ترتبط نيكول ذات الخمسة وأربعين عاماً؛ والتي تعمل رئيسة قسم محاسبة، بعلاقات محدودة مع زملائها، وتشعر بوحدة شديدة. سجّلت نيكول نفسها في دورة أولى لممارسة التنفّس، ستغيّر بشكل عميق نظرتها لذاتها وعلاقاتها مع الآخرين.
المنهجية
تقول الاختصاصية والمعالجة النفسيّة ومؤسِسة معهد البحوث والدراسات في العلاج النفسي ما وراء الشخصي، "إيريت" برناديت بلين: "حين وصلت نيكول عندنا، بدت لي سيّدة انطوائيّة ومنزوية، نَفَسُها ضيّق، وتعطي الانطباع بأنها غير مقبلة على الحياة. وبالرغم من ذلك كانت تحمل آمالاً كبيرة ومخاوفَ بحجم آمالها؛ كان واضحاً أنها تجد مشّقة في العمل ضمن مجموعة".
يُمارس التنفس الشامل، المعروف بالهولوتروبيك، أساساً في دورات تدريبية تدوم يومين على الأقلّ: يتدرّب النصف الأوّل من المشاركين على تمارين للتنفّس في اليوم الأوّل، ومن ثم يواكبه النصف الثاني من المشاركين، وبعد ذلك يجري تبادل الأدوار في اليوم التالي. توضّح برناديت: "ننقسم إلى أزواج؛ أحدنا يتنفّس وهو مستلقٍ على الفراش، والآخر يرافِقُه ويجلس بقربه طيلة الجلسة بهدف خلق حالة ثقة بينهما".
وقد وجدت نيكول نفسها مع فاني؛ وهي سيّدة مفعمة بالحيويّة والدفء وسبق أن شاركت في العديد من الحصص المشابهة". تبدأ الجلسة بفترة استرخاء يشرف عليها المعالج النفسي، تليها تمارين تنفّس عميق على إيقاعٍ موسيقيٍّ متسارعٍ. تتّسم الموسيقى بإيقاع بطيء في البداية، يتسارع تدريجيّاً حتّى يصل إلى إيقاعٍ شديد السرعة. وأخيراً يسترخي المشاركون ويتركون المجال لأجسادهم حتّى تكرّر هذه العمليّة عن غير وعي. المرحلة الأولى هي ما يسمّى فرط التنفّس، وهي بذلك بداية هذه الرحلة.
تقول الاختصاصية النفسيّة إن: "نيكول تتنفّس كما تعيش؛ في حدود دنيا، لذا كانت تحتاج المساعدة حتّى تتنفس خلال الجزء الأوّل من هذه التمارين القائمة على استخدام موسيقى ذات إيقاع قويّ يحفّز الطاقة. بموافقتها، وضعتُ يديّ على بطنها وصدرها وساعدتُها بلطف على تسريع أنفاسها وتقويتها. حينها امتلأتْ عينا نيكول بالدموع قبل أن تنفجر بالبكاء، ليتضّح بعد ذلك أنّها استرجعت ذكرى وفاة كلبها وهي في التاسعة من عمرها".
لكن لِم هذه الذكرى بالذات؟ تكمن الإجابة في أن فرط التنفس يغيّر تركيبة الدم الذي يصير إثر هذه المرحلة أكثر حموضةً؛ ما يتسبب في تغيّرات في حالة وعينا، فأحياناً تمنحنا النفسُ مفاتيحَ تفسر مآزقنا اللاشعورية، وأحياناً أخرى تكشف لنا عن كنوز خفيّة.
لتفسير هذه النقطة تضيف برناديت: "خلال الجلسة، يمكن أن يكون سِجلّ التجارب الذاتية لا متناهٍ لأن هذا النمط من الوعي الشامل يسمح لنا بالنفاذ إلى كل أوجه الوجود؛ بما في ذلك تاريخنا البيولوجي والنفسي والاجتماعي والثقافي ومجموعة حقائق العالم المادّي وإلى كل المستويات التي تصفها التقاليد الروحانية. ويختلف هذا من شخص لآخر ومن مشكلة لأخرى؛ إذ بينما تتشكّل عند البعض رؤىً واضحة ودقيقة، يكتفي البعض الآخر باختبار أحاسيس حيويّة محدودة".
تكمن إحدى خصائص نمط التنفس الشامل في طول فترة "الرحلة" الذي يقارب الثلاث ساعات والذي يتيح للأشخاص الغوص في أعمق نقاط بواطنهم"، وتأخذ بعدها الموسيقى شكلاً هادئاً ولطيفاً يصحبها نشيد روحانيّ. "هنا تحديداً ظهرت لنا نيكول جديدة: مبتسمة ومتألقّة ومشرقة".
بعد انتهاء الجلسة، يتّجه كلّ مشارك إلى غرفة ليرسم الصور التي ترسّخت في ذهنه خلال هذه التجربة ويشارك ما عاشه خلالها مع البقيّة. تقول برناديت بلين: "أما عن نيكول، فقد أخبرتنا بأنها رأت امرأة لطيفة كانت تغنّي لها وتهمس في أذنها بأنها تستحق أن تكون سعيدة. وبالرغم من أن الرد يبدو بسيطاً فقد كان من الواضح أن التجربة قد غيرت حياتها؛ إذ بعد عام تخلّلته مشاركات عديدة في جلسات أخرى، التحقت نيكول بِكورال، مؤمنة بقدرة الموسيقى على مساعدتها على العيش والتواصل مع الذات، وقد كانت هذه الخطوة بالنسبة إليها بداية لحياة اجتماعية حقيقية".
نبذة تاريخية
ولد ستانيسلاف غروف في تشيكوسلوفاكيا سنة 1931، وعُيِّن سنة 1956 من قبل معهد أبحاث الطب النفسي في براغ لقيادة برنامج دراسي حول العقاقير المخدرة. طرح القدرة الشفائية لحالات الوعي المتغيرة قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة سنة 1967. وهناك، عُيِّن باحثاً وأستاذاً للطب النفسي في جامعة بالتيمور، والتقى بأبراهام آتش ماسلو وأسسا معاً علم نفس ما وراء الشخصية.
في عام 1975، حُظر استخدام المواد المخدرة؛ ما دفعه للتفكير في وسائل أخرى لإحداث حالات غير عادية من الوعي، وهو من طوّر تقنية التنفس الشامل من خلال الجمع بين العمل على التنفس والموسيقى وتقنيات إطلاق الطاقة مثل العلاج بنقاط الضغط (علاج شبيه بالعلاج بالإبر غير أنه يتم باستعمال الأصابع فقط).