فوبيا الحشرات: لماذا يرى البعض الحشرات كائنات مفترسة؟

ملخص: هل شعرت من قبل بخوف غير مبرر أو خوف غير منطقي من بعض الأشياء أو الكائنات؟ الحقيقة أننا البشر لدينا مخاوف مختلفة، فبعضنا قد يخاف القطط والآخر قد يهاب الكلاب، وقد يخاف بعض الأفراد أشياءَ غير مخيفة مثل الحشرات، ويُطلق على رهاب الحشرات اسم "الإنتوموفوبيا"، فما قصته؟ إليكم الإجابة في هذا المقال.

في كل مرة نخرج فيها معاً، أحرص تمام الحرص على عدم الذهاب إلى الحدائق أو الأماكن المفتوحة، وحتى المطاعم؛ إذ تخاف أختي الحشرات كثيراً، ويمكن أن يصيبها الهلع فور رؤيتها، لتبدأ بعدها الصراخ والبكاء! وحين تحدثنا معاً حول هذا الخوف، قالت إنها ترى تلك الحشرات كبيرة وتملك الكثير من الأذرع والسيقان، ناهيك بأن شكل عينيها يرعبها. لم يأخذ أحد في العائلة هذا الخوف على محمل الجد؛ ولكني فعلت، ورغبت بمعرفة سبب هذا الخوف الشديد من الحشرات أو "الإنتوموفوبيا"، وكيف يمكن التغلب عليه، وإليكم في هذا المقال كل ما توصلت إليه.

ما هو رهاب الحشرات أو "الإنتوموفوبيا" (Entomophobia)؟

الرهاب أحد أنواع اضطراب القلق الذي ينطوي على خوف شديد من شيء أو حدث أو موقف، وهذا الخوف لا يتناسب مع الضرر الواقعي المحتمل الناتج من الحدث أو الموقف. والحقيقة، أن هناك الكثير من اضطرابات الرهاب المحددة؛ ومنها رهاب الحشرات أو "الإنتوموفوبيا"، وكلمة (Entomophobia) مشتقة من الكلمتين اليونانيتين: "إنتوم" (Entomon) وتعني "حشرة"، و"فوبوس" (Phobos) وتعني "الخوف".

والأشخاص الذين يعانون رهاب الحشرات لديهم خوف عميق وساحق من الحشرات على نحو يمكن أن يعطل حيواتهم اليومية. أحياناً، يخافون أنواع الحشرات كلها، وأحياناً يخافون أنواعاً معينة فقط، ففي الوقت الذي يخاف فيه البعض العناكب، يخاف آخرون النحل أو الدبابير، ويمكن أن يشمل رهاب الحشرات أيضاً:

1. الطفيليات مثل العث والقراد وبق الفراش.
2. الصراصير.
3. النمل.
4. الفراشات.
5. البعوض.

ووفقاً للمعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية (National Institute of Mental Health)؛ قد يدرك الشخص المصاب بالرهاب أن مخاوفه غير عقلانية، وعادة ما تبدأ أعراض هذا الخوف خلال مرحلة الطفولة في سن السابعة وسطياً.

لماذا قد يصاب البعض برهاب الحشرات؟

مثل العديد من أنواع الرهاب؛ قد يكون الخوف من الحشرات مرتبطاً بجوانب أكثر تحديداً. على سبيل المثال؛ قد يكون الخوف من الأطباء في الواقع خوفاً من الإبر! ويمكن أن ينطبق الأمر ذاته على رهاب الحشرات. وثمة مخاوف أخرى تختبئ خلف الحشرات، وهذه قد تكون الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى هذا الرهاب:

1. الخوف من التلوث: في الكثير من الحالات، يخشى الأشخاص الذين يعانون رهاب الحشرات، التعرضَ إلى التلوث بالحشرات، وبخاصة أن عدة حشرات مثل الصراصير والذباب، يمكن أن تحمل المرض وتنقله إلى الآخرين.
2. الخوف من التعرض إلى العض: يشعر بعض الأفراد بالخوف الشديد من العض؛ أحياناً بسبب الخوف من الإحساس بالألم، وأحياناً أخرى بسبب الخوف من المرض أو ردود الأفعال التحسسية، وبخاصة لسعات النحل ولدغات البعوض.
3. التجارب الماضية المؤلمة: الأشخاص الذين مروا بتجربة مؤلمة تتعلق بالحشرات قد يصابون برهاب الحشرات. على سبيل المثال، إذا عانيت في الماضي رد فعل تحسسياً شديداً تجاه لدغة النحل، فقد تصاحب برهاب الحشرات.
4. التهيجات البيئية: يعاني بعض الأشخاص حكة في الجلد ناجمة عن حبوب اللقاح أو مسببات الحساسية المنزلية، وفي هذه الحالة، الجلد المتهيج باستمرار قد يدفع الشخص إلى إلقاء اللوم على الحشرات.
5. التاريخ الطبي العائلي: يزداد خطر إصابتك برهاب الحشرات إذا كان لديك قريب أو والد يعاني اضطراباً رهابياً أو اضطراب القلق، وأحياناً قد تكون أكثر قلقاً وخوفاً من الأشخاص الآخرين إذا كانت لديك طفرة جينية معينة.
6. النمذجة: رؤية شخص مصاب برهاب الحشرات أو سماع شخص يتحدث عن خوفه من الحشرات يمكن أن يسبب لك الرهاب نفسه!
7. الخوف من فقدان السيطرة: تؤكد أستاذة علم الحشرات، جنان الحربي، إن بعض الأشخاص يخافون الحشرات لأنهم يشعرون بفقدان السيطرة على الوضع إما بسبب صغر حجم تلك الحشرات وصعوبة التعامل معها، وإما لأن بعضها يطير؛ ومن ثَمّ لا تُمكن معرفة إلى أين سوف تتجه تلك الحشرة!

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب

كيف يؤثر رهاب الحشرات في حياتك اليومية؟

يمكن أن يؤثر رهاب الحشرات في جوانب حياتك كافةً، وذلك عبر الطرائق الآتية:

1. قد تتجنب الخروج إلى الحدائق في الأيام الجميلة بسبب الخوف من مواجهة الحشرات في الخارج؛ كما قد تتجنب الشواطئ والبحيرات التي تحتوي العديد من الحشرات مثل البعوض والذباب.
2. قد تشعر بالقلق الشديد في المنزل أو مكان العمل لمجرد وجود حشرة ما.
3. ربما ترفض الذهاب في رحلة للتخييم مع أصدقائك خوفاً من مقابلة الحشرات في رحلتك.
4. أحياناً قد تتجنب المناسبات الاجتماعية وترفض تناول الطعام في الخارج لأنك تفكر بوجود الحشرات في المحيط.

ومثل أي رهاب؛ يمكن أن يسبب رهاب الحشرات ضائقة كبيرة تؤثر في قدرتك على الاستمتاع بالأنشطة اليومية؛ وذلك لأن الأشخاص الذين يخافون الحشرات سيفعلون كل ما في وسعهم من أجل تجنب الاقتراب منها أو لمسها أو الوجود حولها.

9 أعراض لرهاب الحشرات

يشعر الأشخاص الذين يعانون رهاب الحشرات بالقلق والخوف الشديدَين بعد رؤية الحشرات. وبالإضافة إلى ذلك، قد يعانون أعراضاً جسدية مثل الحكة المفرطة أو التنميل في الجسم، وتشمل الأعراض الشائعة الأخرى للخوف من الحشرات ما يلي:

1. زيادة سرعة ضربات القلب.
2. التعرق الزائد.
3. الإحساس بالغثيان.
4. اضطراب المعدة.
5. ضيق التنفس.
6. القشعريرة.
7. الدوار .
8. الارتجاف الشديد.
9. الإغماء.

كيف يُشخَّص رهاب الحشرات؟

يسرد الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-5)، معايير التشخيص التالية لأي رهاب محدد:

1. الشعور بالخوف والقلق الشديدَين.
2. الخوف والقلق لا يتناسبان مع الخطر الفعلي.
3. تجنُّب الشخص الشيء أو الموقف، أو تحمُّله بخوف وقلق شديدَين.
4. القلق أو الخوف أو التجنب مستمر مدة 6 أشهر أو أكثر.
5. هذا الخوف يؤثر في استمتاعك بالحياة.
6. تسبب الخوف في تفويت المناسبات الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: النوموفوبيا: رهاب فقدان الهاتف الذي لا يفارق يدي

4 طرائق للتغلب على رهاب الحشرات

الهدف من العلاج هو منع رهابك من التأثير في نوعية حياتك، وذلك من خلال تعليمك كيفية إدارة ردود أفعالك تجاه الحشرات. ويُعالَج كل من رهاب الحشرات وأنواع الرهاب الأخرى بالعلاج النفسي الذي يتضمن ما يلي:

1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعدك العلاج المعرفي السلوكي على تغيير طريقة رؤيتك للأشياء والمواقف التي تسبب الأعراض. وتشير جمعية القلق والاكتئاب الأميركية (The Anxiety and Depression Association of America. ADAA)، إلى إن الجلسات الأسبوعية للعلاج المعرفي السلوكي إلى جانب اتباع تعليمات المعالج، يمكن أن تكون فعالة في علاج الرهاب، وعادة ما يحتاج الشخص إلى قُرابة 12-16 جلسة.
2. العلاج بالتعرض: يقوم الطبيب النفسي من خلال العلاج بالتعرض بتهيئة بيئة آمنة يُعرَّض فيها الشخص تدريجياً إلى الحشرات، وذلك بالطرق التالية:

• التعرض المتدرج: من خلال هذا الأسلوب، سوف يقوم الشخص والطبيب النفسي بإنشاء تسلسل هرمي للخوف، وبعد ذلك سيبدأ الطبيب النفسي التعريض الخفيف أو الأكثر اعتدالاً قبل التقدم إلى التعرضات الأكثر صعوبة.
• التعرض التخيلي: عبر هذه الطريقة، سوف يتخيل الشخص موضوع خوفه بما يتضمن تخيل أنه يحمل حشرة.
• التعرض إلى الواقع الافتراضي: يستخدم هذا الأسلوب تقنية الواقع الافتراضي التي قد تساعد الشخص على تجربة المشاهد والأصوات والروائح المرتبطة بالشيء الذي يخافه.
• التعرض المباشر: من خلال هذه الطريقة، سيواجه الشخص موضوع خوفه مباشرة، وقد يتضمن ذلك حمل حشرة في يديه.

3. إزالة التحسس المنهجي: في بعض الحالات، قد يجمع الطبيب النفسي بين التعرض وتمرينات الاسترخاء، وهذا يمكن أن يجعل المريض يتقبل التعرضات الصعبة، وقد يساعد أيضاً الشخص على ربط الأشياء أو المواقف أو الأنشطة المخيفة بالاسترخاء.
4. ممارسة تمارين اليقظة الذهنية والتأمل: في حالات الرهاب؛ بما فيها رهاب الحشرات، يكون المركز العاطفي للدماغ أو ما يُسمَّى بـ "اللوزة الدماغية"، في حالة تأهب دائم ومفرط في رد الفعل. ولذلك؛ فإن ممارسة تمرينات اليقظة الذهنية والتأمل واليوغا يمكن أن تؤثر مباشرةً في تقليل نشاط اللوزة الدماغية.

في النهاية، عليك معرفة أن الخوف من الحشرات يمكن أن يتراوح بين المزعج وغير السار إلى المزعج بشدة، وليس من السهل التغلب على هذا الرهاب؛ ولكن من الممكن أن تحاول البقاء هادئاً بدلاً من أن تصاب بالذعر عند مواجهة الحشرات. ومن خلال العلاج النفسي ومهارات التأقلم، يمكنك العيش بسلام جنباً إلى جنب مع الحشرات.