ملخص: يتسبّب الاضطراب ثنائي القطب في تقلّبات مزاجية حادة تتراوح بين نوبات الهوس الشديدة إلى نوبات الاكتئاب، ويؤثر في أنماط النوم ومستويات الطاقة لدى المريض؛ كما يؤدي إلى ظهور سلوكيات اندفاعية وأفكار متسرّعة. وعلى الرغم من عدم وجود علاج نهائي؛ لكن تكمن السيطرة على الاضطراب ثنائي القطب من خلال مجموعة من الأدوية والعلاج النفسي واتباع بعض الاستراتيجيات لتغيير نمط الحياة؛ حيث تصبح ممارسة المهمات اليومية الروتينية من أهم علامات الشفاء من ثنائي القطب.
محتويات المقال
قد تغفل حملات الصحة النفسية عن منح الأمل للأشخاص الذي يعانون من مشكلات أو اضطرابات نفسية مثل اضطراب ثنائي القطب، وقد تنظر إلى المصاب به كحالة ميؤوس منها، بينما في الحقيقة يمكن التعايش مع هذه الحالة؛ بل والتحكّم في أعراضها بشكلٍ فعّال. وهناك علامات مثل التحسّن في إتمام المهمات اليومية، تؤكد إمكانية الشفاء من ثنائي القطب وتحقيق التوازن النفسي وعَيش حياة مُرضية.
ما هو اضطراب ثنائي القطب؟ وما أبرز أعراضه؟
يُعرف الاضطراب ثنائي القطب بالاضطراب ثنائي الاتجاه (Bipolar Disorder)، وقد كان يُشار إليه سابقاً بـ "مرض الهوس الاكتئابي" أو "الاكتئاب الهوسيّ"؛ و هو مرض عقلي يتسبّب في تغيّرات مختلفة في الحالة المزاجية للمصاب وطاقته ومستويات نشاطه وتركيزه أيضاً. وعلى إثر هذه التغيرات؛ يصعب عليه إتمام الواجبات والمهمات الروتينية اليومية.
ليس معروفاً بالتحديد ما الذي يسبب مرض ثنائي القطب؛ لكن قد تكمن الأسباب في عوامل مثل الوراثة أو تعاطي الكحوليات والمواد المخدرة أو اختلاف بنية الدماغ والإجهاد.
وهناك 3 أنواع من الاضطراب ثنائي القطب تتضمن جميعها تغييرات واضحة في المزاج والطاقة. وتتأرجح هذه الحالات المزاجية ما بين فترات سلوك شديد متزايد يندرج تحت مسمَّى "نوبات الهوس" (Manic Episodes) إلى فترات الكآبة أو الحزن واليأس أو اللامبالاة المعروفة باسم "نوبات الاكتئاب" (Depressive Episodes).
وتتضمّن أعراض الهوس الشعورَ بالارتياح الشديد أو السعادة والتوتّر، وعدم الحاجة إلى النوم، والشعور بالقوة الخارقة، وتوارد الأفكار بسرعة، إضافةً إلى الإفراط في الأنشطة الممتعة كالطعام والجنس.
كما قد يعاني مريض الاضطراب ثنائي القطب من أعراض الاكتئاب الذهاني المتمثلة في الشعور بالإحباط الشديد واليأس والقلق والنسيان وصعوبة التركيز أو اتخاذ القرارات أو الشعور بانعدام القيمة أو التفكير في الانتحار، إضافةً إلى الوسواس القهري والتهيّج وجنون الارتياب (Paranoia).
يعاني أغلب المصابين بالاضطراب ثنائي القطب من الأعراض نفسها، وإن اختلفت في شدّتها ومدتها. وقد يظهر بعض الأعراض الأخرى لدى المصابين كاضطرابات النوم والانخراط في سلوكيات غريبة أو محفوفة بالمخاطر، وهناك قلّة من المصابين لا تظهر عليهم أيّ أعراضٍ ملحوظة.
أنواع اضطراب ثنائي القطب
يكمن الفرق بين الأنواع الثلاثة من الاضطراب ثنائي القطب كالتالي:
- النوع الأول من الاضطراب ثنائي القطب: تتمثّل أعراضه في نوبات الهوس التي قد تستمر لمدة أسبوع على الأقل بشكلٍ يومي وعلى مدار اليوم، أو أعراض الهوس الشديدة التي تتطلّب رعاية طبية عاجلة. وقد تحدث نوبات اكتئاب تستمر لمدة أسبوعين على الأقل، ويمكن أن تظهر في بعض الأحيان نوبات الاكتئاب المتعدّدة السمات التي تجمع بين أعراض الاكتئاب وأعراض الهوس.
- النوع الثاني من الاضطراب ثنائي القطب: يُعرف من خلال نمط نوبات الاكتئاب ونوبات الهوس الخفيف؛ حيث تكون نوبات الهوس الخفيف أقلّ حدةً من نوبات الهوس في الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول.
- اضطراب المزاج الدوري (Cyclothymic disorder): الفرق بينه وبين الأنواع الأخرى سالفة الذكر هو تكرار ظهور أعراض الهوس الخفيف، والاكتئاب البسيط.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شريك العمر في حال أصيب بانفصام الشخصية؟
علامات الشفاء من اضطراب ثنائي القطب
يمكن أن يلاحظ المصاب مؤشرات التقدّم في الاضطراب ثنائي القطب مع مراعاة عدم وضع حدٍ زمني، فالأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً. لذا من المهم المضي قدماً كل يوم، ومتابعة التقدّم الذي قد يتمثّل في العلامات الثلاث التالية:
- النجاح في تنفيذ المهمات البسيطة: مثل تناول الأدوية على النحو المطلوب، إلى جانب الاهتمام بالمواعيد الطبية والالتزام بها.
- النظافة الشخصية: إحدى العلامات المهمة في تشخيص الاضطراب ثنائي القطب، وتحسنّها يعني إحراز التقدّم في رحلة الشفاء، فالأشخاص المصابون بالاكتئاب أو الهوس -باعتبارهما أبرز أعراض ثنائي القطب- يواجهون صعوبة في القيام بمهمات النظافة الشخصية؛ مثل الاستحمام والحلاقة وتنظيف الأسنان.
- ممارسة الأعمال الروتينية: كالنهوض من السرير، وتنظيف الملابس أو حتى ارتدائها؛ حيث يُعتبر ذلك إنجازاً كبيراً لا ينبغي تجاهله.
يتطلّب تحسّن أعراض الاضطراب ثنائي القطب الالتزامَ بممارسة الأعمال اليومية المعتادة، فتحقيق الاستمرارية في القيام بالمهمات اليومية الأساسية يمثّل خطوة كبيرة.
الخيارات العلاجية المتّبعة في علاج ثنائي القطب
تتمثّل أولى خطوات علاج الاضطراب ثنائي القطب في استشارة الطبيب النفسي للقيام بالفحوصات اللازمة ومتابعة الخطة العلاجية التي يحدّدها؛ والتي قد تشمل الآتي:
- العلاج الدوائي: يساعد بعض الأدوية على التحكّم في أعراض الاضطراب ثنائي القطب، وقد يحتاج بعض المصابين إلى تجربة أدوية مختلفة. تتضمن الأنواع الأكثر شيوعاً من الأدوية التي يصفها الأطباء مثبتات الحالة المزاجية مثل الليثيوم (Lithium)، أو مضادات الذهان المختلفة (Antipsychotics). وقد يصف الطبيب الأدوية التي تحسّن جودة النوم أو أعراض القلق كجزء من الخطة العلاجية.
- العلاج النفسي: يوفّر الدعم المعنوي والإرشاد للمصاب، ويساعده على تغيير مشاعره السلبية وأفكاره وسلوكياته غير المرغوبة، ويُعتبر العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أحد أهم أنواع العلاجات النفسية لتخفيف أعراض الاكتئاب.
وتتضمّن بقية الخيارات العلاجية المتوفّرة لتحسين أعراض الاضطراب ثنائي القطب في حالة عدم التحسن أو في الحالات الحرجة؛ العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) والعلاج بالضوء.
كيف يمكن أن يساعد مريض ثنائي القطب نفسه؟
يمكن لمريض ثنائي القطب اتبّاع بعض الاستراتيجيات للتكيّف مع أعراضه، ومساعدة نفسه في أثناء رحلة العلاج؛ وتتمثل هذه الاستراتيجيات في الآتي:
- تعلَّم كلّ ما يمكن عن الاضطراب ثنائي القطب: من خلال الاطلاع على المعلومات من الإنترنت حول هذا الاضطراب، وفهم آلية عمله وكيفية التحكّم في أعراضه.
- تتبَّع حالتك المزاجية: دوّن ما تشعر به والسبب الذي جعلك تشعر كذلك مرّة في اليوم. ستمكّنك هذه الطريقة مع الوقت من تحديد أنماطك المزاجية؛ مثل أنك تميل إلى الإصابة بالأعراض الاكتئابية في الأيام الملبدة بالغيوم، أو ربما أن عدم حصولك على قسط كافٍ من النوم يسبّب لك نوبة هوس. فكلما تمكّنت من توقّع حالتك المزاجية، أصبح بإمكانك التعامل معها بشكل أفضل.
- انتبه إلى تفكيرك: احترس من الحديث السلبي مع الذات والمعتقدات غير العقلانية التي قد تسيطر عليك، فأفكارك تؤثّر في مشاعرك ومن ثَمّ في سلوكياتك.
- حدّد مهاراتك في التكيّف: يتعامل الأشخاص بطرائقَ مختلفة مع عواطفهم. فعلى سبيل المثال؛ هناك من يميل إلى الأكل حين يغضب، وهناك من يذهب للجري، أو يلعب ألعاب الفيديو، أو يستمع إلى الموسيقا، أو يتّصل بصديق؛ يُشار إلى ذلك بـ "مهارات التكيّف" (Coping Skills)، سواء أكانت سلبية أو إيجابية. فكّر إذاً في مهارات التكيّف لديك، ومدى فعاليتها على المديَين القصير والطويل.
- أصغِ إلى آراء الأشخاص الذين تثق بهم وتعليقاتهم: فمن المرجّح أنك ستحتاج إلى الدعم والتشجيع أكثر من أي شيء آخر في أثناء مرحلة الاستشفاء.
- أجرِ تغييرات صغيرة بمرور الوقت: قد تلاحظ في أثناء رحلة علاجك بعض الأفكار والمعتقدات والسلوكيات التي ترغب في تغييرها؛ إذ يمكنك تحديدها والعمل على تغييرها واحدة تلو الأخرى. لا تحاول عمل التغيير دفعةً واحدة لأنك ستشعر بالارتباك، أما إحراز تقدّمٍ تدريجيّ سيُكسبك ثقة أكبر في نفسك.
- حافِظ على ذهن منفتح: يمكنك تحقيق ذلك بالتعرّف إلى نقاط قوتّك وضعفك، وإدراك أن أكثر ما تقاومه هو أكثر ما يمكن أن يخدمك في رحلة شفائك.
اقرأ أيضاً: كيف استطعت التأقلم مع الاضطراب ثنائي القطب؟
وأخيراً، يمكن القول إنه تسهل ملاحظة علامات الشفاء من ثنائي القطب؛ لكن ذلك لا يعني إهمال خطة العلاج وتوقّع التقدّم دون الالتزام بها. لا يمكن إنكار أن هذا الاضطراب حالة مزمنة قد تستمر مدى الحياة، لذا فإن التأقلم معها ووضع خطّة لإدارة أعراضها هما الحلول الأفضل للتغلّب عليها.