كيف تتعامل مع سلوكيات عدم الاحترام؟

سلوكيات عدم الاحترام
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلال حياتنا اليومية؛ قد نجد أنفسنا عرضة للسلوكيات الفظة أو الألفاظ النابية أو المضايقات الصغيرة التي تصدر عن الآخرين وتطال احترامنا لذواتنا، ونحتار أمام هذه المواقف، كيف يمكن أن نتصرف؟ ليس من الحكمة أن نرد على سلوكيات عدم الاحترام بعدوانية مماثلة، وبدلاً عن ذلك سنتعلم كيف نعبر عن ذواتنا ببساطة.

نتعرض كل يوم، وفي مناسبات عدة، لإزعاجات صغيرة؛ ولكنها كفيلة بجعلنا نشكك في قيمتنا كبشر نحترم ذواتنا. هل يمكن أن نحصي هذه الإزعاجات؟ من الشخص الذي يصطدم بنا دون أن يعتذر عندما نغادر منزلنا في الصباح؛ ما يعطينا انطباعاً مؤلماً بأننا أصبحنا غير مرئيين، أو موظف مكتب البريد الذي يأبى حتى أن يرسم على وجهه ابتسامةً صغيرةً ويُشعرنا بأننا مجرد رقم بالنسبة إليه، أو مشرفينا في العمل الذين يولون اهتمامهم المطلق للإنتاجية دون أدنى تفكير في صحتنا. أما في المنزل، فهناك شريكنا الذي يوبخنا على شيء تافه ولا يتخيل للحظة أننا يمكن أن نكون متعبين أكثر منه، وفي المتجر، نصادف ذاك الرجل الذي يعيق طريقنا بأغراضه ليأخذ دورنا ويمر قبلنا…

بالنسبة للمتخصص في التحليل النفسي جان كلود لوديه؛ مؤلف كتاب “السعادة الهشة”، فإن هذه “الهجمات الصغيرة” غير المؤذية تقريباً، وهذه السلوكيات الأنانية وغير المتحضرة التي تقوّض احترام الفرد لذاته، هي إلى حد كبير نتيجة للتصور الفردي الصارم لمفهوم الحرية الشخصية؛ والذي ينطوي على “رفض أن تفعل أية مرجعية خارجية ما تشاء وقتما تشاء دون أن تأخذ الآخرين في الحسبان”.

ووفقاً لفرويد، فإن التدفق المندفع للغرائز هو المحرك الرئيسي لسلوك الفرد الذي يدعي الحق المطلق في المتعة. أما بالنسبة لـ توماس هوبز؛ أحد أهم فلاسفة القرن الـ 17 في إنغلترا؛ والذي يعتبر أن “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”، فقد كانت رؤيته للحرية مباشرة وعرفها كالتالي: “الحرية هي الغياب التام للعقبات التي تحرف جزءاً من قوتي وتمنعني من تحقيق أي شيء أريد”.

يمكنك السير في محطة مترو باريس، لتشاهد “أكبر مستشفىً للأمراض النفسية في فرنسا” ومُختَبر مميز لمراقبة للحضارة السائدة، لترى أن الكثيرين، يشاركون أفكار هوبز حتى دون أن يطلعوا عليها. لنأخذ مثالاً على ذلك: مسافر حريص على قراءة صحيفته بهدوء يطلب من جاره الذي يصرخ في هاتفه أن يخفض صوته، ليأتي رد غاضب من الشخص ورفيقه: “إذا أردت الهدوء؛ استقل سيارة أجرة”. ما هو تفسير هذا الرد؟: إن حقي في فرض استمتاعي عليك يساوي أكثر من حقك في سفر هادئ، فأنت الذي لا تحترمني عند مطالبتي بالتخلي عن هذا الحق ولو لمدة 5 ثوانٍ. توضح سناء؛ 48 سنة، أنها تندم على الوقت الذي كانت تدرس فيه مواد الأخلاق والتربية المدنية في المدارس الابتدائية وتقول: “ربما كانت هذه المواد متخلفةً عن أوانها؛ ولكنها قدمت على الأقل معاييراً وإرشادات لكيفية عيش الناس معاً”.

تمييز سلوكيات عدم الاحترام

بين نقص الاحترام، والوقاحة، والفظاظة، يتسع النطاق عند محاولة تحديد التصرفات التي قد تُعبر عن عدم الاحترام. لنأخذ على سبيل المثال الإهانات المتبادلة بين لاعبي المنتخب الفرنسي، وعبارة “لا تلمسني!” التي وُجهت إلى رئيس الجمهورية وعبارة “اغرب عن وجهي أيها الأحمق” التي صدرت عن نفس الرئيس، والسلوكيات الأخرى التي نشهدها هنا وهناك في برامج تلفاز الواقع، فهل يمكن وضعها في نفس خانة سلوكيات الطلاب الذين يهينون معلمهم، أو الزوج الذي يصرخ على زوجته أو زميل العمل الذي لا يلقي التحية؟ هل يمكننا القول إن سلوك عدم الاحترام -في النهاية- هو حالة محسوسة ولكنها غير محددة؟

يوضح سامي أن سلوك عدم الاحترام هو تلك المطالبات التي تنكر حق الآخر في تمتعه بحريته. ويمكن أن يصدر سلوك عدم الاحترام بطريقة غير مقصودة؛ ولكنه بصورة عامة يأتي دائماً من الرغبة في التواصل مع الآخر. وعلى العكس من ذلك؛ يعني احترام الآخرين الاعتراف بإنسانيتهم وقيمتهم الذاتية نفسها التي نعترف بها لأنفسنا”.

لا تبالغ في رد فعلك

بين العدوانية المبتذلة وغياب الإدراك والنظرة الإنسانية، قد تسيطر علينا الرغبة في الرد على سلوك الآخرين تجاهنا بعنف، فبينما قد يشعر المرء بالخجل من أن يتجاوز رد فعله الحد المعقول، فيمكن على العكس من ذلك أن يكون رد فعله مبالغاً فيه. باختصار؛ لا تدع رغبتك توجه رد فعلك، فعلى سبيل المثال: عندما تصرخ بصوت عالٍ فإن ذلك يعطي إيحاءً لدى الآخر بالتهديد. ويعتقد البعض أنه سيتم سماعهم أكثر من خلال خلق حالة من التخويف لدى الآخرين وهي فكرة خاطئة؛ إذ يؤكد مختص التحليل النفسي: “إن الآخر سيمتثل لرغباتنا، وسوف يطيعنا؛ لكنه لن يحترمنا بالضرورة”. فلا يمكن لرؤساء العمل التافهين، أو المستبدين الذين يعوضون نقص الحجج لديهم بالصراخ والشتائم، أن ينالوا احترام من حولهم. بينما سيكون القادة الذين يعرفون كيفية ترغيب الآخرين في اتباعهم جديرين بهذا الاحترام.

هل يجب أن أسعى لأن أكون شخصاً رائعاً، ذو أداء منقطع النظير، ومحيط بكل المعارف، وأملك الإجابة عن كل سؤال، كي أحظى باحترام الآخرين؟ يجيب ستيفان كيرجيه: “من المؤكد أن الشخص الذي يتحلى بهذه الصفات، يحظى باحترام من حوله؛ لكن احذر من السقوط، فقد يؤدي التشبث بالمثالية، إلى تحوّل هذا الاحترام إلى لا مبالاة وازدراء”.

خاصة في عصرنا؛ حيث أولئك الذين يدّعون تمام الخبرة، وأن كلمتهم لا يمكن التشكيك فيها؛ إذ ترى الأطباء وغيرهم من المتخصصين الصحيين الذين لم يفهموا هذا الأمر، يشتكون من أن خبراتهم لم تعد محط احترام مرضاهم. فالطبيب الذي يفشل في تشخيص حالة ما، يرفض أن يُنظر إليه بسلبية، فهو يرى نفسه مفكراً ومتحدثاً رغم أي شيء، وهو غزو ​​يرجع إلى حد كبير إلى ظهور العلاجات النفسية التي رسخت فينا تدريجياً فكرة أن لدينا جميعاً معرفةً كافيةً حول أنفسنا. لذلك لا فائدة من اتخاذ موقف “القيادة” عند التعامل مع الآخرين، فالاحترام هو أولاً وقبل كل شيء موقف وجودي يتكون من إدراك أن آراء ومشاعر ورغبات كل شخص لها قيمة.

وخلال سعينا لاكتساب احترام الآخرين؛ يجب أن نجرؤ على قول نعم ولا، وأن نعبر بهدوء عن أفكارنا، وعن عدم موافقتنا، وأن نغادر عندما لا يعود الموقف ملائماً لنا، وألا نسمح لهم بغزو مساحتنا الشخصية. ويوضح جان كلود لوديه: “عليك أن تكون نفسك فقط”؛ ولكن السؤال هو -بخلاف ما نؤمن به أو نريد أن نكون- من نحن حقاً؟ لقد أصبح هذا الأمر لغزاً عندما تجاهلنا خلال حياتنا تطلعاتنا وقيمتنا الحقيقية.

اعرف نفسك معرفة كافية

يقول جان كلود لوديه: “هنالك الكثير من السبل التي قد تساعدنا في التأكيد على وجودنا وأنفسنا في الوقت المناسب وباللهجة الصحيحة. ونذكر منها اللجوء إلى التحليل النفسي، أو العلاج النفسي، أو أساليب التنمية الشخصية أو الممارسة الروحية، ويجب علينا أولاً وقبل كل شيء العمل على معرفة أنفسنا بطريقة أفضل، لاكتساب الثقة الداخلية الحقيقية والتقدير المناسب للذات؛ أي الذي يحمينا من الاعتقاد بأننا مركز الكون (ومن الحساسية الشديدة التي تنتج عن طريقة التفكير هذه)، ومن الشعور بأننا لا شيء.

يجب أن ندرك بعد ذلك أن سلوك الاحترام والتأكيد على الذات هو جهد يجب تجديده باستمرار، فمن الواضح أننا لن نكون محصنين أبداً من الكلمات المهينة، ورد الفعل غير المناسب، والسلوك غير المناسب، سواء كان ذلك صادراً من جانب الآخرين أو منا. أخيراً؛ يذكرنا جان كلود لوديه، أنه وقبل كل شيء، علينا ألا ننسى أبداً أن الحرية الحقيقية ليست “الحرية الأنانية التي تعني أن أقوم بما أريد وقتما أريد “، وهو التفكير الطفولي الذي يعتقد الفرد من خلاله أنه مركز الكون؛ إذ إن الاعتراف باحتياجاتنا المتبادلة هو ما سيسمح لنا بالتعايش معاً، فتأكيد الذات ليس مجرد قضية نفسية، إنما هو قضية فلسفية أيضاً.