متى يصبح التسامح سلوكاً ساماً؟ وكيف تسامح بطريقة صحيحة؟

2 دقيقة
العفو
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ينظر الكثيرون إلى التسامح على أنه صفة حميدة يجب التحلي بها؛ لكنه يتحول أحياناً إلى سوك سام عندما يبادر إليه الشخص الذي طاله الأذى دون تمهل أو نتيجة الضغط عليه من المحيطين به. وفي هذه الحالة، لا يساعد التسامح الشخصَ على الشعور بالراحة أو الرضا؛ بل يؤدي إلى تراكم عواطف سلبية غير مُعالجة ينتج عنها انزعاج مستمر مثل شعوره بالإحباط أو الظلم، إلى جانب عدم قدرته على إعادة بناء علاقة صحية مع الطرف الذي سامَحَه، فتكون النتيجة تسامحاً غير حقيقي يترك جراحاً مفتوحة؛ لذا يقتضي التسامح الصحي إدراك الشخص المتسبب في الأذى لخطئه، والتأكد من إقدامه على خطوات ملموسة لعدم تكراره.

غالباً ما ننظر إلى التسامح باعتباره حلاً للتقدم إلى الأمام، لكن هل هو مفيد لنا دائماً؟ تعرّف إذاً إلى الحالات التي يكون فيها التسامح عن الآخرين عاملاً مساعداً على التعافي، والحالات التي يمكن أن يعمق فيها آلامك ومعاناتك.

عادة ما نصف العفو بالفضيلة الضرورية للتقدم في الحياة. لكن هل يمثل فعلاً الخيار الأفضل لصحتنا النفسية؟ يستكشف المختص النفسي دان بيتس (Dan Bates) في مقال له على موقع سايكولوجي توداي (Psychology Today) هذه المسألة من خلال الكشف عن الفخاخ المحتملة التي ينطوي عليها التسامح المتسرع أو القسري، ويوضح تداعياته المضرة لتوازننا العاطفي.

هل التسامح حل مثالي دائماً؟ إذا كان التسامح عن الآخرين يحرّر صاحبه فإن هذا الأمر يعتمد على كيفية التعامل معه. يشير دان بيتس إلى أن التسامح يصبح ساماً عندما لا يعالج الأذى والجراح بالطريقة الصحيحة. هذا النمط من التسامح الذي نمنحه تحت ضغط المجتمع أو تجنباً للنزاع، يمكن أن يولد شعوراً خفياً بالاستياء ويكرس ديناميات العلاقات السلبية.

ما هي مخاطر التسامح السام؟

يمكن أن يكون العفو المتسرع أكثر إيذاء في بعض الأحيان. فقد نجد أنفسنا مجبرين تحت الضغط الاجتماعي أو الشخصي على منح تسامح متسرع قبل أن نتعافى فعلاً من الأذى الذي سببه لنا الشخص الذي نصفح عنه. لا يمنح هذا التسامح المتسرع أيّ راحة أو طمأنينة لصاحبه بل يمكن أن يحجب بعض العواطف غير المعالجة، وقد تظهر في وقت لاحق وتسبب انزعاجاً مستمراً.

كما أن هذا التسامح القسري يمكن أن يصبح عبئاً يفرض على صاحبه التزاماً أخلاقياً قد لا يكون مستعداً لتحمّله. وبدلاً من أن يحرر هذا الصفح صاحبه فقد يولد لديه شعوراً بالإحباط والظلم. لذا؛ من الضروري أن تدرك أن التسامح عملية شخصية تتطلب وقتاً، وتستوجب أساساً إرادة ذاتية حقيقية كي تكون مفيدة.

اقرأ أيضاً: 3 نصائح عملية لتساعد شريك حياتك في السيطرة على نوبات غضبه

تعرف إلى علامات التسامح غير الصادق

وفقاً للمختص النفسي دان بيتس فإن التسامح غير الصادق يظهر عادة من خلال شعور الشخص المتضرر بالانزعاج وعدم الارتياح، حتّى بعد النطق بعبارات الصفح مثل قوله: "سامحتك" أو "عفوت عنك". إذا استمر شعورك بالمعاناة والاستياء بعد التلفظ بهذه الكلمات فهذه علامة على أن تسامح غير صادق. قد تشعر أيضاً بأنك مدفوع إلى التسامح المتسرع سواء بسبب ضغط الآخرين أو الرغبة في طي صفحة الخلاف سريعاً دون أن تأخذ الوقت الكافي للتعافي.

إذا لم يكن التسامح نابعاً من أعماقك يصبح من الصعب عليك أن تعيد بناء علاقة صحية مع الآخر. وقد يستمر شعورك بعدم الثقة أو الاستياء أو التباعد العاطفي، وهو الأمر الذي قد يحول دون تحقيق مصالحة حقيقية. وبدلاً من أن يُشعرك هذا التسامح القسري أو المتسرع بالارتياح فقد يترك جراحك مفتوحة. لتجنب ذلك، من المهم أن تصغي إلى عواطفك الشخصية وتأخذ الوقت الضروري قبل أن تعفو عن الآخر عفواً نهائياً.

اقرأ أيضاً: كيف تعبر عن اهتمامك بشخص حزين؟ 5 عبارات مؤثرة

كيف تتسامح بطريقة صحية؟

كي يحرّرك هذا التسامح فعلاً يجب أن يسبقه علاج عاطفي صادق. يتطلب ذلك إدراك الشخص الذي سبب لك الأذى طبيعة معاناتك ومناقشتها بوضوح وصراحة، والتأكد من إجراء التغييرات الملموسة لتجنب تكرار الأخطاء نفسها. فالتسامح الصحي فعل مدروس يهدف إلى تعزيز العلاقة مع الآخر بدلاً من التهرب من النزاعات.

نستنتج إذاً أن العفو لا يكون حلاً مثالياً عندما يحدث على حساب رفاهيتنا الشخصية. لذا؛ من الضروري أن نفكر في تداعياته ونتأكد من أنه فعل صادق يساعد على التعافي الفعلي.