ما العلاقة بين تنظيف غرفتك وتغيير حياتك إلى الأفضل؟

جوردان بيترسون
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: اكتسبت نصيحة عالم النفس الكندي المعروف، جوردان بيترسون: “نظّف غرفتك”، شهرة كبيرةً لأنه قدّم من خلالها إرشاداتٍ عملية ودعوةً صريحة إلى تحمّل المسؤولية الشخصية، والانطلاق نحو عملية تحسين الذات وتطويرها. تعرّف إلى تفاصيل أكثر في هذا المقال.

“إذا كنت تريد تغيير العالم، فابدأ بترتيب سريرك”: مقولة شهيرة من خطابٍ للأدميرال الأميركي السابق، وليام ماكرافين (William McRaven)، نابعة من تدريبات البحرية الأميركية الصارمة. غير أن هذه الفكرة البسيطة وغير المنمّقة مثل أيّ نصائح تحفيزية أخرى؛ هي فلسفة قائمة بحد ذاتها تستند على مبادئ مهمة في علم النفس.

ترتيب سريرك أو غرفة نومك بنفسك ليس نصيحة موجّهة إلى المراهقين فقط، ولا يندرج حصراً ضمن تدريبات جنود البحرية؛ إنه فلسفة حياة موجّهة إلى الجميع. وكلّ شخصٍ، مهما كان عمره أو جنسه أو مكانته الاجتماعية، يمكنه بالتأكيد أن يستفيد من ممارسةٍ بالغة الصِّغَر لا تتطلّب مجهوداً عضلياً ولا فكرياً ملحوظاً؛ لكنّها تحمل مفاتيح تحمّل المسؤولية الشخصية بوعي وهدفٍ واضح.

شخصية فريدة أخرى، سيركز عليها هذا المقا، تشجّع فلسفة تحمّل المسؤولية الشخصية بدءاً من ترتيب سريرك وتنظيف غرفتك. إنّه أستاذ علم النفس الكندي، جوردان بيترسون (Jordan Peterson)، الذي يؤكّد أهمية بناء الكفاءة الذاتية (Self-competence) من خلال تنظيف المساحة المباشرة وتنظيمها أوّلاً قبل الانطلاق في معالجة أمور حياتية أخرى.

حيث يُعدّ تولي مسؤولية بيئتك المباشرة خطوة حاسمةً نحو أن تكون مسؤولاً عن حياتك؛ نظراً إلى أن بدء مهمة صغيرة يمكن التحكّم فيها، يمكّن الأفراد من توسيع شعورهم بالنظام والمسؤولية ليشمل جوانب أخرى من حيواتهم.

“نظّف غرفتك”:كيف يساعدك السهل الممتنع على التحكّم في حياتك؟

“نظّف غرفتك” (Clean your room)؛ عبارةٌ اشتهر بها جوردان بيترسون في محاضراته ومقابلاته. لاقت هذه النصيحة، على الرغم من بساطتها، صدىً واسعاً لدى الكثير من الناس، ولا سيّما فئة الشباب من جيل الألفية الذين يسعون إلى إحداث تغييراتٍ بارزة في العالم تخصّ الأنظمة الاقتصادية وتغيّر المناخ.

إذ يركّز بيترسون دائماً على دفعهم إلى تحمّل المسؤولية تجاه حيواتهم واتخاذ خيارات واعية وهادفة، فالشاب الذي لا يحافظ على نظافة غرفته، لن يبلغ كامل إمكاناته وفقاً لبيترسون؛ وذلك لأن حالة المكان الذي نعيش فيه تعكس قدراتنا على إدارة أمور حيواتنا؛ أيّ إذا لم نتمكّن من الحفاظ على مساحاتنا الخاصة نظيفةً ومنظّمةً، لن نستطيع التعامل مع بقية التحديّات التي تُلقيها صعوبات الحياة في وجوهنا، هذا بالإضافة إلى أن عدم القدرة على الاهتمام بالمحيط الشخصي يمكن أن يزيد معدلات القلق والاكتئاب.

واحد من الأسباب الأخرى الذي يُبرز أهميّة هذه النصيحة هو أن تنظيف المساحة الخاصة وتنظيمها يساعد على التحكّم في الأفكار والعواطف، ما يؤدّي إلى حياةٍ أكثر إيجابية ونجاحاً، فلا يتعلق الأمر فقط بجعل الأشياء تبدو جميلة ومرتّبةً؛ إنها إشارة إلى نفسك بأنك تسيطر على الأمور وتجري تغييرات إيجابية.

مَن هو عالم النفس الإكلينيكي المشهور جوردان بيترسون؟

يُعد جوردان بيترسون (Jordan Peterson) شخصيةً بارزة في مجالات علم النفس والأوساط الأكاديمية والخطابة العامة، فهو مؤلفٌ ومحاضرٌ عالمي وعالمُ نفس إكلينيكي وأستاذٌ فخري في جامعة تورنتو (University of Toronto) في كندا. درّس 20 عاماً في جامعة هارفارد (Harvard University)، وجامعة تورنتو؛ حيث حافظ خلال هذه الفترة على ممارسةٍ سريرية واستشارية ساعد بوساطتها العديد من العملاء على التعامل مع تعقيدات حيواتهم ومواقفهم الصعبة.

كما ألقى محاضراتٍ عديدة أمام طلاب الجامعات في كامبريدج (Cambridge)، وأكسفورد (Oxford)، وتُعرف جولات كتبه بوصفها أكثر جولات الكتب حضوراً في أنحاء أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا ونيوزيلندا كافةً.

وقد ألّف 3 كتبٍ شهيرة؛ وهي: “خرائط المعنى” (Maps of Meaning)، وكتابه الأكثر مبيعاً “12 قاعدة للحياة” (Rules for Life 12)، وكتاب “ما بعد النظام” (Beyond Order). ونشر بيترسون مع طلابه وزملائه أكثر من 100 ورقة علمية حول موضوعات إدمان الكحول، والسلوك المعادي للمجتمع، والعاطفة، والإبداع، والكفاءة والشخصية، ورُشّح لـ 5 أعوامٍ متتالية بوصفه أفضل محاضر جامعي في أونتاريو (Ontario) في كندا.

وتنتشر محاضرات بيترسون ومقاطع الفيديو والمقابلات التي تُظهر قدرته الاسثنائية على نقل المفاهيم النفسية المعقّدة وتحليلها بطريقة مبسطة وعملية يسهل فهمها وتطبيقها من قبل الجميع عبر الإنترنت؛ ما أكسبه شهرة عالمية غير مسبوقة بوصفه مفكراً وعالم نفس ذائع الصيت.

تساعد برامج بيترسون التي أنتجها عبر الإنترنت ومحاضراته الأشخاص على فهم أنفسهم على نحو أفضل وتحسين أدائهم النفسي والعملي. وقد ساعد برنامج له عن التأليف الذاتي (Self Authoring)، وفقاً لموقعه، أكثر من 200 ألف شخصٍ على حلّ مشكلات ماضيهم، وتصحيح عيوب شخصياتهم، وتعزيز فضائلهم، وتحسين مستقبلهم جذرياً.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تنظيف المنزل في صحتك النفسية؟ وكيف تدمجه في روتينك اليومي؟

ما أشهر نصائح جوردان بيترسون النفسية؟

إضافة إلى تخصّصه في علم النفس الإكلينيكي، يراه الكثيرون واحداً من أكثر الفلاسفة تأثيراً في العصر الحديث، وهو معروف بآرائه المثيرة للجدل وتفكيره النقدي، واستعداده لمعالجة معظم القضايا المجتمعية من زاوية نفسية وفلسفية مختلفة عما هو شائع.

لقد وجدت محاضرات جوردان وكتاباته طريقها إلى نخبة المجتمع من القادة السياسيين ورجال الأعمال؛ لكنه اكتسب شهرته الواسعة من تعمّقه في إيجاد حلولٍ عمليةٍ للمشكلات الشخصية التي قد يواجهها الأشخاص العاديون مستعيناً في ذلك بخبرته في العمل معالجاً نفسياً لسنواتٍ عديدة. ومن بين مئات الأفكار الملهمة التي عُرف بها، وتُمكن لأي شخصٍ الاستفادة منها، استخلصت 7 نصائح واقتباسات مرتبطة، أذكرها كالتالي:

  1. لا تقارن نفسك بالآخرين: “لا تقارن نفسك بالآخرين؛ قارن نفسك بمن كنت بالأمس”.
  2. حدّد اتجاهك وهدفك في الحياة: “يجب أن تحدّد إلى أين تتّجه في حياتك؛ لأنك لن تستطيع الوصول إلى هناك إلا إذا تحركت في ذاك الاتجاه. التنقّل العشوائي لن يدفعك إلى الأمام؛ بل سيخيّب ظنك، ويُحبطك، ويجعلك قلقاً وغير سعيد، وشخصاً يصعب التعايش معه”.
  3. واجه تحديات الحياة بطواعية: “واجه متطلّبات الحياة بِمحض اختِيارِك، تَجاوب مع التحدي عوضاً عن الاستعداد للكارثة”.
  4. تجنّب المتع الفورية: “الناجحون بيننا يؤخّرون المتعة، ويساومون على المستقبل”.
  5. تحمّل مسؤوليتك كاملةً: “لا أحد يتملّص من أي شيءٍ على الإطلاق؛ لذا تحمّل مسؤولية حياتك الخاصة”.
  6. قل الحقيقة: “إذا لم تكن حياتك كما كان ممكناً أن تكون، حاول قول الحقيقة. إذا كنت متمسّكاً بشدّة بأيديولوجيةٍ ما، أو غارقاً في العدمية، فحاول قول الحقيقة. إذا كنت تشعر بالضعف والرفض واليأس والارتباك، فحاول قول الحقيقة”.
  7. أعطِ معنىً لمعاناتك: “قبل أن يُغريك قول إن الحياة لا معنى لها، حاول أن تسأل نفسك هذا السؤال: “ما سبب معاناتي؟”؛ لأن هذه المعاناة التي تعيشها هي مؤشّرٌ جيّد إلى أن شيئاً ما يجب أن يتغيّر”.

5 مزايا نفسية كامنة وراء منزلٍ مرتّب ونظيف

يشير خبراء الصحة النفسية إلى العلاقة المتبادلة بين محيطنا وعافيتنا النفسية، فعندما نتعرّض إلى ضغط شديد، قد ينعكس ذلك على أماكن سكننا؛ ما يؤدّي إلى مزيدٍ من التوتّر والقلق وصعوبات التركيز. قد لا تكون المنازل النظيفة والمرتّبة العامل الرئيس في تمتّعنا بصحة نفسية جيّدة؛ لكنها بالتأكيد تمثّل أحد العوامل المساعدة على الشعور بالتحسّن. وفيما يلي 5 مزايا يمكن أن تحفّزك لتجنّب الفوضى في مساحتك الخاصة وبدء روتين التنظيف والترتيب على نحو دوري:

  • استرجاع شعور النظام والتحكّم: يمكن أن يساعد النظام في المحيط الخارجي على الشعور بقدرةٍ أكبر على إدارة بعض حالات الفوضى المرتبطة بالمماطلة، والشعور بالإرهاق، وانخفاض جودة الحياة؛ لأن بيئاتنا الخارجية يمكن أن تكون حاويةً لحالاتنا العاطفية والنفسية.
  • تحقيق الألفة والاتّساق: لا يعني الحفاظ على النظام أن يكون كلّ شيءٍ مرتّباً على نحو مثالي ومتناسق الألوان؛ لكن الحفاظ على ترتيب أغراضك المنزلية يمكن أن يوفّر الألفة والاتّساق اللذين تحتاج إليهما من أجل تعزيز شعور الاستقرار.
  • المساعدة على إفراز الإندورفين: يمكن أن يساعد التنظيف على إطلاق هرمون الإندورفين (Endorphin)؛ وهو يؤدّي دور المسكّن للألم، ومخفّف للتوتّر، ويعزّز رفاهيتنا بصفة عامة.
  • تحسين القدرة على التركيز: يُتيح التخلّص من الفوضى التركيز على المهام واحدة تلو الأخرى لأن وجود الكثير من العناصر في مجال رؤيتنا يشتّت قدرة الدماغ على معالجة المعلومات.
  • المساعدة على تنظيم العواطف: يمكن أن توفّر عملية التنظيف العميق (Deep Cleaning) تأثيراً مهدّئاً في أثناء المواقف الصعبة لكونها تتطلّب مناّ التباطؤ؛ ما يساعدنا على استكشاف عواطفنا وإدارتها؛ ومن ثَمّ حمايتنا من الإحباط على نحو كبير.

اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من وسواس النظافة؟ 5 طرق علاجية ستنقذك؟

ما الأضرار النفسية لانتشار ثقافة “الكراكيب” في المنطقة العربية؟

وعلى الرغم من أن التنظيف العميق والترتيب والتخلّص من الفوضى والأغراض غير الضرورية قد يبدو مفهوماً بعيداً بعض الشيء عمّا هو معتاد في الثقافة العربية، فاستشاري الصحة النفسية، وليد هنداوي، يشير إلى المفاهيم الخاطئة التي تنتشر في مصر والمنطقة العربية حول أهميّة الاحتفاظ بالأغراض المنزلية في الأغلب بسبب ارتباطاتها العاطفية أو الاعتقاد بفائدتها لاحقاً.

ويؤكّد الأضرار النفسية التي يمكن أن تتسبّب فيها “الكراكيب” في المنزل؛ ومن بينها توتّر الأطفال الذين ينشئون في بيئاتٍ تميل إلى الفوضى والاكتناز وعصبيتهم؛ حيث يميلون إلى عدم الانضباط في فصولهم الدراسية وعصيان السلطة الوالدية؛ وذلك لأن المحيط الفوضوي يؤثّر في القدرة الذهنية على التنظيم.

ربّما يتطلّب تغيير ثقافةٍ خاطئة الكثير من الجهد؛ ما يجعل من نصيحة جوردان بيترسون الخطوة الأكثر فعالية لتعزيز حسّ النظام والاستقرار في حيواتنا. ناهيك بالمزايا النفسية العديدة للتنظيف والترتيب التي تبدأ من بناء الكفاءة الذاتية إلى بلوغ كامل إمكاناتنا الشخصية. وحتّى إن لم نتمكّن من تغيير العالم، فكما يقول الأدميرال الأميركي، وليام ماكرافين؛ على الأقلّ سوف نرجع في نهاية اليوم إلى غرفة نومٍ نظيفة ومرتّبة، وذلك مكتسبٌ يجب عدم الاستهانة به في عالمنا اليوم.

error: المحتوى محمي !!