ملخص: قد تكون خيانة الأصدقاء أمراً مدمراً يؤثر في الصحة النفسية والجسدية والعلاقات الاجتماعية اللاحقة، لذا من المهم اتخاذ الخطوات اللازمة نحو الشفاء والرعاية الذاتية عند التعرض لها.
يوم 15 مارس/آذار قبل الميلاد بـ 44 عاماً، انهالت 23 طعنة على الجنرال والقائد الروماني يوليوس قيصر؛ 60 شخصاً من أعضاء مجلس الشيوخ الروماني وزملائه السياسيين طعنوه حتى الموت. ومع ذلك، لم يكن للخناجر الألم ذاته، فمن بين المتآمرين كان ماركوس بروتوس؛ وهو الصديق الذي أحبه القيصر ووثق به، وقد طعن بروتوس خنجره في ظهر القيصر مصيباً قلب الثقة والصداقة.
روى شكسبير أن القيصر عندما أدرك طعنة صديقه قال متألماً: "حتى أنت يا بروتوس!"، في حين يقول بعض المؤرخين أن كلمات القيصر الأخيرة كانت: "حتى أنت يا بنيّ!"، وربما لم يقل القيصر شيئاً لأن الكلمات تعجز عن وصف الألم؛ ألم خيانة الصديق.
وفي الواقع، ليس بالضرورة أن يمسك الصديق خنجراً ويطعن به ظهرك ليكون خائناً؛ وإنما قد يخونك بكلمة أو موقف أو ردة فعل، وهذه الخيانة تؤلم مثل الخنجر وربما أكثر.
خيانة الأصدقاء خنجر لا يغتال الجسد؛ وإنما يغتال الثقة وسنوات العمر والصحة النفسية. إليك تأثير خيانة الأصدقاء في الصحة النفسية، وكيفية التعافي منها.
اقرأ أيضاً: 6 إشارات تنذرك بالابتعاد عن صديقك
كيف تؤثر خيانة الأصدقاء في الصحة النفسية؟
تسبب الخيانة الشعور بالأذى جرّاء أفعال متعمدة أو إهمال يقوم بها شخص موثوق، وقد تكون صدمة مؤلمة تسبب الشعور بالبؤس والهمّ.
ومن أشكال الخيانة الأكثر شيوعاً بين الأصدقاء: الإفصاح الضار عن المعلومات السرية، أو عدم الوفاء، أو قلة الأمانة. ومن الآثار النفسية الشائعة لهذه الخيانة: الشعور بالخسارة والحزن، وتضرر تقدير الذات، والشك بالنفس، والغضب، بالإضافة إلى أنها قد تسبب تأثيرات أكثر خطورة مرتبطة باضطرابات القلق؛ مثل اضطراب الوسواس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة.
ويمكن القول إنه وعندما يصبح المكان الذي نلجأ إليه الحصول على المساعدة والحماية من أضرار الحياة هو مصدر الضرر، فإن الألم الناتج من هذا النوع من الخيانة قد يصل إلى مستوىً يُعرف بـ "صدمة الخيانة"، وصدمة الخيانة هي نظرية اقترحتها الأستاذة والباحثة في علم النفس، جينيفر فريد (Jennifer Fred) عام 1991، ويمكن تعريفها بأنها التأثير العاطفي الذي يختبره الشخص بعد انتهاك ثقته أو رفاهيته، سواء من قِبل الأشخاص أو المؤسسات ذات الأهمية في حياته.
لصدمة الخيانة أعراض أو حالات صحية شديدة التأثير في الشخص مثل: اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق، والانعزال، وصعوبة التركيز، وعدم التنظيم العاطفي، ومشكلات الثقة بالآخرين، والآلام الجسدية، ومشكلات الجهاز الهضمي، وتعاطي المخدرات، واضطرابات الأكل.
وقد يميل الأشخاص الذين يعانون من صدمة الخيانة إلى المعاناة من الاضطرابات الانشقاقية؛ وهي آلية نفسية دفاعية تُفصل فيها الأفكار والمشاعر المهددة عن بقية النفس؛ أي أنها الهرب من الواقع بطرائق لا إرادية وغير صحية قد تسبب العديد من المشكلات التي تعوق أداء المهام اليومية.
وفي المقابل، وعلى الرغم من الانفصال عن الصدمة، فإن هؤلاء الأشخاص قد يكافحون مع عواقب الانفصال الشديد لعواطفهم ومشاعرهم وردود أفعالهم تجاه صدمة الخيانة، ومن الشائع أن يعالج الناس أنفسهم باستخدام الطعام، أو العلاقات الاجتماعية، أو الجنس، أو المخدرات، أو أي شكل آخر من أشكال الإلهاء.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شخص يقلل من قيمتك؟
كيفية التعامل مع خيانة الأصدقاء والشفاء منها
قد يكون التعرض لخيانة الأصدقاء أمراً مدمراً يؤثر في صحتك النفسية والجسدية وعلاقاتك اللاحقة، لذلك من المهم معالجة الخيانة التي واجهتها واتخاذ الخطوات اللازمة نحو الشفاء والرعاية الذاتية. وإليك بعض الخطوات التي من شأنها أن تساعدك على ذلك:
1. اعترف بالخيانة
الخطوة الأولى هي الاعتراف بأن الخيانة قد حصلت؛ فكِّر فيها بشكل واضح وتقبّل حدوثها بدلاً من أن تعيش في حالة إنكار.
2. تعامَل مع مشاعرك
من المفهوم تماماً أن تشعر بالغضب أو خيبة الأمل أو الخجل أو الألم العاطفي، ومن المفيد أن تدرك هذه المشاعر السلبية لكن دون أن تنغمس فيها أطول من اللازم. قد يكون من المفيد أن تدوِّنها في مذكراتك، فذلك قد يساعدك على تحديد المشاعر التي تمر بها وخلق مساحة للتأمل بدلاً من قمعها أو تجنُّبها.
3. فكِّر في الموقف وقيّمه
فكِّر في ما حدث ولماذا حدث وكن صادقاً مع نفسك؛ إذ وعلى الرغم من أن ما حدث من خيانة صديقك ليس خطأك فعلياً؛ لكن عليك أن تسأل نفسك إن لعبت دوراً أو أسهمت بشكل ما، ولو دون قصد، في حدوث ما حدث.
لا يتعلق الأمر بإلقاء اللوم على نفسك؛ وإنما بالنظر بموضوعية إلى الصورة الكاملة. تحدَّث إلى صديقك وحاول أن تفهم وجهة نظره وشعوره، واطلب منه توضيحاً بخصوص أي سوء تفاهم أو تساؤلات تملكها.
4. خُذ وقتاً كافياً للراحة والحزن
إذا شعرت أن علاقتك مع هذا الصديق قابلة للإنقاذ، فخُذ بعض الوقت للشعور بالراحة. تأمل أو تسوّق أو ارقص أو افعل أي شيء تستمتع به لتشعر بتحسن.
من المرجح أن تجد حلاً مفيداً في أثناء القيام بشيء تستمتع به، وقد يساعدك هذا الوقت على فهم ما حصل، ووضع حدود ثابتة في علاقتك به لحماية صحتك الجسدية والعاطفية والنفسية.
وتذكّر أنه لا بأس من أن تحزن، فالعلاقة مع هذا الصديق قد تغيرت سواء كنت تسعى إلى إصلاحها أو التخلي عنها.
اقرأ أيضاً: الانسجام بين الروح والعقل مفتاح السعادة والثقة بالنفس
5. تعاطَف مع نفسك
اعترف بشجاعتك وأنك اكتشفت المزيد عن نفسك وعن الحياة؛ إذ يمكن أن تؤدي الخيانة إلى النمو والحكمة والنضج. تجنَّب لوم نفسك، ولا تفترض أن ما حدث هو خطؤك أو أنك دائما تفسد الأمور، وتجنَّب الإفراط في التعميم مثل أن تقول: "هذا يحدث لي دائماً"، لأن التعميم المفرط يؤدي إلى الاكتئاب.
تذكّر أن الجميع يرتكبون الأخطاء، وأن الحوادث السيئة تحدث للجميع، أما لوم نفسك على ما حدث قد يمنعك من المضي قدماً ويصعّب عملية الشفاء.
6. تعرّف إلى الأنماط
إذا تعرضت لصدمة الخيانة في الماضي، حاول أن تدرك كيف تؤثر تلك الصدمة في علاقاتك في الوقت الحاضر، وتذكّر أنك تستحق أن تمتلك علاقات داعمة متبادَلة.
7. تقبَّل خسارة الصداقة
في بعض الأحيان، قد يكون الوقت حان لقطع العلاقة والمضي قدماً. عليك أن تتقبل أن بعض الأشياء لا يمكن إصلاحها، وأنه لا بأس من الانسحاب من الصداقة. لكن وفي حال اتخذت هذا القرار، فتأكد من الالتزام به، وتذكَّر ما الذي أوصلك إليه في المقام الأول.
اقرأ أيضاً: من الإنكار إلى القبول: دليلك للتعامل مع ألم الفقد
8. اعتبره درساً في الحياة
فكر في الأمر على أنه درس قد تعلمته، فعلى الرغم من أنه لا يمكنك التحكم فيما إذا كان صديق آخر سيخونك في المستقبل؛ لكنك أصبحت تعلم الآن كيف تتعامل مع الموضوع في حال حدث، وبتّ تدرك الآن أن ثمة أشخاصاً لا يمكنهم الاحتفاظ بالأسرار حتى ولو كانوا أقرب الأصدقاء، لذلك فكِّر ملياً قبل إخبار شخص ما بسر كبير، وبخاصة إذا كان هذا الشخص لا يستطيع الاحتفاظ بالأسرار.
9. تعلَّم أن تثق مرة أخرى
قد لا يكون من السهل أن تثق بالآخرين بعد خيانة صديق سابق، ومع ذلك، حاول أن تركز على السمات والسلوكات التي يمتلكها صديقك وتحدد الصفات والسلوكات التي تبحث عنها في صداقة أخرى، وحاول أن تفهم ما تعنيه الثقة بالنسبة إليك، وأن تدرك أن لديك أصدقاء جيدين ومخلصين، فليس الأصدقاء كلّهم خائنين.
على كل حال، خذ وقتك في التعافي من خسارتك، واعتنِ بنفسك في أثناء هذه الفترة بأن تفعل الأشياء التي تستمتع بها كل يوم؛ كالقراءة أو مشاهدة التلفاز أو الرقص أو الرسم، أو أن تنضم إلى مجموعة دعم لتكوين صداقات جديدة، وأن تمارس طرائق تساعدك على الاسترخاء مثل التأمل أو اليوغا أو التدليك أو المشي في الطبيعة، وبالطبع احصل على قسطٍ كافٍ من النوم ومارس الرياضة بانتظام، واتبع نظاماً غذائياً صحياً.
اقرأ أيضاً: 7 أدلة على عدم تطور ذكائك العاطفي في الصغر
10. اطلُب الدعم أو العلاج
من المفيد أن تطلب الدعم من صديق أو قريب تثق به للحصول على الراحة والدعم وترتيب أفكارك، أو أن تطلب العلاج من المختصين النفسيين الذين سوف يساعدونك على التأقلم والتعامل مع الموقف بفعالية كبيرة، خصوصاً في حال كنت تكافح من أجل المضي قدماً.