لطالما كان شعار عالم الأعمال واضحاً: الحوافز المالية؛ فالاعتقاد السائد هو أن مفتاح رضا الموظفين وتحفيزهم وولائهم هو الراتب أو المكافأة الأكبر أو الامتيازات الأكثر. فمن منا لا يرغب في المزيد من المال؟
محتويات المقال
للوهلة الأولى، قد تعتقد أن هذا النهج من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، لكن دراستين جديدتين كشفتا عن أن هذا الاعتقاد السائد قد يكون خاطئاً، والأكثر غرابة، أن الوظائف الأكثر إرضاء ليست دائماً ذات الرواتب الأعلى، وإنما التي تحقق الأمان والرضا، فما هو السبب؟ وكيف يمكنك تعزيز شعور الموظفين بالرضا والأمان بغض النظر عن الراتب؟
اقرأ أيضاً: 7 خطوات للتغلب على التوتر المزمن في العمل
دراسة مفاجئة: الراتب ليس كل شيء
في دراسة حديثة أجرتها جامعة تارتو الإستونية ونشرتها في مايو/أيار 2025، أجرى الباحثون استطلاعاً شمل نحو 59 ألف موظف، تضمن أسئلة حول وظائفهم، ورواتبهم، وسمات شخصياتهم، ومدى رضاهم عن حياتهم عموماً، وعملهم خصوصاً. وكشفت النتائج أن مستوى الرضا في الحياة والعمل لا يرتبط بالراتب أو المكانة الاجتماعية بصورة مباشرة كما يعتقد عادة، ووفقاً للدراسة، كان العاملون في المهن التالية هم الأكثر رضا عن حياتهم:
- العاملون في المجال الديني.
- العاملون لحسابهم الخاص.
- المختصون النفسيون.
- أطباء الأسنان.
- أطباء النساء والتوليد.
- معالجو التدليك.
- الكتاب.
- مطورو البرمجيات.
- مصففو الشعر.
في المقابل، كان سعاة البريد، والندل، وحراس الأمن، والجزارون ومدربو قيادة السيارات والحمالون من بين الأقل رضا عن حياتهم.
وفي تقرير حديث آخر أعدته شركة جينيوس للاستشارات المحدودة المتخصصة في حلول التوظيف وخدمات الموارد البشرية، قابلت فيه 1139 موظفاً من مختلف القطاعات في الهند، اختار نحو 74% من الموظفين راتباً أقل قليلاً مقابل مزايا طويلة الأمد، مثل التأمين الصحي وتخطيط التقاعد ودعم التعليم.
اقرأ أيضاً: كيف تحافظ على راحتك النفسية عندما تعمل من المنزل؟
لماذا يتفوق الأمان النفسي على الحوافز المادية؟
من البديهيات أن المال في الأجر المعيشي هدف بحد ذاته؛ فهو الوسيلة لتلبية الاحتياجات الأساسية من طعام ومأوى وملبس، وبالحصول عليه تشعر بالإنجاز، إلا أن الحوافز المادية وحدها لا تضمن بيئة عمل صحية ومستقرة نفسياً، حيث يشير المعالج النفسي، أسامة الجامع، إلى أن المشكلات في العلاقات مع زملاء العمل، أو الأخطاء في التعامل مع الضغوط، قد تكون سبباً في توتر بيئة العمل والحياة.
ومع تصاعد المسؤوليات بمرور السنوات، تظهر الآثار في الجسد، وتنعكس على السلوك، مثل تجاوز الحدود، وتظهر أعراض جسدية وتتحول ربما لأعراض مرضية مثل القولون، ما يتطلب استشارة طبيب مختص.
عموماً، يتأثر شعور الموظفين بالسعادة والرضا عن حياتهم، بعدة عوامل أساسية أكثر مما قد يتأثر بالدخل أو المكانة الاجتماعية، وهذه العوامل هي:
- الشعور بالإنجاز: عندما يشعر الأفراد بأن عملهم مفيد وضروري للآخرين، أو أنهم يسهمون في تطوير المجتمع عامة، ينتابهم شعور عميق بالرضا، مثل الممرضين والمعلمين والمختصين الاجتماعيين والباحثين؛ إذ على الرغم من أنهم غالباً لا يجنون أجوراً عالية، فإنهم يشعرون بمستويات عالية من الرضا الذاتي لأن لعملهم تأثيراً إيجابياً ملموساً على الآخرين أو على المجتمع.
- التوتر: على الرغم مما يوفره الدخل المرتفع من إمكانات، فإنه بعد تجاوز حد معين، يختلف باختلاف المنطقة والظروف الفردية، تبدأ العلاقة بين زيادة الدخل وزيادة السعادة أو الرضا الوظيفي في التلاشي، إذ يؤدي التوتر الذي يرافق الوظائف التي تحمل مسؤوليات كبيرة، مثل المدير التنفيذي لإحدى الشركات الكبيرة، إلى تراجع الرضا عن الحياة الشخصية، وهو ما يفسر سبب أن العاملين لحسابهم الشخصي من أكثر الفئات المهنية شعوراً بالسعادة والأمان.
- الحاجة للأمان: وفقاً لهرم ماسلو للاحتياجات في علم النفس، فإن احتياجات الأمان تقع مباشرة فوق الاحتياجات الفيزيولوجية في قاعدة الهرم. وهذا لا يقتصر على الأمان الجسدي فحسب؛ بل يشمل الأمن المالي والأمن الوظيفي والأمان النفسي والمعنوي. فعندما لا تلبى هذه الاحتياجات الأساسية أو يشعر الشخص بالتهديد، يدخل الدماغ في حالة من الذعر، فتنشط اللوزة الدماغية (مركز الخوف في الدماغ)، على حساب نشاط القشرة الجبهية المسؤولة عن الوظائف التنفيذية كالتخطيط وحل المشكلات والإبداع.
بعبارات أخرى، إذا كان الموظف يخشى باستمرار من فقدان الوظيفة، أو يعمل في بيئة عمل غير مريحة نفسياً (التنمر أو التهميش)، أو يعاني القلق بسبب فقدان مزايا مثل الرعاية الصحية أو التغطية التأمينية بعد التقاعد، فقد لا تكفي المكافأة المالية لإزالة القلق والتوتر أو للشعور بالرضا.
- الإرهاق الوظيفي: يعاني العديد من الوظائف ذات الرواتب العالية في الشركات، وخاصة الناشئة منها، ارتفاع معدل دوران الموظفين (تغيير الموظفين)، وهو ما قد يكون سبباً في شعور الموظف بانعدام الأمن الوظيفي ويخلق بيئة عمل شديدة التوتر وغير متوقعة.
اقرأ ايضاً: كيف تمارس الامتنان لتحسين حياتك المهنية والعائلية؟
كيف يمكن للقادة تعزيز شعور الموظفين بالراحة والرضا دون حوافز مادية؟
يمكن للمدير تعزيز راحة الموظفين ورضاهم على نحو ملحوظ دون الاعتماد على الحوافز المادية، وذلك من خلال الاستراتيجيات التالية:
- التقدير والاعتراف العلني: الاعتراف بإنجازات الموظفين وإسهاماتهم علناً قد يعزز الروح المعنوية ويزيد الدافعية.
- ترتيبات عمل مرنة: توفير خيارات مثل العمل عن بعد، وساعات عمل مرنة، والتأمين الصحي يسمح للموظفين بالتركيز على جوانب أخرى من حياتهم.
- دعم التوازن بين العمل والحياة: من خلال تشجيع الموظفين على عيش حياتهم خارج العمل، مثل منحهم فترات راحة وإجازات براتب، وتعزيز ثقافة تحترم الحدود بين العمل والحياة الشخصية.
- تمكين الاستقلالية: بمنح الموظفين المزيد من سلطة اتخاذ قرار حول كيفية أداء عملهم، وتشجيعهم على تولي مهام صعبة، ما يعزز الشعور بالملكية والمسؤولية.
- الاستثمار في التطوير المهني والنمو الوظيفي: أظهر للموظفين تقديرك لمستقبلهم، من خلال توفير التدريب وورش العمل وبرامج الإرشاد لمساعدتهم على تطوير مهاراتهم والارتقاء بمسيرتهم المهنية.
- تعزيز الشفافية والتواصل المفتوح: كن صريحاً بشأن أداء الشركة والتحديات التي تواجهها وخططها المستقبلية، لأن عدم اليقين يولد انعدام الأمان، بينما يخلق التواصل الشفاف شعوراً بالراحة في مشاركة أفكارهم ومخاوفهم واقتراحاتهم.
- صنع بيئة عمل إيجابية ومريحة: للبيئة المادية المحيطة بالفرد تأثيرها على نفسية الفرد وإنتاجيته؛ لذا قد يساعدك، بصفتك قائداً، الانتباه لعوامل مثل تصميم مكان العمل والإضاءة ودرجة الحرارة لضمان شعور الموظفين بالراحة والإنتاجية.
- تعزيز الصحة النفسية والرفاهية: وذلك بتوفير الموارد والدعم للموظفين الذين يعانون تحديات في الصحة النفسية، مثل الوصول إلى خدمات الاستشارة أو برامج الرفاه الوظيفي.