تقول الروائية الإنجليزية جورج إليوت (George Eliot): "موتانا لا يموتون بالنسبة لنا أبداً، حتى ننساهم!".
إن الموت حدث جلل يزامنه عدد من المشاعر المختلطة، ما بين حزن الفقد، أو الندم بسبب اعتذار مؤجل لم نقدمه في الوقت الصحيح، أو شعور بالذنب حول عدم القدرة على المساعدة بأقصى درجة، أو حيرة حول ما إذا كنا أوفياء حقاً تجاه هذا الشخص وبذلنا كل ما بوسعنا لإنقاذه، أو راحة ناتجة عن شعورنا بأن ذلك الشخص ارتاح أخيراً بعد عناء طويل مع المرض.
تختلف تلك المشاعر التي نمر بها عند فقدان شخص عزيز علينا من شخص لآخر. يتوقف ذلك على طبيعة العلاقة وقوتها ودورها في تشكيل شخصياتنا، فهل يمكن أن يكون للطريقة التي توفي بها ذلك الشخص تأثير في زيادة أو تقليل الحزن؟
تأثير سياقات الموت المختلفة في شدة الحزن
في دراسة حديثة من "جامعة مونتريال" (University of Montreal) الكندية نُشرت مؤخراً في "مجلة الموت والاحتضار" (Journal of Death and Dying)، درس الباحثون ما إذا كان هناك اختلاف في شدة الحزن بالنسبة للأفراد الذين فقدوا أحد أحبائهم في مرحلة "الرعاية التلطيفية" (palliative care) بسبب المساعدة الطبية عند الاحتضار (المعروفة أيضاً بالموت الرحيم)، مقارنةً بالموت الطبيعي مع الرعاية التلطيفية.
وفقاً لموقع وزارة الصحة بـ "أونتاريو" (Ontario) في كندا؛ تشير الرعاية التلطيفية إلى الرعاية الطبية المتخصصة والمقدَّمة للأشخاص المصابين بمرض خطير؛ مثل السرطان، لتوفير الراحة لهم من أعراض وآلام المرض. بينما يشير الموت الرحيم إلى قيام طبيب أو ممرض بإعطاء مادة للمريض بناءً على طلبه تتسبب في وفاته.
أشار بحث سابق من "جامعة ملبورن" (The University of Melbourne) الأسترالية إلى أن الحزن بعد وفاة شخص عزيز بمساعدة طبية عند الاحتضار ليس أكثر صعوبة أو تعقيداً من الحزن في سياقات الموت الأخرى؛ بما في ذلك الموت الطبيعي المفاجئ أو الانتحار.
ومع ذلك؛ لم يقارن أحد تأثير الفجيعة التي تعقب فقدان أحد الأحباء في حالتيّ الموت الرحيم والموت الطبيعي مع الرعاية التلطيفية؛ التي تُعتبر "المعيار الذهبي" في رعاية نهاية الحياة والاستعداد للوفاة.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر موت أحد الأزواج في العلاقة الزوجية؟
مجموعة متنوعة من الخبرات والمشاعر والتجارب
شملت الدراسة الحديثة 60 شخصاً ممن فقدوا شخصاً مقرَّباً لهم من ستة أشهر على الأقل. وقد فقد 25 منهم أحباءهم في حالة الموت الرحيم، و35 منهم جرّاء الوفاة الطبيعية في الرعاية التلطيفية. وفي 48 من الحالات كان سبب الوفاة هو مرض السرطان.
أكمل المشاركون استبيانين لتقييم جوانب مختلفة من الحزن وأعراض الضيق ووجود اضطراب الحزن المطول الذي يتطلب دعماً نفسياً متخصصاً، وتبعت ذلك مقابلات معمَّقة مع 16 مشاركاً.
لم يجد الباحثون اختلافاً كبيراً في شدة الحزن أو مستويات الضيق في الحالتين. كما يميل هذان السياقان إلى جعل الحزن أسهل في بعض النواحي. بالإضافة إلى ذلك؛ كانت الآثار التي خلّفتها اللحظات الأخيرة للمتوفين في الشخص: الثكل والفراق الناتج عن الموت؛ مؤلماً أو مريحاً.
يقول مؤلف الدراسة الرئيسي "فيليب لابيرل" (Philippe Laperle): "عندما يتكشف الاستعداد للموت وقبول مجيئه بوتيرة مماثلة لدى الشخص المحتضر وأحبائه، يصل الاثنان إلى نفس النقطة عقلياً وعاطفياً وقت الوفاة؛ ما يجعل عملية الحزن اللاحقة أسهل". ويضيف إنه إذا قبل أحدهما الموت الوشيك بينما ظل الآخر في حالة إنكار، فإن ذلك يترك آثاراً يصعب تجاوزها.
ملازَمة الشخص خلال مرضه الأخير تجعل موته أكثر تقبُّلاً
تشير النتائج أيضاً إلى أن الذين كانوا ملازمين لأحبائهم في تلك المرحلة الأخيرة وهم على فراش الموت شعروا بهدوء أكبر، وأنه جاء في الوقت المناسب؛ أي أنهم كانوا أكثر تصالحاً وتقبُّلاً للأمر.
كما تلقي مرافقة مريض في مرضه الأخير بظلالها على ذكريات المرافِق عن المريض. تشير النتائج إلى أنه في حالة الموت الرحيم، تذكر بعض الثكلى الراحل على أنه "بطل" يجسد قيم الحرية والسيطرة والشجاعة والخلود.
وفي حالة الموت الطبيعي، كان من المرجح أن يتم تذكُّر الراحل على أنه تجسيد لجمال خالد، على الرغم من ذبوله في تلك المرحلة. كما شعر آخرون في تلك الحالة بأن بطلهم قد تخلَّف عن الركب؛ ما خلق في صدورهم فراغاً أكبر بعد وفاتهم.
يقول لابيرل إن كل عملية حزن تختلف عن الأخرى؛ حيث إن الآثار التي يتركها كل فرد تختلف عن آثار الآخر. وبشكل عام؛ تتغير تلك الآثار بمرور الوقت. كما أن علاقة الشخص بالمتوفى ودرجة المشاركة خلال فترة المرض تؤثر بدرجة ما في شدة الحزن.
8 نصائح لتجاوز فجيعة موت شخص عزيز
لا توجد طريقة واحدة سهلة لتجاوز مشاعر الحزن والفجيعة التي قد تنتج عن موت شخص عزيز علينا. كما أن التكيف مع الواقع الجديد قد يستغرق وقتاً طويلاً، ولا يتبع نمطاً يمكن التنبؤ به تماماً.
لكن هناك بعض النصائح التي يقدمها موقع "كليفلاند كلينيك" (Cleveland Clinic) للمساعدة على ذلك. وتشمل:
- تقبَّل الشعور بالوحدة: الشعور بالوحدة في تلك المرحلة أمر طبيعي تماماً؛ لكن من المهم عدم الانعزال الشديد ومحاولة التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة.
- كن لطيفا مع نفسك: حاول ألا تحكم على نفسك بأنك لا تقوم بعمل جيد، أو أنك غير متماسك بالدرجة الكافية. سيصبح من الأسهل مع مرور الوقت أن تخف حدة تلك المشاعر القوية وتستطيع العودة لممارسة أنشطتك.
- احصل على راحة إضافية: الإرهاق الجسدي والعاطفي شائع في تلك المرحلة. لذلك ستحتاج إلى راحة أكثر من المعتاد.
- احتضن كل المشاعر: لا يمكننا التحكُّم في مشاعرنا كلياً، سواء بكبحها أو ترك لها العنان لتقودنا. كل ما يمكننا فعله هو السماح لها بالتواجد مع ممارسة اليقظة الذهنية التي تساعد على التنظيم الذاتي العاطفي.
- ضع جدول نوم منتظماً: من المهم تحديد بعض المهام اليومية والحفاظ على أدائها بانتظام. وكذلك النوم والاستيقاظ في أوقات محددة للمساعدة على تجاوز تلك الفترة المرهِقة نفسياً.
- تحديد الأهداف: ضع أهدافاً صغيرة وقصيرة المدى يمكن الوصول إليها حتى لا ترهقك.
- كن حذراً: لا تتخذ أي قرارات أو تغييرات كبيرة في المنزل أو العمل مباشرة في تلك الفترة؛ حيث تغلبك المشاعر القوية ويكون تفكيرك مشوّشاً.
- اعتنِ باحتياجاتك الداخلية: ابحث عن الأشياء التي تمنحك الإلهام وتساعدك على الحفاظ على إحساسك بالمعنى والهدف.