غياب الشمس يهدد نفسيتك، فماذا تعرف عن العلاج بالضوء؟

العلاج بالضوء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد تتأثر حالتنا المزاجية مع قدوم فصل الشتاء وغياب الشمس، وربما يصل الأمر أحياناً إلى حد الإصابة بالاكتئاب الموسمي نتيجة انخفاض مستوى فيتامين (د) داخل أجسامنا وما يثيره الظلام في نفوسنا من شعور سيئ. وفي سبيل محاربة هذا النوع من الاكتئاب؛ توصل العلماء إلى أسلوب العلاج بالضوء الذي يُحدث تغييرات في المواد الكيمائية الموجودة بأدمغتنا محسّناً حالتنا المزاجية. ورغم ذلك التأثير الإيجابي؛ فإن هناك آثاراً جانبية تظل محتمَلة رغم محدوديتها مثل الصداع أو إجهاد العينين، وحتى تكون على دراية أكثر بهذا النوع من العلاج ننصحك بقراءة هذا المقال الذي يقدم كل ما يلزمك من معلومات.
تمتد علاقتنا بالضوء إلى الطفولة، فمعظمنا راسخة في ذهنه اللحظات السعيدة الدافئة التي قضاها بصحبة من يحب في إحدى الحدائق خلال يوم مشمس، أو متابعته شروق الشمس على البحر في إجازة من إجازات العام؛ لكن هذا الوضع المبهج لا يدوم نتيجة تغير الفصول، فعندما يأتي فصل الشتاء تحجب السحب عنا ضوء الشمس في كثير من الأيام، وتزداد تلك الظاهرة ليصحبها أحياناً تساقط الثلوج.

ويُشعرنا غياب أشعة الشمس مع قصر النهار بحالة مزاجية سيئة قد تصل أحياناً إلى حد الإصابة بالاكتئاب الموسمي، ونظراً إلى أنه في تلك الأوقات التي يشيع فيها هذا النوع من الاكتئاب يكون الوصول إلى ضوء الشمس طلباً صعب المنال، فقد اهتدى الباحثون إلى طريقة وجدوا من خلالها حلاً بديلاً؛ ألا وهي العلاج بالضوء الذي يصف فعاليته أستاذ الطب النفسي بجامعة هارفارد (Harvard University)، ريتشارد شوارتز (Richard S. Schwartz) موضحاً أنها تقارب فعالية مضادات الاكتئاب أو الأشكال الشائعة الأخرى للعلاج النفسي مثل العلاج المعرفي السلوكي، وسنتعرف في هذا المقال إلى كل ما يلزمنا عن العلاج بالضوء من حيث ماهيته وفوائده وكذلك آثاره السلبية.

ما هو العلاج بالضوء؟

يسلط المختص النفسي السعودي عبدالله آل دربا الضوء على أن الاكتئاب الموسمي تزداد حدته في المجتمات الغربية نتيجة طول فترة الشتاء هناك وغياب الشمس لأيام؛ ما يُحدث نقصاً في فيتامين (د) يؤثر في مستويات السيروتونين في المخ مؤدياً إلى حدوث تقلبات مزاجية، ولذلك يلجؤون إلى العلاج بالضوء لمواجهتها بهدف إحداث تغيير إيجابي في المواد الكيمائية الموجودة بالدماغ ذات الصلة بالحالة المزاجية.

ويتم العلاج بالضوء وفقاً للمختصة النفسية دانييل باتشيكو (Danielle Pacheco) من خلال جلسات تتراوح مدتها في المتوسط بين 20 – 40 دقيقة، يجلس المريض خلالها أمام جهاز مخصص لهذا الغرض يُطلق عليه اسم “صندوق الضوء” يصدر ضوءاً شبيهاً بالضوء الصادر عن الشمس، وفي الوقت نفسه يكون خالياً من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.

وخلال جلسة العلاج، تستقبل خلايا شبكية العين الضوءَ من الصندوق ما يؤثر مباشرة في مواد كيميائية محددة موجودة في الدماغ مثل الميلاتونين والسيروتونين المنظمَين لدورة النوم والاستيقاظ، فيضبطهما ومن ثم تتحسّن الحالة المزاجية.

اقرأ أيضاً: لِمَ الضوء الطبيعي مهم لعافيتنا؟

ما هدف العلاج النفسي بالضوء؟

أكدت مقالة بحثية نشرتها جامعة أثاباسكا الكندية (Athabasca University) أن الأشخاص الذين تعرضوا لجلسات العلاج بالضوء لاحظوا تحسناً في مستوى اليقظة والحالة المزاجية إلى جانب زيادة الطاقة والانتباه والتركيز، وهذا ما يجعل العلاج بالضوء فعالاً لمواجهة اضطرابات نفسية عدة إلى جانب الاكتئاب؛ ومن أهمها بحسب المختصة النفسية دانييل باتشيكو:

1. الاكتئاب الموسمي

ينتشر هذا النوع من الاكتئاب في فصليّ الخريف والشتاء، ويحدث نتيجة التغيرات التي تطرأ على ضوء الشمس، ويترافق غالباً مع ظهور صعوبات في النوم والشعور بالنعاس رغم النوم الكافي. ويرتبط الاكتئاب الموسمي باختلال توازن السيروتونين في الدماغ وزيادة إفراز الميلاتونين؛ ما يُحدث حالة من المزاج السيئ والخمول يستطيع العلاج بالضوء مواجهتها.

2. الأرق

يوصف الأرق بأنه مواجهة صعوبات في النوم أو انخفاض جودته، وعندما يستمر لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر يصبح في هذه الحالة مزمناً، وقد يترافق مع الأرق بعض اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب أو القلق وهذا ما يجعل العلاج بالضوء حلاً فعالاً لمن يعانون منه.

3. اضطراب إيقاع النوم

يختلف اضطراب إيقاع النوم عن الأرق في أنه ناتج من عوامل أكثر وضوحاً مثل العمل الليلي أو السفر في رحلات جوية طويلة ما قد يؤدي لاضطراب الساعة البيولوجية، وفي هذه الحالة يساعد العلاج بالضوء على إعادة ضبطها.

فوائد العلاج بالضوء للاكتئاب

يؤكد المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية أن فعالية العلاج بالضوء في الاكتئاب الموسمي لا شك فيها؛ لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أنه رغم عمل هذا النوع من العلاج على تحسين أعراض الاكتئاب إلا أنه غير قادر على تقديم علاج له، فهو يوفر فوائد قصيرة المدى يحتاج الشخص إلى الاستمرار في تلقي الجلسات من أجل الحفاظ عليها.

لكن واحدة من الفوائد الثمينة التي يحصل عليها من يُعالج بالضوء ابتعادُه عن الآثار الجانبية التي تسببها الأنواع الأخرى من العلاج، فالعلاج بالضوء بالمقارنة معها يُعد آمناً للغاية ولا يتعارض مع أنواع العلاج الأخرى، عدا في بعض الحالات مثل الإصابة بأمراض العين أو الحساسية للضوء.

الآثار الجانبية لعلاج الاكتئاب بالضوء

رغم إشارتنا في الجزء السابق من المقال إلى أن العلاج بالضوء يجنب المريض مخاطر الآثار الجانبية للعلاجات النفسية الأخرى إلا أن ذلك لا يعني انعدامها؛ إذ إن الأمر لم يُحسم بشكل نهائي فبعض الدراسات العلمية القديمة كان قد توصل إلى أنه يزيد خطر الإصابة بسرطان الجلد، بينما ذهبت دراسات حديثة إلى تأكيد أنه لا يشكل أي مخاطر.

وفيما يبدو فالأمر يتعلق بقدر تعرّض المرء للضوء، فوفقاً لمقالة علمية صادرة من جامعة غراتس النمساوية (University of Graz)؛ يمكن أن يؤدي التعرض الزائد للضوء الصادر عن صناديق الضوء إلى تراجع قدرة الجهاز المناعي ما يصيب الجسم بالأمراض والالتهابات والتي من ضمنها سرطان الجلد.

لكن بحسب الطبيب النفسي مارك لينر (Marc Lener) فهناك أشخاص ينبغي لهم تجنب العلاج بالضوء؛ وهم الذين يعانون من حالات طبية تزيد حساسية أعينهم للضوء، وأولئك الذين يتناولون بعض الأدوية مثل المضادات الحيوية أو مضادات الذهان التي تزيد الحساسية للضوء، وكذلك الأشخاص الذين تنتمي بشرتهم إلى البشرة الحساسة أو يعانون من أمراض في أعينهم أو لديهم تاريخ من الإصابة بسرطان الجلد.

وهناك بعض الآثار الجانبية المحتمَلة عند العلاج بالضوء؛ أبرزها الصداع وإجهاد العينين وظهور مشكلات في النوم والإعياء وضبابية الرؤية.

طرق بديلة لعلاج الاكتئاب

تتنوع الطرائق البديلة التي قد تجدي نفعاً في علاج الاكتئاب، وتذكر لنا الطبيبة ليزا رانكين (Lissa Rankin) أهمها:

  1. احرص على تحريك جسمك قدر الإمكان بمختلف الطرائق، فالتمرينات الرياضية قادرة على إطلاق هرمون الإندروفين الذي يحسن حالتك المزاجية.
  2. تعرّض لأشعة الشمس متى استطعت، وذلك بهدف تحسين حالتك المزاجية وزيادة مستويات فيتامين (د) الذي يؤدي نقصه إلى الإصابة بالاكتئاب.
  3. التزم بنظام غذائي متوازن يشمل الوجبات الثلاث الرئيسية من أجل الحفاظ على استقرار نسبة السكر في الدم؛ ما يسهم في استقرار مزاجك.
  4. مارس تمارين التأمل فهي تهدّئ عقلك وتجعلك تشعر بتحسّن حالتك النفسية.
  5. الجأ إلى معالج نفسي إذا لم تُجدِ الطرائق السابقة في مواجهة الاكتئاب الذي أصابك.

يجب ألا نُغفل أن العلاج بالضوء قد لا يناسب الجميع؛ لكنه رغم ذلك يظل علاجاً فعالاً لمن يعانون من الاكتئاب الموسمي ومشكلات النوم، لذا في حال كنت تعاني من اضطراب إيقاع حياتك مع غياب الشمس فلا تتردد في اللجوء إليه.

المحتوى محمي !!