اطبخ أفكارك على مهل: ماذا تعرف عن مهارة التفكير البطيء؟

1 دقيقة
مهارة التفكير البطيء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

نعيش في عصر يمجد السرعة؛ سرعة القرار، والرد، والإنجاز. لكن العقول الأكثر حكمة لا تقاس بسرعتها، بل بقدرتها على التريث والتفكير العميق قبل إصدار الأحكام. التفكير البطيء لا يعني البطء أو التردد، بل هو وعي كامل باللحظة، واستحضار للعقل قبل الانفعال. إنه مهارة تساعدك على اتخا…

ذهبت منذ قرابة عامين في رحلة سياحية إلى مدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء المصرية، وهناك وجدت أحد المطاعم يسوق لفكرة غير مألوفة بالنسبة لي هي: "الطهو البطيء"، فوفقاً لمالك المطعم تطهى وجباته على نار هادئة عدة ساعات وتكون كميتها اليومية محدودة.

الحقيقة أن تلك الفكرة تجاوزت داخل دماغي حدودها الظاهرة وذهبت إلى ما وراءها بالتأمل في الإيقاع السريع الذي أصبح يحكم حياتنا وتأثير ذلك في تراجع استمتاعنا بها، إذ يشير الطبيب النفسي بندر آل جلالة إلى أن أحد أسباب التعاسة والتوتر والتشتت حالة الركض المستمر التي ينساق وراءها بعض الأشخاص، إلى درجة أنهم لا يتوقفون أو يهدؤون ليركزوا في لحظتهم وفي يومهم.

تذهب بنا هذه الحالة إلى جانب مهم هو: هل نأخذ ما يكفينا من الوقت في التفكير؟ بمعنى هل ردودنا نابعة عن تفكير عميق وبطيء أم تفكير سطحي وسريع؟ للأسف، من خلال رصدي المستمر للحياة اليومية وجدت أن الكثير من الردود التي تقال في محيطي لو استغرق قائلها فقط عدة دقائق ليضعها على ميزان عقله لتغير موقفه 180 درجة. لذا فالأشخاص أصحاب البصيرة غالباً ما يحتاجون إلى وقت وتفكير بطيء لتكوين آرائهم، وحتى نصبح منهم قررت كتابة هذا المقال ليساعدنا على درب الوصول إلى أفكار أكثر عمقاً.

كيف تتقن فن التفكير البطيء؟

يمكن وصف التفكير البطيء بأنه أشبه بالعضلة التي عليك أن تمرنها باستمرار لتزيد قوتها بمرور الأيام، لذا إليك مجموعة من الإرشادات العملية التي ستجعل هذا النمط من التفكير يلازمك:

  1. احتفظ دائماً بدفتر ملاحظات معك حيثما ذهبت تدون فيه الأسئلة أو المشكلات التي تواجهك، ولا تحاول حلها فوراً إنما اعمل على تحليلها باستمرار، وستجد أنك تمكنت من الوصول إلى جوانب خفية كانت تحتاج فقط إلى المزيد من الوقت والتعمق في التفكير.
  2. خصص وقتاً للممارسات التي تعزز التفكير البطيء، مثل المشي في الطبيعة أو الاستحمام أو الطهو أو غسل الصحون، فهذه الأنشطة تتيح الفرصة لذهنك أن يتنفس، وتلقائياً ستجد نفسك تخرج منها بأفكار بديعة لم تكن تخطر على بالك في جلسات العصف الذهني.
  3. لا تستعن بالذكاء الاصطناعي أو محركات البحث في الوصول إلى إجابات عن أسئلتك، وبدلاً من ذلك دع عقلك يستكشف جوانب السؤال جيداً ثم اصنع خريطة ذهنية للبحث عن إجابته تتضمن طرقاً مختلفة تجمع من خلالها المعلومات، هذا سيجعل عقلك أكثر قدرة على التفكير المتعمق وليس السطحي.
  4. اكتب يومياتك بهدف تحليلها ومراجعة أفكارك وإخضاعها للمنطق بأسئلة مثل: لماذا اعتقدت ذلك؟ ما هو دليلي؟ هل هناك مسارات أخرى لست على وعي بها؟ ويكفيك أن تخصص لهذه الممارسة عشر دقائق مع الحرص على ألا تتحول إلى تفكير مفرط أو تفكير مصحوب بالندم، الأمر كله يتعلق بجعلك تفكر بصورة أفضل.
  5. تدرب على الصبر بمختلف الأساليب المتاحة لك، مثل أن تزرع نبتة في شرفة منزلك أو حديقتك، أو تصنع مشغولات يدوية تحتاج منك إلى إتقان التفاصيل، المهم أن تتمرس على تحمل الانتظار وتستمتع بالمراقبة.
  6. تجنب الإجابة الفورية لمجرد الظهور بمظهر الشخص صاحب الرأي، لا بأس عندما يطلب رأيك في مسألة ما وتجد أنك لا تمتلك ما يكفي من المعلومات حولها أن تجيب بـ لا أعرف، أو أحتاج بعض الوقت للبحث.
  7. مارس تمارين التأمل بمختلف أنواعها؛ فهي ستساعدك على أن تجعل دماغك يعمل ببطء وتكبح جماح أفكارك المتلاحقة، ومن ناحية أخرى ستدربك على الوجود في اللحظة الحاضرة وتقيك من خطر التشتت.

اقرأ أيضاً: هل تريد ضبط سقف توقعاتك؟ الحل في التفكير الواقعي

لماذا من المهم أن يتسم تفكيرك بالبطء؟

سنخوض سوياً تجربة عملية لنتعرف إلى الفرق بين التفكير السريع والبطيء، لذا اسمح لي أن أطرح عليك سؤالين:

  1. أنت تركض في سباق وتجاوزت الشخص الذي يحتل المركز الثاني ما هو مركزك الآن؟
  2. كم قدماً مكعبة من التراب يوجد في حفرة عمقها 3 أقدام وعرضها 3 أقدام وطولها 3 أقدام؟

سنؤجل الإجابة قليلاً ونتحدث سوياً عن المغزى من هذا النمط من الأسئلة، وهي أنها صممت لتحفيز دماغك على تقديم إجابة بديهية سريعة، بينما الإجابة الصحيحة تحتاج إلى بعض التمهل، لذا فالاختبار السابق يستخدم في سياق معرفة إذا كان الشخص سريعاً أم بطيئاً في التفكير.

على سبيل المثال لنحلل السؤال الأول الذي بنسبة كبيرة إذا فكرت أن تجيب عنه فوراً ستجد نفسك تقول: بما أنني تجاوزت الشخص الذي في المركز الثاني سأكون في المركز الأول، لكن الإشكال هنا حدث نتيجة أنك لم تجب وفقاً لمعادلة أو لعملية ذهنية عميقة بخطوات متسلسلة، إنما وفقاً لما أملاه عليك عقلك في هذه اللحظة، أي إن نمط تفكيرك في الإجابة هو التفكير السريع وليس البطيء.

وحتى لا أطيل عليك سأقدم لك الإجابات السريعة والصحيحة للأسئلة:

  1. الإجابة السريعة: المركز الأول، الإجابة الصحيحة: المركز الثاني.
  2. الإجابة السريعة: 27 قدماً مكعبة، الإجابة الصحيحة: لا يوجد لأنها حفرة.

من هنا ندرك أن نمط التفكير البطيء سيجعلك تتمتع بالقدرة على التحليل وسيزيد درجة وضوح أفكارك ودقتها، وفي الوقت نفسه يجنبك فخ الاستجابات المتسرعة للعواطف، ويزيد قدرتك على ضبط انفعالاتك.

أيضاً عندما تستعين بالتفكير البطيء في يومك، فذلك يعني أنك تخفض احتمالية تعرضك للتلاعب والخداع إلى الحد الأدنى، نتيجة تحليلك بعمق ما يدور حولك، ومن ثم اتخاذ القرارات الأصوب.

اقرأ أيضاً: هل يسبب التفكير الزائد الخمول؟

المحتوى محمي