رياضة الدماغ: كيف يمكنك تعزيز كفاءة قدراتك الذهنية؟

5 دقائق
رياضة الدماغ
رياضة الدماغ

هل تعلم أنه يمكنك تعزيز كفاءة قدراتك الفكرية في أي سن؟ بخلاف تمارين تقوية الذاكرة التي قد لا نستسيغها في بعض الأحيان، فإن هنالك طرقاً ألطف يمكن أن تساعدنا على تحسين إدراكنا للواقع وتطوير الحس الإبداعي لدينا تُعرف بـ "رياضة الدماغ"، وهي ما سنتعرف إليه من خلال السطور التالية.

من الكمبيوترات إلى الهواتف المحمولة وأنظمة تحديد المواقع، تقدم لنا التكنولوجيا حلولاً لإنجاز ما قد نشعر أن دماغنا عاجز عن أدائه، إلى درجة أننا نشعر في بعض الأحيان أننا محرومون من استخدام قدراتنا الخاصة، فهل تشجعنا التكنولوجيا على الكسل؟ نعم ولكن ليست وحدها المسؤولة عن ذلك. فبصرف النظر عن الإرهاق الذهني الذي يتطور مع تقدم العمر، فإن حالة التوتر السائدة في عصرنا اليوم تساهم في الحد من كفاءة أدائنا.

تقول أستاذة العلوم مونيك لو بونسان مبتكِرة طريقة "رياضة الدماغ": "نجد أنفسنا اليوم مجبرين على تعلم كيفية إنجاز مهامنا بطريقة أسرع وجودة أعلى، ولم يعد الأمر يتمحور حول تمرين الذاكرة وتقويتها؛ بل حول تعزيز عمل أدمغتنا لنتمكن من مواكبة متطلبات المنافسة المتزايدة في عالمنا الاقتصادي. وتهدف بعض التقنيات إلى تعزيز نسبة المادة الرمادية في المخ من خلال ممارسة تمارين فكرية تعد بالنسبة إلى الدماغ مثل ممارسة رياضة كمال الأجسام بالنسبة إلى الجسم. بينما تنطوي تقنيات أخرى على تمارين ألطف. وعلى اختلاف هذه الطرق فإنها جميعاً تكمل بعضها بعضاً".

تمارين الدماغ: اختبر نفسك وتدرّب

تماماً كما كان السيد جوردان (الشخصية الرئيسية في مسرحية موليير: البرجوازي النبيل) يكتب النثر طوال حياته دون أن يعي ذلك، فنحن جميعاً نمرن دماغنا لنتذكر عناصر من حياتنا اليومية، ويتبع كل شخص في سبيل ذلك استراتيجيته الخاصة. 

تقول ساندرين ذات الـ 35 عاماً: "عندما أريد أن أحفظ رقم هاتف معين أحاول أن أجد بعض الروابط، على سبيل المثال الرقم "44.19.97.83": سأربط الرقم 44 بعملية الإنزال في نورماندي بفرنسا عام 1944 خلال الحرب العالمية الثانية، ثم سأربط الرقم 1997 بتاريخ ميلاد ابنتي، وأخيراً سأربط الرقم 83 بمقاطعة فار بفرنسا لأنه الرقم التسلسلي الخاص بها". 

ولكن من الممكن تحسين هذه التقنية الشخصية، ولا سيما بمساعدة العديد من الخبراء في هذا المجال؛ إذ يقدم معظمهم نصائح عامة مع مجموعة من التمارين. تساعدنا هذه التمارين على تقييم ذاكرتنا قصيرة الأمد من خلال، على سبيل المثال، تمرين النظر إلى قائمة الكلمات المجردة لمدة ثلاثين ثانية ثم محاولة إعادة كتابتها، ومهارات الملاحظة لدينا عبر إعادة رسم شكل هندسي معقد مثلاً، والحس التنظيمي مثل تمرين إعادة تصميم خريطة لمنطقة ما مع محلاتها التجارية. 

وتتضمن هذه التمارين في بعض الأحيان اختبار قدرتنا على التفكير المنطقي والعقلاني، ومثال ذلك تمرين إكمال سلسلة من الأرقام. ومن جهة أخرى فهي تسمح لنا بتحديد الطريقة التي نميل إلى استخدامها في الحفظ؛ مثلاً ربط الأرقام بدلالات عاطفية محددة كما تفعل ساندرين، أو باستخدام العرض البصري ككتابتها على لوحة الاتصال في الهاتف، أو الهمهمة بها.

تُستخدم تمارين الذاكرة هذه لتحسين القدرة على الانتباه ومن خلال ممارستها بصورة يومية نتمكن من تعزيز أداء الدماغ. ومع ذلك إذا كانت هذه التمارين مثالية لكبار السن الذين يرغبون في تنشيط قدراتهم العقلية، فإنها لا تعمل على تعديل طريقة فهمنا للمشكلات.

رياضة الدماغ طريقة لاكتساب سلوكيات أكثر فعاليةً

وللتعمق أكثر واكتساب آليات سلوكية جديدة؛ طورت مونيك لو بونسان طريقة "رياضة الدماغ"، وهي طريقة شائعة في عالم الأعمال، وبين الطلاب أو كبار السن الذين يخافون من شبح مرض ألزهايمر. وتتمحور التقنية حول تعلم طريقة جديدة لإدراك الأفكار وحفظها وتنظيمها، تبعاً للهدف الذي نسعى إلى تحقيقه، ولهذا يعتمد مفهومها على محاكاة آلية عمل الدماغ. 

تركز الطريقة على الإدراك بصورة أساسية ولشحذ هذه المقدرة فإنه يجب التركيز في البداية على عنصر واحد. مثال ذلك: تمرين تحديد الأشخاص الذين ينتعلون أحذية سوداء دون التفكير في شيء آخر. عند إجراء هذا التمرين، يجب على المرء أن يكون حذراً من المرشحات التي تشوه الإدراك؛ إذ إنه وفقاً لثقافته قد ينتبه إلى المديرين التنفيذيين أكثر من انتباهه إلى الرياضيين على سبيل المثال، ويمكن تجنب ذلك عبر التركيز على السؤال: حدد جميع الأشخاص الذين ينتعلون أحذية سوداء.

أخيراً؛ يمكنك التحكم في رؤيتك عن طريق مسح المشهد من أعلى إلى أسفل ومن اليسار إلى اليمين وتقسيمه إلى مربعات. وبالطريقة نفسها ستتمكن من تذكر الـ 50 ضيفاً المشاركين في حفل ما، عبر مسح المشهد بنظرك عدة مرات وإنشاء تصنيفات خاصة بك مثلاً (مجموعة تضم النساء الشقراوات وأخرى تضم الرجال الذين يرتدون البدلات الرسمية، إلخ) وذلك وفقاً للهدف (البحث عن شريك حياة محتمل على سبيل المثال). 

لكن القدرة على الحفظ تتطلب الالتزام بالقواعد الذهبية الأخرى، وهي إيقاف أي إجراء آخر والتركيز على النشاط المعني، وتسجيل ما تريد تذكره وإعادة المشهد عبر 3 مراحل وهي:

  1. انظر إلى المجموعات التي أنشأتها.
  2. تصوّرها في ذهنك.
  3. تحقّق منها بصرياً.

تهدف هذه الطريقة إلى تعديل الإجراءات الدماغية الخاطئة لاكتساب استراتيجيات أكثر فعالية. الجزء الأصعب هنا هو تحويل عملية إعادة البرمجة هذه إلى رد فعل في أي موقف يتطلب قدرة على الملاحظة أو الاستماع أو التذكر أو عرض الأفكار بوضوح.

الخريطة الذهنية: عزّز إبداعك

تعزز تقنيات أخرى قدرتنا على تطوير مخيلتنا ومنها تقنية "الخرائط الذهنية" التي ابتكرها توني بوزان. تتمحور هذه الطريقة حول شجرة من الكلمات، ويتم ربط كل كلمة منها بصورة معينة وفقاً لمخيلتنا. 

ويمكن تنفيذ الطريقة كما يلي: اكتب كلمة ما (أو ارسم رسماً يستحضرها) في وسط ورقة ثم، ومن دون تفكير، اربط هذه الكلمة بكلمات أخرى؛ إذ سيساعدك ذلك على تطوير أفكارك التصويرية في شكل فروع، تخرج منها بدورها فروع أخرى. يجب استخدام أكبر عدد ممكن من الألوان عند رسم شجرة الكلمات، وتنويع أحجام الحروف والأسهم التي تنشئ الروابط بين الكلمات.

تساعد هذه الطريقة القائمة على الأفكار المتفرعة من نقطة مركزية، على إتقان عمليات التفكير وتوليد المزيد من الأفكار الإبداعية. ويمكن تشبيهها بطريقة العصف الذهني (التداعي الحر للأفكار) من ناحية إشراك جميع الأحاسيس المرتبطة بالكلمات التي تخطر في الذهن بصورة عفوية، وذلك عبر استخدام التعابير التي تحفز حواس الشم واللمس والتذوق ونطق هذه التعابير بصوت عالٍ وتخيلها. 

ويوصي المؤلفون باستخدام تقنية "الخرائط الذهنية" لتعزيز عملية صنع القرار، والحفظ ، وتلخيص الروايات، وحتى تنمية القدرة على متابعة خطابات البث المباشر. ومن خلال الممارسة يمكن لكل شخص أن يجد التطبيق الملائم لهذه الطريقة بالنسبة إليه.

كيف يمكنك البدء بممارسة رياضة الدماغ؟

تتطلب الأساليب المذكورة ممارستها بصورة يومية، وتطبيق التعليمات الخاصة بكل تمرين، وتحمل الاستياء وخيبة الأمل التي يسببها ضيق الوقت المخصص لحل كل مشكلة، أو حتى الفشل في حلها أحياناً، والتركيز على الهدف الرئيسي من كل ذلك وهو اكتساب اليقظة الذهنية. كما يشجع الخبراء على فكرة أن نذهب إلى التسوق من دون تحضير قائمة مسبقة بالمشتريات، وتلخيص الأخبار التلفزيونية شفهياً. ولكن في معظم الأحيان قد يصعب الالتزام بهذه القرارات تماماً كما يحدث عندما نتخذ قراراً بممارسة تمارين البطن لـ 10 دقائق يومياً.

لذا فإنه يمكن للدورات التدريبية أن تساعدك على البدء بطريقة جدية لأن التسجيل فيها يكون دائماً لهدف محدد مثل تعلم لغة معينة على سبيل المثال. وتجدر الإشارة إلى أن البداية المقترنة بإشراف جيد تعزز الحافز وتشجع على اكتساب آليات جيدة. 

تقول مونيك لو بونسان: "تسبب هذه التمارين تحفيزاً نفسياً من اليوم الأول لممارستها ويفهم الأشخاص أن المشكلة هي ليست أن ذاكرتهم سيئة بل أنهم كانوا يستخدمونها بطريقة غير صحيحة".

بعد جلسة مدتها يومين، ترى المتدربين عادةً مرة أخرى بعد شهر، ويستغرق الأمر من ثلاثة إلى أربعة أشهر لاكتساب آليات ذهنية جديدة من خلال طريقة "رياضة الدماغ". وتؤكد المختصة قائلةً: "يمكن تشبيه اكتساب هذه الآليات الذهنية بتعلم ركوب الدراجة؛ إذ لا يمكن للمرء أن ينساها".

من العضلات إلى المادة الرمادية

"رياضة الدماغ" هي تقنية تهدف إلى ربط حركات الجسم بوظائف الدماغ المشاركة في التعلم، وذلك بفضل ستة وعشرين تمريناً. وهذه بعض الأمثلة عنها:

  1. المشي في المكان مع لمس الركبة اليمنى باليد اليسرى والعكس بالعكس بالتناوب. تؤدي ممارسة هذا التمرين بانتظام إلى تطوير الشبكات العصبية، وتحسين الاتصال بين نصفي الكرة المخية، وتعزيز قدرات التفكير لدينا.
  2. تمرين الفيل: أمل رأسك على أحد الكتفين حتى تصبح أذنك ملاصقة له ومد ذراعك من الجانب ذاته وارسم رمز اللانهاية (رمز رياضي) وتابع حركة يدك بعينيك في أثناء ذلك. يعزز هذا التمرين وظيفتي الانتباه والذاكرة.
  3. جالساً أو واقفاً أو مستلقياً، اعقد كاحليك واشبك أصابع يديك ببعضهما ووجهما نحو الداخل على مستوى الصدر. حافظ على هذه الوضعية لمدى دقيقة تنفس خلالها بعمق ثم افرد ساقيك وضع أطراف أصابع يديك فوق بعضها. يساعدك هذا التمرين على تعزيز الانتباه والاستماع بوضوح.

اقرأ أيضاً: دليلك الشامل حول الأغذية المعززة لصحة الدماغ.

المحتوى محمي