لماذا عليك ألا تنام وأنت غاضب؟ وكيف تتصرف في هذه الحالة؟

4 دقائق
الشعور بالغضب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: كثيراً ما يقال إن عليك ألا تحكم على الآخرين وألا تتخذ القرارات السريعة عند الشعور بالغضب، كما عليك ألا تخلد إلى النوم حينما تشعر بالغضب، فهل يؤثر النوم وأنت غاضب في صحتك النفسية؟

كثيراً ما نسمع نصائح مختلفة لما يمكن تطبيقه أو تجنبه عند الشعور بالغضب، ومنها نصيحة تقول إن عليك ألا تذهب إلى النوم وأنت غاضب. فما مدى صحة هذه المقولة، وكيف يؤثر هذا التصرف في الصحة النفسية؟ وكيف ينبغي أن تتصرف عند شعورك الغضب بدلاً من اللجوء إلى النوم؟

لماذا عليك ألا تذهب إلى النوم وأنت غاضب؟

توضح أخصائية علم النفس السريري والأستاذة في جامعة يشيفا، سابرينا رومانوف (Sabrina Romanoff)، أن ثمة بعض الحقيقة وراء هذه النصيحة؛ فالشعور بالغضب قد يتفاقم خلال الليل، إذ قد يتشتت انتباه الإنسان خلال النهار نتيجة انشغاله بمهام أخرى تثنيه عن التفكير بالمشكلة. والذهاب إلى النوم عند الغضب يدفع الإنسان للتفكير في الموقف أكثر، ما قد يفاقم المشكلة ويجعله يشعر بالسوء الشديد في اليوم التالي. وهذا ينطبق خصوصاً  على الذين يواجهون صعوبة في إدارة مشاعرهم السلبية، إذ  قد يبقون مستيقظين فترة طويلة يفكرون بغضبهم وشعورهم بالإحباط، ما يزيد الأمور سوءاً.

في الواقع، وجد العلماء أدلة تدعم فكرة أن الذكريات العاطفية السلبية يصعُب عكسها بعد نوم الليل؛ أشارت دراسة منشورة في مجلة نيتشر كوميونيكيشن (Nature Communication) عام 2016، أجراها وانجون لين (Wanjun Lin) وآخرون من جامعة بكين، إلى أن دماغ الإنسان يعيد تنظيم طريقة تخزين الذكريات السلبية في أثناء النوم، ما يجعل قمع هذه الارتباطات والذكريات السلبية أو عكسها  في المستقبل أصعب.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت دراسة منشورة في مجلة الاضطرابات العاطفية (Journal of Affective disorders) عام 2011، إلى أن الغضب في أثناء الليل يرتبط بأنماط نوم أكثر خللاً؛ إذ يصبح استغراق الإنسان في النوم صعباً، وتزداد احتمالات تعرضه للكوابيس، وتتردى نوعية النوم.

اقرأ أيضاً: ما هي أفضل طرق التنفيس عن الغضب؟

هل ثمة استثناءات لهذه النصيحة؟

من المهم أن تتذكر أن الغضب لا يساعدك على الفوز في المشكلة، وإنما سيلحق بك الضرر أكثر بكثير مما يلحقه بالشخص الآخر ويحرمك من سلامة نومك. ومع ذلك وفي بعض الأحيان، قد يكون من الأفضل أن تقضي بعض الوقت منفرداً قبل الاقتراب من الشخص الذي غضبت منه؛ خصوصاً إذا كنت أنت أو الطرف الآخر من الأشخاص سريعي الانفعال عند الغضب، ويمكن أن تقولا أشياء لا تقصدونها فيؤذي أحدكما الآخر. لذلك، قد يكون من المفيد أخذ بعض الوقت لإعادة النظر في الموقف والانتظار ريثما ينخفض مستوى الغضب وتقل حدة الشعور، ما يمنحك الوقت الكافي لمعالجة مشاعرك والتفكير في الموقف بعمق أكبر، والاستجابة بفعالية أكبر.

بالإضافة إلى ذلك، عليك أن تتذكر أن الغضب استجابة طبيعية وغالباً ما تكون صحيحة على موقف صعب، وهي عاطفة عليك ألا تتجنبها أو تكبحها طوال الوقت، لأن هذا قد يسبب ظهورها في مواقف أخرى لا تستدعي الغضب. لذلك وبدلاً من التركيز على الغضب، قد يكون الأفضل التركيز على الدافع أو المحفز الذي يسبب الشعور بالغضب ومحاولة تجنبه كلما أمكن، واللجوء إلى التأمل اليقظ في محاولة لتقليل اجترار الأفكار السلبية، وتدوين اليوميات التي تعد طريقة رائعة للتنفيس عن الغضب بطريقة صحية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن التحكم في الغضب بشكل أفضل؟

كيف تتصرف وقت الغضب بدلاً من الذهاب إلى النوم

وفقاً للطبيبة رومانوف، فإن النصيحة التي تقول بألا تذهب إلى النوم وأنت غاضب هي قاعدة نسبية إن صح التعبير؛ أي أنها قد لا تناسب الجميع في جميع الأوقات، وثمة العديد من العوامل التي تحدد ضرورة اتباعها، مثل سبب الغضب والمزاج والظروف. يقول الخبير الاجتماعي والتربوي، الدكتور جاسم المطوع، في مقطع فيديو نشره على قناته في اليوتيوب، إن أفضل طريقة لضبط النفس والتعامل مع الغضب هي التعامل معه في مراحله الأولى، أي قبل أن يتفاقم الانزعاج إلى غضب الشديد، مثل صرف الانتباه والنظر إلى مكان آخر، وتعلم كيفية إدارة الوقت من أجل تجنب الوقوع تحت وطأة المسؤوليات اليومية الكثيرة التي قد تدفعنا للشعور بالغضب.

اقرأ أيضاً: هل تغضب بسرعة؟ إليك 4 خطوات فعالة لحل هذه المشكلة

في الأحوال جميعها، إذا كان لديك خلاف أو جدال مع شريكك أو أحد أفراد أسرتك، فإليك بعض النصائح التي يمكنك إتباعها بدلاً من الذهاب إلى النوم وأنت غاضب:

  • التواصل: النصيحة الأولى هي أن تجد طريقة للتواصل والحوار مع هذا الشخص، لكن في حال لم يكن التوصل إلى حل ممكناً في الوقت الراهن؛ فكن صادقاً مع هذا الشخص وأوقف النقاش مؤقتا على الأقل، إذ عليك أن تعلم أن كليكما تحتاجان إلى نوم هادئ ليلاً حتى تستطيعا التفكير في الموقف ملياً والتعامل معه لاحقاً.
  • اجعل منغضبك دليلاً يرشدك: كما ذُكر سابقاً، الغضب عاطفة قوية يجب أن تمنح الإذن لنفسك وللآخرين للشعور بها، وليس عليك أن تتجنبها طوال الوقت؛ وإنما أن تتعلم كيف تتعامل معها وتديرها على نحو صحيح؛ فتصبح في هذه الحالة عاطفة مفيدة ترشدك لتوضيح حدودك وقيمك وتحفيزك للتغيير وتقديم المعلومات حول ما تحتاجه من الشخص الآخر. في المقابل، إذا لم تتعامل مع الغضب بطريقة صحيحة فقد يتحول إلى عاطفة مدمرة تؤثر سلباً على الصحة والعلاقة مع الآخرين.
  • الالتزام بإيجاد حل: من المهم أن تلتزم بالتوصل إلى حل للمشكلة بدلاً من مجرد محاولة تجنب الصراع، وهذا يعني أن تتعرف على المشاعر الكامنة وراء غضبك من أجل تحقيق تواصل فعال أكثر مع الشخص الآخر.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب العلمية والنفسية لاحمرار الوجه عند الغضب أو الخجل؟

  • اطلب الدعم والمساعدة: قد يكون من المفيد أن تطلب رأي طرف آخر في المشكلة، مثل صديق أو أحد أفراد العائلة، ما قد يساعدك على رؤية المشكلة من وجهة نظر مختلفة. كما يمكنك، حسب نصيحة الدكتور المطوع، أن تفكِّر في صرف انتباهك عن المشكلة، مثل تلهية نفسك بمشاهدة برنامج تلفزيوني أو الاستحمام أو التنزه مشياً في الخارج، وما إلى ذلك. وبالطبع، يمكن أن تفكر في الحصول على مساعدة المختصين النفسيين في حال كانت إدارة غضبك تؤثر تأثيراً كبيراً في صحتك النفسية وحياتك.

ختاماً، إذا وجدت نفسك في خضم جدال أو نقاش محتدم مع الشريك أو أحد أفراد العائلة، ووجدت نفسك تنسحب إلى النوم وأنت تشعر بالغضب، فقد يكون المفيد التحقق من الشخص الآخر والتحقق من إمكانية التوصل إلى حل أولاً،  ما قد يساعد على التخلص من غضبك وتجاوز المشكلة بدلاً من نقل السلبية إلى اليوم التالي. من ناحية أخرى، إن لم يكن من المحتمل حل المشكلة، وكنت أنت أو الشخص الآخر عرضة للتصرف باندفاع عند الغضب، فقد يكون الأفضل أخذ بعض الوقت للشعور بالهدوء ثم العمل على حل المشكلة.

المحتوى محمي