كيف تساعد تمارين التنفس في الاسترخاء وتخفيف التوتر؟

4 دقائق
تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر

يسبب التوتر رد فعل داخل أجسادنا، ممهداً لحصول سلسلةٍ من التغيرات الجسدية مشابهةٍ لحد كبير لما يحدث عند القلق. ولأن هذه التغيرات قد تكون سلبيةً وغير صحية، فعادةً ما يوصي علماء النفس والمهتمون بالصحة النفسية والعقلية، بممارسة تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر. ما هو التوتر؟ وما هي تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر؟

كيف يختلف التوتر عن القلق؟

التوتر هو استجابة الجسد والعقل للمؤثرات الخارجية ما يسبب تغيرات جسدية غير محببة تتسم بالسلبية. وقد تنشأ من هذه التغيرات الجسدية حالة تأهب داخل الجسم دائمة تُعرف بـ "استجابة الكر والفر" (Fight-or-Flight Response). على سبيل المثال، يرتبط التوتر في بعض المراحل المتقدمة بشكل مباشر بأعراض جسدية مثل ارتفاع الضغط، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وضعف الجهاز المناعي. وقد يساهم التوتر أيضاً في أمراض مثل الربو، والسرطان، وبعض الأبحاث الحديثة تربطه بتسريع عملية الشيخوخة.

للتعامل مع التوتر (Stress) بشكل سليم؛ يجب تمييزه عن القلق (Anxiety). على الرغم من استخدام المفهومين بشكل متوازٍ في بعض الأحيان - أي أن يحل أحدهما محل الآخر؛ إلّا أنهما يحملان معنيين مختلفين. في مقال ”هل أنا قلق أم متوتر فقط؟“ المنشور على هارفارد بزنس ريفيو، نجد أن التوتر هو رد الفعل الذي يحصل نتيجة مؤثر خارجي (External Stimuli)، وبذلك يكون سببه واضحاً ومعروفاً لدى الشخص المتوتر، وحينما يزول ذلك السبب الخارجي، تنتهي فترة التوتر التي يعيشها الإنسان. أمّا القلق فيختلف عن التوتر؛ إذ أنه ينبع من الداخل؛ أي كأن يكون نتيجة مشاعر الخوف أو الأفكار المقلقة، أو في معظم الأحيان بلا سبب واضح ومعروف. والفرق الآخر يتمثّل في أن القلق يستمر لفترة أطول، ويطول معه رد الفعل الذي ينتجه الجسم.

عندما درس العلماء رد الفعل الناتج عن التوتر، وجدوا أن التوتر قد يكون توتراً حاداً (Acute) أو توتراً مزمناً (Chronic). على سبيل المثال: رد فعل الجسم للتوتر الحاد الذي ينتج من وجود موعد ضيّق لتسليم ورقة الامتحان لا يماثل التوتر المزمن المرتبط بالتعايش مع ضائقة مالية لعدة ساعات أو أيام.

اقرأ أيضا: كيف نجد السعادة في حياتنا؟

ما هي تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر؟

للاسترخاء تمارين عديدة؛ مثل: تمارين استرخاء العضلات المتقدمة (Progressive Muscle Relaxation)، والتأمل اليقظ أو اليقظة الذهنية (Mindfulness Meditation)، واليوغا (Yoga) وتمرين "تاي تشي" (Tai Chi)، وتشي كونغ (Qi Gong)، والصلوات الروحانية المتكررة، والتأمل الموجّه (Guided Imagery) الذي يُبنى على تصوّر ذكرى سعيدة مع التركيز على التحكم بالتنفس، والملاحظ أن جميع هذه التمارين تعتمد بشكل رئيسي على التحكم بالتنفس، لذا سيتم التركيز عليه فيما يلي.

وجد الباحثون في إحدى الدراسات أن التأمل بطريقة معيّنة تم تحديدها للمشاركين مع التحكم بالتنفس، ساهم في الحصول على صحة نفسية وعقلية أفضل، وروابط اجتماعية أقوى، ومشاعر إيجابية، ومستويات أدنى من التوتر والاكتئاب، وشعور أفضل باليقظة الذهنية (Mindfulness). كما وجد العلماء في دراسة أخرى أُجريت في جامعة أريزونا، أن التحكم بالتنفس من تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر. سبّب التحكم بالتنفس نتائجَ مذهلةً عند استخدامه كاستراتيجية لإدارة التوتر؛ وذلك في وقت أقصر مقارنةً مع التأمل، ومصحوباً بأثر أقوى ولمدة أطول، بعد ثلاث أشهر من بدء الدراسة.

أيضاً؛ وجد العلماء أن هناك علاقةً وطيدةً بين التنفس والحالات العاطفية والنفسية التي يمر بها الناس؛ مثل الفرح أو الغضب أو الخوف أو الحزن. على سبيل المثال: يكون التنفس في لحظات الفرح منتظماً، عميقاً وبطيئاً، أمّا في لحظات القلق أو الغضب، فيكون غير منتظم، وموجزاً وسريعاً وغير ذي تأثير عميق (Shallow). بطبيعة الحال؛ يعتقد العلماء أن القدرة على التحكم بنمط التنفس وكيفيته ومدته وعمقه عند التعامل مع التوتر، يمكن أن يُنتج رد فعل إيجابي واستجابةً سويةً، لذا يمكن القول أن تمارين التنفس -باختلاف طرق عملها أو كيفية القيام بها- تُعتبر بشكل علمي مثبت من أنجع تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر؛ أي أكثرها فائدةً وفاعليةً.

تمرين التنفس العميق

على الرغم من تعدد أساليب التنفس العميق؛ يصح القول أن التفضيل الشخصي (Personal Preference) هو الذي يحدد أنسب طريقة لممارسة التنفس العميق، وهنا عدد من الخطوات المختصرة العامة التي تمكن الاستفادة منها لتنفيذ تمرين التنفس العميق بطريقة سهلة:

  1. يجب علينا إيجاد مكان هادىء، ومريح، وذي إضاءة مناسبة لنستطيع التركيز خلال القيام بتمرين التنفس العميق.
  2. لنقم بالجلوس بظهر مستقيم أو الاستلقاء - أيهما مريحٌ أكثر.
  3. لنجرب أولاً التنفس بشكل طبيعي.
  4. لنحاول التنفس بشكل بطيء من خلال الأنف.
  5. لنحرص على التنفس بهدوء حتى نستطيع ملء الرئتين ومنطقة البطن بشكل كامل.
  6. الآن نقوم بإخراج الهواء من خلال الفم أو الأنف -أيهما أكثر أريحيةً- بهدوء وبطء.

 

بالإضافة لما سبق؛ لتجربة أفضل يمكنكم ممارسة تمرين التنفس العميق بشكل منتظم، مع إغلاق العينين، والتركيز بشكل تام على التنفس، ومع التكرار يمكنكم ملاحظة التحسن والإتقان لعملية التنفس بشكل عام. ويجب التنويه أن الاعتياد على ممارسة تمرين التنفس العميق قد يستغرق بعض الوقت.

تمرين التنفس 8-7-4

هذا التمرين من تطوير الدكتور أندرو ويل، يتمحور أيضاً حول التحكم بالتنفس، ويُعد من تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر والنوم. قبل البدء في التمرين علينا التأكد مما يلي:

  1. نبدأ بالجلوس بظهر مستقيم في مكان هادىء، ومريح، وذي إضاءة مناسبة لنستطيع التركيز، ، أو الاستلقاء في حال الرغبة بالنوم.
  2. علينا وضع مقدمة ألسنتنا في النتوء العلوي للفم خلف الأسنان العلوية الأمامية طوال مدة التمرين.
  3. نقوم بإخراج الهواء فقط من خلال الفم بهدوء وانسجام.

ثم لبدء ممارسة تمرين التنفس 8-7-4؛ علينا القيام بالخطوات التالية:

  1. نقوم بإخراج الهواء من رئتينا بهدوء وببطء من خلال الفم.
  2. الآن نُحكِم إغلاق أفواهنا، ثم بهدوء نقوم بسحب الهواء عن طريق الأنف مع العد حتى الرقم أربعة في عقولنا.
  3. بعد ذلك؛ نقوم بكتم الهواء مع العد حتى الرقم سبعة في عقولنا.
  4. أخيراً؛ نقوم بهدوء وتوازن بإخراج الهواء عن طريق الفم فقط مع العد حتى الرقم ثمانية في عقولنا.

ما سبق من خطوات يمثل دورةً واحدةً من تمرين التنفس 8-7-4. وكما قيل عن تمرين التنفس العميق؛ أيضاً إغلاق العينين خلال ممارسة تمرين التنفس 8-7-4 يمكن أن يمنح تجربةً أفضل؛ حيث يتم التركيز بشكل كامل على التنفس. وتكرار ممارسة تمرين التنفس 8-7-4 بطبيعة الحال يساعد على النوم بشكل أسرع، ومن الممكن أن يساعد الشخص الذي يمارسه على إدارة حالة التوتر التي يمر بها.

ليس الهدف من تمرينيّ التنفس العميق والتنفس 8-7-4، حصر جميع تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر؛ ولكن كما ذكرنا سابقاً، فإن تمارين الاسترخاء المناسبة للتوتر تعتمد بشكل رئيسي على التحكم بالتنفس، فهو حجر الزاوية لجميع التمارين التي تساعد على التعامل مع التوتر. بالإضافة إلى أن الأمثلة السابقة ما هي إلا تطبيقات عملية يمكننا من خلالها إدارة حالة التوتر، والحصول على صحة نفسية وعقلية أفضل.

في النهاية، يجب أن لا ننسى أن تمارين الاسترخاء تساعدنا في التعامل مع الأسباب الخارجية التي تجعلنا نشعر بالتوتر وتجعلنا أكثر قدرة على خلق رد فعل إيجابي يتسم باستجابة سوية. وأيضاً أن تمارين الاسترخاء تساهم في تمكيننا من الحصول على صحة نفسية وعقلية أفضل، وروابطَ اجتماعية أقوى، ومشاعرَ إيجابية، ومستويات أدنى من التوتر.

المحتوى محمي