تقنية إعادة الهيكلة المعرفية: كيف تستمد الإيجابية من المواقف السلبية؟

4 دقائق
إعادة الهيكلة المعرفية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: "غيِّر نظرتك إلى العالم، يتغيَّرُ العالم في نظرك"، يمكن وصف الجملة السابقة، على الرغم من بساطتها، بأنها من أكثر الجمل التي قد يساعدك تطبيقها عملياً في حياتك على مواجهة الصعاب وتغيير سلوكياتك المضرة المزعجة؛ لكن كيف يمكنك تحقيق ذلك؟ هذا ما سنعمل على توضيحه في مقالنا باستعراض تقنية إعادة الهيكلة المعرفية لتعيد تشكيل رؤيتك إلى العالم من خلالها.

عندما تحاصرنا الضغوط الحياتية من كل اتجاه، فغالباً ما نفسر المواقف التي تحدث لنا معظمها بتفسيرات سلبية، فيزداد وضعنا سوءاً. لكن ماذا لو حاولنا العمل على تغيير النظارة التي نرى بها تلك المواقف والأحداث، وذلك من خلال العمل على توظيف تقنية إعادة الهيكلة المعرفية في تغيير صياغة الأحداث وفهمها من زاويا أخرى غير الزاوية السلبية؟ هذا ما سنتعرف إليه بالتفصيل في مقالنا.

ما هي تقنية إعادة الهيكلة المعرفية؟

تتبع أفكارنا في العادة أنماطاً معينة نفسر من خلالها الأحداث التي تقع من حولنا، فتصبح هذه الأنماط منظاراً نشاهد به العالم ونتنبى وجهات نظرنا تجاهه. لكن في حال كانت هذه الأنماط مشوهة أو مبنية على استنتاجات أو معتقدات غير صحيحة، ستصيب مشاعرنا وسلوكياتنا اضطرابات تجعلنا غير قادرين على التكيف، فيزداد غضبنا أو توترنا، وقد نُصاب بالاكتئاب أو القلق.

وحتى تتضح الصورة أكثر، فالأفكار والمشاعر والأفعال المؤذية غالباً ما تقف وراؤها نظرة من 3 نظرات؛ إما النظرة السلبية إلى الذات وإما النظرة السلبية إلى العالم وإما النظرة السلبية إلى المستقبل. وهنا تظهر أهمية تقنية إعادة الهيكلة المعرفية، فهي تساعدنا على استبدال أنماط تفكير أكثر واقعية وإيجابية بأنماط التفكير السلبية أو غير المنطقية؛ ما ينعكس علينا بتحسن حالتنا المزاجية وتعزيز صحتنا النفسية.

وتهدف تقنية إعادة الهيكلة المعرفية إلى تحقيق 3 أهداف؛ الأول أن تصبح قادراً على وصف حالتك بدقة بعيداً عن تغليب عقلك السلبي لقتامة الواقع، أما الثاني فهو إدراكك لقوة شخصيتك وقدرتك على الاختيار وتغيير مجرى الأحداث وليس الاستسلام لها، وأخيراً القيام بالعصف الذهني لإيجاد وجهات النظر المختلفة بدلاً من وجهة النظر السلبية الوحيدة.

ومن الأمثلة لإعادة الهيكلة المعرفية؛ تحويل الصدمات النفسية إلى تحديات علينا مواجهتها بشجاعة، أو اعتبار اليوم السيئ الذي نعيشه مجرد محطة ضمن محطات حياتنا التي نسعد بالكثير من أحداثها، أو اعتبار الفشل فرصة للتعلم وتطوير الذات.

ويرى الطبيب النفسي السعودي، طارق الحبيب إن إعادة صياغة المواقف وتفسيرها بإيجابية يعالجان مواقف الإحباط السابقة. ويضيف إلى ما سبق الطبيب والباحث في الطب النفسي الإيجابي، بندر آل جلالة، فيؤكد إن البحث عن طرائق لإعادة صياغة الأحداث بإيجابية وواقعية لا يعني تجاهل الأخطار المحتملة؛ لكنه يعني ببساطة إعادة التركيز بحيث يعطي الشخص وزناً عادلاً للأحداث الجيدة.

كيف تؤثر تقنية إعادة الهيكلة المعرفية في صحتك النفسية؟

ستعلّمك إعادة الهيكلة المعرفية أن ترى الموقف نفسه بأكثر من طريقة، فتدرس الاحتمالات جميعها وتتسع رؤياك للواقع. وسينعكس ذلك على سلوكياتك إيجابياً، لتصبح أكثر مرونةً وتتسع مساحة تقبُّلك للآخرين وأخطائهم؛ ومن ثَمّ تصبح شخصاً يجيد الاندماج الاجتماعي والتفاعل الذكي مع المحيط.

علاوة على ذلك، يمكن أن تساعدك تقنية إعادة الهيكلة المعرفية على الحد من استجابتك الجسدية للتوتر؛ إذ إن المواقف الكثيرة التي تتوتر فيها غالباً ما يكون مصدرها تصوراتك وأفكارك وتوقعاتك وليس الأحداث الحقيقية. لذا؛ عندما تعيد فهم هذه المواقف بنظرة إيجابية ستجد أنك أصبحت أكثر قدرة على التأقلم والتعامل معها.

ولا يتوقف التأثير النفسي لإعادة الهيكلة المعرفية عند تخفيف التوتر؛ إذ إنها تعمل أيضاً على تقليل الاكتئاب وتعزز العافية النفسية، وتدعم الأشخاص الذين يتعافون من الإدمان في رحلة تعافيهم، وأيضاً تقلل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة واضطراب القلق الاجتماعي.

4 خطوات عملية تساعدك على تطبيق تقنية إعادة الهيكلة المعرفية

قد تود الاستعانة بتقنية إعادة الهيكلة المعرفية من أجل تغيير نظرتك تجاه المواقف التي تحدث في حياتك لكنك لا تعلم من أين تبدأ. لذا؛ نقدم إليك 4 خطوات فعّالة ستساعدك:

1. تعرَّف إلى أنماط تفكيرك

تسهم أنماط تفكيرك في تشكيل ردود أفعالك بدرجة كبيرة حسب نوعها، فإما أن تخفف من عناء حياتك وإما أن تزيده. لذا؛ تمثل الخطوة الأولى التعرف إلى هذه الأنماط حتى تصبح أكثر وعياً بتأثيراتها لتحد من بعضها أو تدعم بعضها الآخر.

2. راقِب أفكارك

عندما يزيد وعيك بأفكارك وارتباطها بسلوكياتك في حياتك اليومية ستكون أكثر تيقظاً لها، فتتدارك الأفكار السلبية منها مبكراً قبل أن تتحول إلى مشكلات تعوق تطور شخصيتك. وبالتوازي مع مراقبة أفكارك، جرّب ممارسة التأمل لتهدئ الصخب في عقلك وتزيد قدرتك على رصد ما يؤثر فيك ويزيد انفعالاتك السلبية.

3. لا تأخذ موقف المتفرج

عندما تلحظ أفكاراً سلبية، فلا تتردد أن تقف وقفة جادة للحد من تحكمها في حياتك، وحاول قدر الإمكان أن تستبدل بها أفكاراً أخرى إيجابية تساعدك على تغيير سلوكياتك المضرة؛ فمثلاً إذا كنت تركز في المواقف اليومية على ما يزعجك ويعكر صفو مزاجك، حاول أن تبحث عن النقاط المضيئة في الموقف أو على الأقل تستوعبه في إطار أشمل من خلال النظر إليها باعتباره موقفاً واحداً من مواقف عديدة؛ منها الإيجابي والسلبي، فلا يتمكن حينها من استهلاك طاقتك وإنهاء يومك مبكراً.

4. ضع الأمور في حجمها الطبيعي وابحث عن الحلول

سأبسّط لك هذه الخطوة بمثال متكرر؛ وهو أنه عند ذهابك إلى العمل، ربما تكون الطريق مزدحمة بعض الشيء؛ ما يجعلك تتوتر وتخاف أن يُخصم لك جزء من راتبك جرّاء تأخرك عن موعد بدء الدوام، وهنا يكون الحل الفعال في اتجاهين؛ الأول أن تستوعب أن هذا الازدحام المروري حالة مؤقتة ستنتهي لا محالة وتتقبلها وتضعها في حجمها المنطقي، أما الثاني فيكمن في البحث عن حلول فعالة تجعلك لا تتعرض لهذا الموقف مرة أخرى؛ مثل دراسة الطرق البديلة التي يمكن السير فيها للابتعاد عن الزحام.

أخيراً، أود أن أشاركك مقولة للفيلسوف الصيني لاو تزه (Lao Tzu)، ستعكس لك أهمية البدء في تفعيل تقنية إعادة الهيكلة المعرفية في حياتك: "راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات، وراقب كلماتك لأنها ستتحول إلى أفعال، وراقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات، وراقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، وراقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك"!