الهشاشة النفسية هي حالة من الشعور بعدم الاستقرار العاطفي؛ حيث يميل الشخص إلى التأذي والانزعاج بسرعة والغرق في جَلد الذات والاكتئاب.
ولا يتعلق الأمر بالشعور بالحساسية تجاه تعليقات الآخرين مثلاً؛ بل بمدى سرعة الانزعاج أو الإساءة عند مواجهة تحديات الحياة اليومية، حتى البسيطة منها.
يمكن النظر إلى الهشاشة النفسية على أنها اضطراب طيفي؛ ما يعني أن هناك درجات متفاوتة من الهشاشة، ويمكن أن يعاني الناس من هذه المشكلة بدرجات متباينة.
قد يواجه بعض من يمتلكون هذه السمات صعوبة في الخروج إلى الأماكن العامة لأنهم خائفون جداً مما قد يحدث لهم، أو ما يمكن أن يقوله الآخرون لهم أو عنهم، وقد يجدون صعوبات أيضاً في الحفاظ على الصداقات والعلاقات الاجتماعية لأنهم لا يستطيعون التعامل مع تقلبات الحياة الطبيعية، وفي النهاية قد يصابون بالإرهاق وحتى الاحتراق الوظيفي.
ماذا تعني الهشاشة النفسية؟
ترتبط الهشاشة النفسية بالجانب العاطفي أكثر من الجانب الفكري إذا ما اعتبرنا أن حالة الصحة النفسية العامة للأفراد لها علاقة وطيدة بمشاعرهم الداخلية؛ حيث يتم تعريف العاطفة في علم النفس على أنها حالة معقدة من الشعور تنتج عنها تغيرات جسدية ونفسية تؤثر في الفكر والسلوك؛ بما في ذلك المزاج والشخصية والتحفيز.
لذلك يفتقر الأشخاص ذوو الشخصية الهشة إلى معرفة كيفية التعامل مع المشاعر الصعبة؛ حيث تغيب المرونة في معاملاتهم وخاصة في مواجهة المشاعر والحالات المزاجية المؤلمة وكيفية التصرف مع الانتقاد الذي قد يؤثر بشكل كبيرٍ في ثقتهم بأنفسهم، حسب رأي الاختصاصي النفسي الإكلينيكي الأميركي نيك ويغنال (Nick Wignall)، وقد يؤدي تلقي الإهانة مثلاً إلى أيام من إعادة تذكّرها بغضب شديد بالنسبة لهؤلاء الأشخاص.
ويشبّه الطبيب النفسي المصري محمد إبراهيم (Mohamed Ibrahim) في إحدى محاضراته على تيد إكس (TEDx)، الهشاشة النفسية بهشاشة العظام؛ أي حين يصبح العظم قابلاً للكسر بسهولة، وهي نفس حالة الشخص الهش نفسياً؛ إذ يصبح أكثر عرضة للانكسارات النفسية والعاطفية أمام مشكلات الحياة مهما بلغ مستوى تعقيدها، فهو لا يعرف كيف يواجه صعوباته وينزوي دائماً في حزنه واكتئابه.
جيل رقائق الثلج والهشاشة النفسية
يعتقد الصيدلي والمؤلف المصري إسماعيل عرفة في كتابه بعنوان: "الهشاشة النفسية: لماذا صرنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟" الصادر في 2019، أن ظاهرة الهشاشة النفسية هي ظاهرة اجتماعية أكثر من كونها اضطراباَ نفسياَ حقيقياَ، وقد بدأت في الظهور بصورة أكبر في المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي، وهي سائدة أكثر بين فئات الطبقات الوسطى، وبالأخص الشباب اليافع من الجيل زد الذي وصفه بـ "جيل رقائق الثلج" (Snowflakes Generation).
وقد بات هذا المصطلح يُستخدم بشكل ساخرٍ من طرف العديد من المحللين في السنوات الأخيرة لوصف شباب جيل الألفية والجيل زد، بناءً على النظرية العلمية السائدة بأن رقائق الثلج تكون سهلة الانكسار، وتتميّز كل واحدة منها بهندسة بلورية فريدة، وهو ما يشبه حالة الهشاشة النفسية والشعور الغامر بالتفرّد والاستحقاق لدى الجيل زد، حسب رأي الكاتب.
وقد دخل هذا المصطلح بشكل رسمي لقاموس "كولينز" الإنجليزي في 2016، الذي يضع له التعريف الآتي: "جيل من الأشخاص الذين أصبحوا بالغين بحلول عام 2010 أو بعده، والذين يُنظر إليهم على أنهم أقل مرونة وأكثر عرضة للإهانة من الأجيال السابقة".
3 علامات تدل أنك هشّ نفسياً
يرجح وجود هذه المشكلة حسب ما هو مذكور في كتاب عرفة، أن أغلب مشاكل هذا الجيل تنحصر في اهتماماتهم الشخصية بأنفسهم وشغفهم الشخصي، ويستشهد بمقولة للكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق: "هل هو حب؟ لا ليس حباً بالتأكيد؛ لكن الهشاشة النفسية تجعلك تتشبث بأي إنسان وتشعر بأنك تهيم به حباً" في إشارة للفراغ العاطفي لدى هؤلاء الشباب.
وهم يختلفون في ذلك عن أجيال سبقتهم تعرضت لتحديات ضخمة جعلتها تتميز بالصلابة النفسية، وهو ما لا يتميز به الجيل زد حسب رأي الكاتب الذي أورد في نفس الكتاب ثلاث قصص توضح السمات الشخصية التي تميّز الشباب الذين يعانون من هذا النوع من الهشاشة؛ ونلخّصها كالآتي:
● الانهيار السريع للمعنويات: حين يصيب الانهيار التام شاباً -على سبيل المثال- بسبب انفصال عاطفي، فيصيبه الاكتئاب ويدخل في دوامة من المشاكل النفسية والإحباط والحزن، وينطوي على نفسه تدريجياً.
● الاقتناع بدور الضحية: حين يقتنع الشباب الصغار أنهم ضحايا الأذى النفسي من طرف مدرسيهم أو أولياء أمورهم أو أقرانهم، بدل تحمل مسؤولية تصرف خاطئ قاموا به، لأنهم يظنون أنهم يستحقون أحسن معاملة في الوجود رغم ارتكابهم للأخطاء. ويشير الكتاب أيضاً إلى استغلال ظاهرة "التنمر" بشكل عكسي لصالح هؤلاء الصغار الذين يستغلونها خارج سياقها الحقيقي لتأدية دور الضحية بشكلٍ دائم.
● تضخيم الألم: ويقصد به عدم القدرة على مواصلة الحياة بجميع صعابها، فتصبح أي مشكلة صغيرة أو كبيرة وحتى مواقف الحياة العادية بمثابة كارثة وأزمة حقيقية؛ بحيث تُعطى الأمور أكثر من حجمها، ويحدث الكثير من التحويل وتضخيم الألم؛ وهو ما يُسمى في علم النفس بـ (Pain Catastrophizing)، وهي حالة شعورية تعتري الشخص عند وقوعه في مشكلة تجعله يؤمن أن ما حدث له أكبر من قدرته على التحمل.
اقرأ أيضاً: كيف تحافظ على روح معنوية عالية في أحلك الأوقات؟
خطة عمل لتقوية النفس والتغلّب على الهشاشة النفسية
تتسم طبيعة كلّ الأشياء بثنائية القوة والضعف، وكلاهما وجه حقيقي لها؛ ولكن لا شيء يستمر على حاله دائماً؛ إذ أننا نتقدم في السن ونمرض ونموت وتتغير مشاعرنا بخصوص الأشخاص والمواقف. وهذا ما يعتقده عالم النفس والكاتب الأميركي ريك هانسن (Rick Hanson) الذي يصف حقيقة الأشياء بالفسيفساء التي تتكون من أجزاء عديدة يجب أن نكون واعين بوجودها، وملاحظين لهشاشتها وقابلية الكسر التي تميزها.
فعوضاً عن المبالغة في تقدير هشاشة المواقف أحياناً؛ ينصح هانسن بمواجهة الإحساس بالضعف وتبنّي الهشاشة كجزءٍ منا، حتى نستطيع تقبّل تغيرات الحياة ونكون متصالحين مع البدايات كما النهايات.
أما إسماعيل عرفة، فيعتقد أن استجابة جيل الشباب للضغوط تختلف جذرياً عن استجابة آبائهم وأمهاتهم، فهم يفتقرون إلى المرونة النفسية والقدرة على المقاومة والصبر على التجارب المؤلمة. لذلك يجب البدء ببناء المرونة تدريجياً، ويمكن وضع خطة خروج سريعة من خلال ما ذكره الكتاب، مكونة من ثلاث خطوات عملية لتقوية النفس الهشة والضعيفة أمام تحديات ومواقف الحياة الصعبة:
1. اعترف بالأخطاء
قد لا يعني الاعتراف بالخطأ الجهر به علانية؛ ولكن أن يعترف الشخص بأخطائه لنفسه ويقرّ بها يمكن أن يساعده على تجاوز ارتكاب نفس الأخطاء مستقبلاً، لأنه بات يعرف نوعية العواقب التي يمكن أن تؤدي إليها، ويُعتبر ذلك علامة على النضج الشخصي.
2. تحمّل المسؤولية
يساعد التخلص من الحساسية المفرطة تجاه النقد والضغوط على تحمل المسؤولية إزاء الأخطاء المرتكَبة وعواقبها. ومن ضمن فوائدها بناء الثقة في النفس وكأنها قادرة على تجاوز المصاعب، فتجنب المخاطر يجعل الأشخاص أكثر هشاشة، أما تحمل المسؤولية يتيح الفرصة لتكوين مناعة نفسية وعاطفية ضد تقلبات الحياة.
3. تدرّب على المرونة
يمكن تنمية هذه الملَكَة بحمل النفس على تحمل الصعاب وإيجاد حلول للمشاكل؛ من خلال الاحتكاك بالأشخاص من ذوي الخبرة في الحياة وتعلم كيفية إدارة شؤون الحياة وحل المشاكل منهم، فالمرونة تحسن الأداء الإدراكي المعرفي والصحة النفسية، وتسهم في الحفاظ على الاستقرار في مواجهة الأزمات.
لا بد أن مصطلح الهشاشة النفسية قد يبدو فضفاضاً بعض الشيء للبعض، فهو ليس بتشخيص لاضطراب نفسي؛ وإنما هو حالة اجتماعية ونفسية تصيب فئات الشباب اليافع الحالي بسبب عوامل التنشئة المختلفة وتأثيرات السوشيال ميديا في طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للحياة؛ ولكن الهشاشة بالتأكيد لا تنحصر عليهم، فيمكن لأي شخص أن يشعر بالضعف إزاء المواقف والتحديات. لذلك ينصح المختصون الذين بحثوا في هذه الظاهرة ببناء سمة المرونة والتدرب على تقبل الضعف والفشل كجزء من طبيعة الحياة نفسها.