كيف يؤثر موت أحد الأزواج في العلاقة الزوجية؟

الحداد على الزوج
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا شك في أن الحداد على الزوج حداد خاص؛ حيث يجب على الشريك مواجهة الحداد وعواقب رحيل شريكه وتأثيره فيه في ذات الوقت. إنه ألم يزول مع مرور الوقت ليتجاوز الحدود المادية. فيما يلي تحدث أربعة مؤلفين عن تجاربهم الخاصة بشأن خسارة الحبيب وعواقب ذلك على أنفسهم.
في إحدى أمسيات شهر ديسمبر عاشت الكاتبة الأميركية جوان ديديون لحظات إصابة زوجها -الرجل الذي أحبته مدة أربعين عاماً- بنوبة قلبية. لمدة عام بعد وفاته انتظرت هذه المرأة الذكية والعقلانية عودة زوجها وكتبت في هذا السياق: “عندما نتخيل أن حبنا يمكن أن يموت قد نشعر بصدمة. لا نتوقع أن تطمس هذه الصدمة كل شيء بيد أنها تُجهد الجسد كما الروح؛ بحيث نكونوا غارقين في الحزن ويائسين. كما لا نتوقع أن نكون مجانين بالمعنى الحرفي للكلمة”. هذا النوع من الجنون روته ديديون في روايتها الجميلة جداً بعنوان “عام الفكر السحري” (L’Année de la Pensée Magique). 

في اختفاء من يحب يواجه المرء نوعين من الحداد؛ حداد على الشخص الذي رحل وحداد ثانٍ على الشخص الذي سيُشكّل فيما بعد. في هذا الصدد يشرح الطبيب النفسي كريستوف فوري: “في العلاقة الزوجية يوجد الأنا وأنت، كما هناك كيان ثالث وهو وجود الزوجين مع بعضهما بعضاً (في إشارة منه إلى ارتباط الأنا بالآخر ارتباطاً وثيقاً “نحن”). فالحب على وجه التحديد مشاعر تُعاش بصفة يومية لتعزيز هوية الشريكين حتى يكون ترابطهما مصدر الوجود والاستدامة ويأتي موت الآخر لوضع حد نهائي لهذا الترابط. لهذا السبب بموت من نحبه؛ يموت جزء من هويتنا”.

الكائن الوحيد الذي كان وصياً على قصة حبنا لم يعد له وجود كما لم يعد هناك أي شاهد أو صدى لهذه العلاقة الحميمة. بموت الآخر نخسر ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا لكن نجد في أعماق قلوبنا مخزون الحب هذا الذي اعتقدنا أنه لا ينضب.

بالإضافة إلى ذلك لا ننسى الألم الجسدي الذي يعانيه المرء بعد وفاة شريكه على غرار آلام الانسحاب. توضح الصحفية كورين غولدبرغر؛ كاتبة مقال الأرامل الشابات “عندما يفرق الموت بين زوجين شابين: ترمّل مبكّر” (les jeunes veufs, Quand la mort sépare un jeune couple: le veuvage précoce) أنه عندما يفصل الموت بين زوجين شابين نشعر بالدمار دون أن ننسى الجسد الذي سيجني عواقب هذه المعاناة. هذا الجسد الذي لم يعد ينظر إليه أو يرغب فيه أحد. إنه جرح نرجسي رهيب”.

إن فقدان الزوج لا يتعلق بالتأقلم مع الحداد ولكن مع أوجه متعددة له فاللحظات الأولى من الفراق شبيهة بمذاق الحامض فهي تهيج جراحنا باستمرار. نحاول أول ليلة في السرير الفارغ تجنب التقلب في الجانب الخالي منه تماماً مثل تناول العشاء الأول بعد رحيل الشريك. في محاولة للم شمل الأسرة بعد الفراق؛ يعتذر الجميع بعبارات مثل “لو كان لدي الوقت” أو “لو كنت قد عرفت”. إنها خطوات حتمية لا يمكنك التغلب عليها إلا تدريجياً. 

تشرح المحللة النفسية نيكول فابر كيف أن موت شريكها غذّى ألمها إلى الأبد مشيرة إلى أنها لن تضحك معه مرة أخرى؛ إلا أنها ضحكت معه كثيراً ولن تضع يدها في يده من جديد ولكن ستذكر للأبد دفء يديه”.

نسجاً على منوال نيكول فابر وافق ثلاثة كتاب آخرين على مشاركتنا حيثيات حياتهم بعد فراق شركائهم وماذا تبقى من حبهم لهم:

نيكول فابر: “امتنان لا نهائي”

تقول: “ماذا بقي من حبي؟ تنهمر مني الدموع سخيّةً بمجرد التفكير بأنه ميت وأنا على قيد الحياة؛ ما زلت أحب رفيق حياتي على الرغم من أنه ترك هذه الحياة. ما تبقى هو حبنا الذي سيبقى إلى الأبد في داخلي. بموته أشعر وكأنني أقف على أعتاب الحياة والموت. لقد مات ولكن ما زلت أحبه. نحن انفصلنا إلى الأبد بيد أن ما مررنا به سيعيش في داخلي إلى الأبد”.

وتضيف: “أستطيع أن أقول أن الآخرين سيقولون أنه على الرغم من رحيل الآخر يبقى ما بنيناه معاً. ولكن بصرف النظر عن الصداقات يبدو أن كل شيء قد دُمّر. في ضوء بؤسي الشديد أتعلم أن الحب غير المتبادل لا يدوم ثم يستيقظ في داخلي امتنان لا نهائي”.

وتفيد: “ماذا بقي من حبنا؟ الحب نفسه والرغبة في قول شكراً. وهذه الصفحات التي كُتبت خلال الأيام والأسابيع التي أعقبت وفاته، إنها صفحات للتعبير عن حزني وألمي. بدت لي إعادة قراءة هذه الصفحات أمراً صعباً لكن بهذه الطريقة وجدت النور وشعرت بالهدوء”.

ماري بيلتدو: “هذا العالم الذي أقيم فيه”

تقول ماري: “لا يزال هناك هذا العالم الذي قدم لي شريكي عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري؛ وكأنها الأشهر الأولى من الحياة. لا تزال هناك سلالم صغيرة في سان-جرمان-دي-بري (Saint-Germain-des-Prés) تشهد على لقاءاتنا، بالإضافة إلى أكشاك بيع الصحف وصيدلياتها وبنوكها ومطاعمها التي تذكرني به. لا تزال هناك تماماً كل الوجوه التي رأتها عيناه والتي تحدث إليها. لا يزال هناك دفتر عناوينه المصنوع من الجلد الأسود الناعم والمغمور برائحة دخان سجائره”.

وتضيف: “بقيت لي أربع خصلات من شعره قدمتها لي معلمته. وقبل كل شيء لا يزال يعيش معي ذلك الابن المذهل والذكي والهادئ الذي أنجبته منه. في الحقيقة بقي معي احترامي لنفسي وحب الحياة كما بقيت مكابدة العناء في حياة نخوض فيها الحرب ونؤمن بالتعبير عن الإحباط ورؤية الأقنعة المكسورة وأبشع الفظائع”.

لذلك لا يزال هناك هذا العالم حيث أستطيع أن أنهض وأذهب إلى الفراش وأشعر بالسعادة، وأحقق طموحاتي وأغمض عيني. في الواقع لقد كبرنا كثيراً وفهمنا أشياء كثيرة عن بعضنا البعض، مشغولين بالحياة والحب ولم يكن لدي الوقت لفهم الكلمات التي أصبحت واضحة الآن”.

وتضيف: “في هذا العالم الذي بقيت فيه؛ حيث عشت الأحداث والأحزان والأفراح دون التأثير في هويتي، أصبحت شخصاً يمتلك نظرات متعددة؛ شخصاً لديه حساسية مزدوجة. رافاييل الذي أصبح في شخص ماري؛ ماري التي ازدهرت مباشرة بعد وفاة رافاييل، لقد بت شخصاً مخموراً بهذه الحرية”.

إريك إيمانويل شميت: “تفاؤل واضح”

يوضح إيريك: “هل أعرف كيف أحب؟ لا أظن ذلك لكن على الأقل أنا لا أعرف كيف “لا أحب”. أصبحت مرتبطاً بشكل لا يمكن تعديله بأولئك الذين نظرت إليهم بعيون المودة وعلاوة على ذلك لا يمكنني محو مشاعري. الانفصال يعدل التجربة اليومية للشعور ولكنه لا يلغيها؛ تماماً كما الموت الذي يجعلنا نشعر بالقسوة الجافة حيث يتركنا غارقين في الحب ومتألّمين بسبب الغياب مع استحالة العيش. نحن لا نواسي أنفسنا أبداً فنحن فقط نتعود على الحزن”.

ويقول: “أفقدني المرض المرأة التي أحببتها على الرغم من انفصالنا منذ عدة سنوات قبل وقت وفاتها. إنه انفصال غريب لم يخلُ من تبادل المكالمات والثقة المتواصلة وتقديم النصائح والمساعدة. كنا أصدقاء سابقين قبل أن نصبح عاشقين وهكذا أصبحنا أصدقاء مرة أخرى؛ فاجأتنا قوة ارتباطنا ببعضنا البعض حتى عندما فرضناها على رفاقنا الجدد واستمتعنا بأيامنا الخوالي بهذه المودة المُرهقة”.

ويقول: “لكنها غادرت”.

كما يضيف: “في البداية بدا لي أنها أخذت ذكرياتنا معها. لعدة سنوات لم يكن لدي أي طريقة للوصول إلى تلك السنوات السعيدة التي عشناها معاً؛ تذكرت فقط التفاصيل غير السارة النادرة. كان هناك ثقب أسود في ذاكرتي ولقد لمت نفسي على ذلك دون أن أفهم أن عقلي قد اخترع ببساطة استراتيجية لكي لا أعاني كثيراً؛ لقد أراد إقناعي بأنني لم أفقد شيئاً في أعماقي. نظراً لأننا عزفنا واستمعنا إلى العديد من الأعمال معاً فقد أعادت لي المقطوعات على حين غرة ماضينا السليم ثم غرقت في نوبات من البكاء”.

ويفيد: “بعد عدة سنوات بدأت أعترف أن الماضي قد رحل وأنه جميل وفريد ​​من نوعه بيد أنه لن يعود أبداً. من هناك فتحت ذراعي للحزن وقررت أن أعيش معه حتى آخر نفس. إنه أمر سيئ للغاية لكن لا يهم إذا أصبحت الأيام أثقل فهذا يعطي للخفة والفكاهة قيمتها الحقيقية. لا يهمني إن كانت ابتساماتي تظهر على وجه حزين فقد قبلت ليس فقط بالقدر؛ ولكن بالمأساة وعدم الراحة.

ويشدد: “ماذا نتعلم من وفاة أحد الأحباء؟ لا شيء سوى أننا يجب أن نسرع ​​لنقول لمن هم على قيد الحياة أننا نحبهم. اليوم عادت لي فرحة العيش؛ حيث تخلصت من المأساة التي أعيشها بالتفاؤل”.

بريجيت جيرو: “النفس يسكنها الآخر”

تقول: “ماذا بقي من حبي؟ أنا لا أعرف ماذا تبقى من الحب ولكن أفهم جيداً ماذا يحدث بعد الموت. يتعلق الأمر بالذهاب إلى حيث يستحيل الذهاب أو التواجد في منطقة بلا حدود ضبابية وغير متساوية؛ مبهرة وخطيرة؛ مساحة تعلمت أن أبتعد عنها. أرى أنني غير قادرة على حل المشكلة فكلمة “يبقى” تعيقني”. 

وتوضح: “ما تبقى يبقى دائماً معنا لكن ليس كما هو معتاد فكل شيء يصبح عقلياً وعميقاً، ولا يمكن التنبؤ بما تبقى بشكل مادي فما يتبقى هو الإحساس والعلاقة المضطربة والمختلفة جوهرياً في الواقع. الحقيقي من جهة يكون ملموساً بشكل صاخب، ومن جهة أخرى يكون رابطاً غير مرئي وغير مفهوم كما لا يوصف ولا يُقبل”.

كما تشرح: “لا شيء خارق للطبيعة؛ بل مجرد أحداث تربكنا دون سابق إنذار. ما تبقى هو العالم كما هو سليم ومختلف، والنظر إليه بنظرته تماماً كما كان يقول ويفكر على وجه التحديد. ما تبقى هو الذات الذي يسكنها الآخر. علاوة على ذلك تصبح نفسك هي الذاكرة والأرشيف. إنها أيضاً مسألة تتعلق بالجسد والتأسيس. إنه تجاور العوالم وتصور ما لا يمكن رؤيته. وقبل كل شيء وجود الموسيقى التي استَمع إليها كرابط أكثر أماناً بيننا. فضلاً عن عدد 22؛ اليوم الذي يوافق يوم وفاته؛ إنه رقم يصرّ على مطاردتي حتى الآن”.

المحتوى محمي !!