ملخص: هل تجد صعوبة في الاعتراف بضعفك ومشاركته مع مَن حولك؟ إذا كانت إجابتك بالإيجاب فدعني أخبرك بأنني حتى وقت قريب كنت أعاني ذلك أيضاً، وربما يُعد ذلك أحد أهم أسباب كتابتي لهذا المقال الذي أستعرض فيه الفوائد النفسية التي يمكن أن نجنيها إذا ما اعترفنا بطبيعتنا البشرية المتمثلة في كوننا نملك قدرات محدودة وتنتابنا بين الحين والآخر أوقات نشعر فيها بالضعف. لكن كيف نتمكّن من احتواء ضعفنا ومحدوديتنا من دون أن يجرنا ذلك إلى الانهزام والسلبية؟ ستجد الإجابة الوافية عن هذا السؤال في نهاية المقال.
يشير المختص النفسي أسامة الجامع إلى أن كل شخص منا له الحق كله في أن يجد مكاناً آمناً يمارس فيه ضعفه؛ لأنه لا يوجد أحد قوي على الدوام وتلك طبيعية إنسانية. وينصحنا الجامع بألا نسخط من ضعفنا حتى تستقر حالتنا النفسية، وأن نتقبله مثلما نتقبل قوتنا، ففترات ضعفنا فرصة لنتعلم كيف نصبح أقويا مجدداً.
ويتماشى الرأي السابق مع تأكيد المختص النفسي ليون سيلتزر (Leon Seltzer) إنه لا يوجد شخص يمكنه فعل كل شيء؛ لذا من الضروري أن نستوعب محدوديتنا ونتقبلها، ففي بعض الأحيان، ستهزمنا قيود الواقع، وحينها يجب علينا أن نضع خططاً بديلة للتعامل معها بكل مرونة بدلاً من محاولة تحطيمها. لكن كيف يمكننا فعل ذلك؟ هذا ما سيحاول المقال الإجابة عنه.
لماذا يُعد تقبُّل ضعفك ومحدوديتك ضرورياً لتتزن نفسياً؟
دعنا نعترف مبدئياً بأن لكل شخص منا حدوداً ناتجة من ظروفه وتجارب حياته ومهاراته وغيرها من العوامل الأخرى، هذه الحدود ستسبب وجود مجموعة من الاختيارات المتاحة ومجموعة من الاختيارات غير المتاحة، وهنا تظهر فكرة مغلوطة شائعة وهي أن الاعتراف بالمحدودية نوع من أنواع الضعف أو عيب يمس الشخصية؛ لكن في الحقيقة فإن عدم الاعتراف بالمحدودية يجعل الفرد غير مدرك لقيمته الحقيقة، وفي الوقت نفسه يمنعه من الاعتزاز بذاته وقيمتها مهما كانت والتعاطف معها.
ولذلك؛ عند إدراك المحدودية، ستتنامى القدرة على توظيف المهارات والإمكانات الشخصية بأفضل صورة ممكنة. على سبيل المثال؛ إذا كان الفرد يدرك حاجته إلى أخذ استراحة من العمل كل 4 ساعات فهذا سيجعل إنتاجيته أكثر اتزاناً وانضباطاً؛ بينما إذا أنكر محدوديته في هذا الجانب سيجد أنه يشعر بالإرهاق والاستنزاف ما يؤثر سلباً في استقرار عمله.
كما أن احتواء الضعف والمحدودية أحد العناصر الضرورية للنضج الشخصي، فهو يساعدك على العيش بأريحية أكثر بعد إدراكك أن هناك بعض الأمور العصية على التغيير، وأنك لا تملك السيطرة على مجريات الأمور كافةً، فحينها ستجد أنك وصلت إلى حالة متقدمة من السلام النفسي.
ليس هذا فحسب؛ بل إن معرفة نقاط ضعفك ستجعلك أكثر قوة؛ لأنك حينها ستدرك أين تكمن نقاط قوتك، وتعمل على الاستثمار فيها بدلاً من إهدار الوقت في محاولة القضاء على جوانب ضعفك، وأيضاً ستصبح أكثر تواضعاً؛ ما سيتيح لك فرصة أن تكون شخصاً حقيقياً وتلقائياً في أعين الآخرين وهذا سيجعلهم يرغبون في القرب منك لأنه لا يوجد أحد يحب رفقة المزيفين. وعلاوة عل ذلك، سيتيح لك تقبل محدوديتك وضعفك أن تتقبل مساعدة الآخرين لك وتتعلم من خبراتهم دون أخذ موقف دفاعي ضدهم بناء على أنك أفضل منهم.
اقرأ أيضاً: لماذا من الضروري أن تُظهر ضعفك لشريكك؟ وكيف تفعل ذلك؟
4 إرشادات عملية لتنجح في احتواء ضعفك ومحدوديتك
حسناً، ربما تجد نفسك تتساءل بعد قراءة الجزئية السابقة قائلاً: ما الذي يمكنني فعله لأسعد بفوائد تقبلي لضعفي ومحدوديتي؟ وإليك الإجابة في إرشادات عملية بسيطة:
- تعرَّف إلى نقاط ضعفك وحدود إمكاناتك جيداً، ويمكنك أن تحصرها بكتابتها وترتيبها لتصبح أكثر وعياً بها، ثم تعمل على تقبلها وتنظر إليها على أنها فرص للنمو لا عوائق تعرقلك في مسيرة حياتك.
- تخلَّ عن الكمالية ولا ترهق نفسك في سبيل الوصول إليها، فمهما بذلت من جهد ستجد أنه ما زالت هناك مسافة بينك وبينها؛ لذا فالأجدى هو عملك على تحسين الأشياء المتاح لك تحسينها وتقبل الأشياء غير المتاح لك تغييرها.
- كن واعياً لصوت ناقدك الداخلي الذي سيتقافز في ذهنك عند مواجهة نقاط ضعفك أو محدوديتك، واعلم أنه غالباً ما ينبع من قلقك وشعورك بعدم الأمان، وهنا سيكون ضرورياً أن تعالج جذور هذين الشعورين.
- لا تقسُ على ذاتك أبداً، فنحن في النهاية بشر ومن الطبيعي أن نخطئ أحياناً ونصيب في أحيان أخرى، وننجح في مواقف ونفشل في مواقف أخرى؛ لذا تعلَّم أن تسامح نفسك عندما ترتكب الأخطاء لتستفيد من الدروس الحياتية التي تمر بها.
اقرأ أيضاً: ما علامات النضج العاطفي؟ وكيف تصل إليه؟