبع، قد يكون هذا السلوك أيضاً وسيلة لفرض الهيمنة في العلاقة؛ إذ يكتسب الشريك من خلال التقليل من شأنك شعوراً بالقوة والسيطرة، ما يعوّض عن مشاعر العجز أو فقدان السيطرة في جوانب أخرى من حياته، مثل العمل أو الحياة الشخصية.

دون أن ننسى أن عدم نضج الشريك العاطفي قد يسبب نقص الوعي الذاتي وصعوبة تنظيم المشاعر، ما يدفعه إلى سلوكيات مماثلة، كذلك قد تفعل صدمات الطفولة. ومن الممكن أن تسهم بعض السمات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية أو اضطراب الشخصية الاعتمادية في هذه السلوكيات.

تذكّر أنه حتى لو لم تكن نية الشريك سيئة، فإن سلوكه لا يزال ضاراً في الحالات معظمها، ومن المهم معالجة السلوك وآثاره، بغض النظر عن نيّته.

اقرأ أيضاً: 3 علامات تشير إلى أن شريك حياتك لا يحترمك

3. زِد ثقتك بنفسك على نحو مستقل

من المفهوم أن تكون محتاراً أو متشككاً في نفسك وقدراتك بعد محاولات شريكك المستمرة لتقويض ثقتك بنفسك؛ لكن عليك أن تعلم، وقبل أن تقرأ كيفية التعامل مع الشريك مباشرة، أن ثقتك بنفسك يجب ألا تعتمد على موافقة شريكك أو طريقة تعامله معك؛ إنما تتعلق بك أنت، بالتعرف إلى نقاط قوتك والإيمان بقدراتك وتقدير آرائك. ولفعل ذلك، نفِّذ ما يلي:

  • قلِّل الحديث السلبي مع ذاتك، واستعض عنه بالحديث الإيجابي، وتذكّر أن أفكارك ومشاعرك السلبية عن نفسك ليست حقائق دقيقة دائماً.
  • أحِط نفسك بأشخاص جديرين بالثقة وإيجابيين وداعمين يرفعون معنوياتك، وقلل التواصل مع أولئك الذين يستنزفون طاقتك.
  • توقّف عن مقارنة نفسك بالآخرين، وركِّز بدلاً من ذلك على تقدمك وإنجازاتك.
  • اعتنِ بصحتك الجسدية من خلال تناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة، والنوم، والتأمل، فمن شأن هذه الممارسات أن تعزز ثقتك بنفسك من خلال تحسين صحتك البدنية والنفسية.
  • تعاطَف مع نفسك وعاملها بلطف وخاصة في أوقات الفشل أو الانتكاسات.
  • استثمر في نموك الشخصي من خلال التعلم والهوايات والإنجازات، فتوسيع مهاراتك والاحتفال بالانتصارات الصغيرة من شأنه أن يعزز قيمتك الذاتية.

تأتي الثقة من معرفة من أنت وما يمكنك تحقيقه، وليس من المصادقة الخارجية. فكلما زادت ثقتك بنفسك، قل التأثير السلبي لشخص آخر عليك.

اقرأ أيضاً: 3 طرق للتعامل مع الشريك الذي يقاوم التغيير

4. تواصل بوضوح وصراحة

التواصل والتعبير عن مشاعرك أمر مهم جداً، فمن المحتمل أن الشريك لا يدرك تأثير سلوكه فيك. لتسهيل المهمة، إليك بعض النصائح:

  • اختر وقتاً يكون فيه كلاكما هادئين وغير مشتتين، وتجنّب إثارة المحادثة في خضم جدال أو عندما يكون أي منكما متوتراً.
  • ابدأ بتحديد نية الحوار ألا وهي العمل على حل المشكلة وتعزيز التفاهم وليس التركيز على هزيمة بعضكما الآخر.
  • تحدّث عن مشاعرك باستخدام عبارات تبدأ بـضمير المتكلم "أنا"  وليس "أنت"، فمن المعلوم أن الصيغة الثانية تنم عن لوم واتهام، الأمر الذي قد يدفعه إلى اتخاذ موقف دفاعي. على سبيل المثال، قل: "أشعر بالأذى عندما تتجاهل أفكاري"، أو "أشعر بالإحباط والحزن عندما لا  تنتقدني باستمرار".
  • كُن محدداً وأعطِ أمثلة على السلوكيات التي أثرت فيك.
  • كُن واضحاً وعبِّر عما تحتاجه؛ فبدلاً من مجرد الإشارة إلى المشكلة، اقترح ما قد يساعد. على سبيل المثال، "سأكون ممتناً حقاً إذا تمكنت من الإصغاء إلى آرائي دون التقليل منها"، أو "سيعني لي الكثير إذا اعترفت بحسناتي بدلاً من التركيز الدائم على عيوبي."
  • كن مستعداً للإصغاء إلى شريكك مع وضع أفكارك جانباً في أثناء تحدثه، وحاوِل فهم نواياه ومشاعره واحتياجاته ورغباته.
  • حافظ على هدوئك وانفتاحك حتى لو  كان رد فعله دفاعياً، وتذكّر أن هدفك هو تحسين علاقتك، وليس مهاجمته.
  • لا تتوقع أن محادثة واحدة ستحل كل شيء، بل قد يحتاج الأمر العديد من المحاولات.

اقرأ أيضاً: تجنب هذه العبارات الخطِرة في أثناء جدالك مع شريك حياتك

5. ضع حدوداً صحية

الحدود في العلاقات، مثلما يوضح  الخبير الاجتماعي والتربوي، جاسم المطوع، هي المعايير التي نضعها في علاقاتنا والتي تسمح للآخرين بمعرفة السلوك المقبول وذلك المرفوض بالنسبة لنا، كما أنها تعلِّم الناس كيفية التعامل معنا باحترام، وهي تحدد منطقة الراحة عندنا وأننا مسؤولون عن مشاعرنا وسلوكياتنا وليس عن مشاعر الآخرين وسلوكياتهم، فالحدود جزء مهم من هوية الشخص، وجانب مهم من الصحة النفسية، ومهما بلغت العلاقة بين طرفين من الحب، فلا بُد من وجود حدود معينة يقف عندها كل منهما.

إذاً، كيف تضع حدوداً مع الشريك الذي يقوّض ثقتك بنفسك؟ إليك بعض النصائح:

  • تأمل في ذاتك: افهم مشاعرك واحتياجاتك وقيمك قبل التواصل بشأن الحدود، فهذا يضمن أن تكون حدودك أصيلة وذات معنى بالنسبة لك.
  • وضِّح حدودك: استخدم لغة مباشرة وحازمة ومحترمة للتعبير عن السلوكيات المقبولة والمرفوضة، وتجنب الاعتذار دون داعٍ. على سبيل المثال، قل: "لن أخوض نقاشاً أتعرض فيها للإهانة أو الانتقاد المستمر، وإذا واصلت الحديث هكذا، فسوف أغادر الغرفة"، أو "أنا جاهز لمناقشة القضايا، ولكن دون صراخ أو شتائم". واحرص على أن عواقب عدم الالتزام بحدودك هي عواقب قابلة للتنفيذ وليست مجرد تهديدات فارغة.
  • افرض العواقب: الحدود ليست حدوداً إن سمحت لشريكك بتجاوزها أو اختلقت له الأعذار عندما ينتهكها. فإذا تجاوز شريكك الحدود، واستمر في انتقادك أو إهانتك أو أياً يكن من السلوكيات المؤذية، فالجأ إلى تطبيق العواقب التي وضّحتها، مثل الابتعاد أو الانتقال إلى غرفة أُخرى، أو النأي عن النقاش حتى يعترف بحدودك ويتواصل باحترام. وإذا ما حاول إثارة شعورك بالذنب أو جعلك تشعر بالمسؤولية عن مشاعره، فلا تعتذر عن أشياء ليست خطأك، وتذكّر أن آرائه تعبًر عما في داخله، وليست خطأك ولا انعكاساً لقيمتك.

ختاماً، إحدى النصائح التي يمكنك اتباعها عند التعامل مع الشريك الذي يحاول تدمير ثقتك بنفسك عندما لا تستطيع حل المشكلة بنفسك هي اللجوء إلى المختص النفسي؛ الذي سيساعدك على بناء احترامك لذاتك، وعلى أن تصبح أكثر حزماً، وتتواصل  بطريقة أكثر وضوحاً، وتتعلم كيفية وضع الحدود الصحية.

وبالطبع، ثمة أمر تنبغي الإشارة إليه، فإن عبّرت عن مشاعرك مراراً ووضعت حدوداً وطلبت الاحترام، ومع ذلك استمر شريكك في تقويض ثقتك بنفسك، فقد لا يكون على استعداد للتغيير. إذاً، هل هذا الشخص الذي يدمر ثقتك بنفسك هو مَن ترغب في أن تكون معه بعد 6 أشهر؟ أو بعد سنة؟

كُن صادقاً مع نفسك،  ولا بأس من أن تعيد تقييم العلاقة، فالعلاقات العاطفية ينبغي أن تكون مساحة للاحترام المتبادل والدعم والنمو، وليس للأذى المتكرر. ملاحظة أخيرة، صديقتي، بطلة المقدمة، وافقت على سرد قصتها!

المحتوى محمي