ملخص: المغالطات المنطقية هي خطأ في الاستدلال؛ أي لا يكون الاستنتاج الذي توصل إليه الشخص مبرراً منطقياً بدليل كافٍ أو حيادي. وبالإضافة إلى رَجُل القش؛ وهي مغالطة تعمد إلى تشويه حجم الخصم ومهاجمة النسخة المشوهة، هناك الكثير من المغالطات الأخرى مثل:
- الرنجة الحمراء: تحويل المناقشة بعيداً الموضوع الأساسي.
- التعميم المتسرِّع: التوصل إلى استنتاج أو تعميم بناءً على حالات قليلة جداً لظاهرة ما.
- مغالطة المنحدَر الزَّلِق: تعني أن حدثاً بسيطاً سيحرض سلسلة من الأحداث تنتهي بنتيجة كارثية.
- مغالطة الحُجّة الشخصية: إضعاف حُجّة الشخص من خلال مهاجمته شخصياً.
- الإحراج الزائف: بناء حُجّة على افتراض وجود خيارين فقط لا ثالث لهما.
- مغالطة المُقامِر: بناء حُجّة أو قرار بناءً على نتيجة سابقة أو سلسلة أحداث عشوائية سابقة.
- مناشَدة الشفقة: صرف الانتباه عن حقيقة الاستنتاج من خلال مناشَدة الشفقة.
محتويات المقال
يقول أفلاطون: "في جدالٍ حول الغذاء يدور أمام جمهور من الأطفال، فإن الحلوانيّ كفيلٌ بأن يهزم الطبيب، وفي جدالٍ أمام جمهور من الكبار، فإن سياسياً تسلّح بالقدرة الخطابية وحيَل الإقناع كفيل بأن يهزم أي مهندس أو عسكري، حتى لو كان موضوع الجدال من تخصص هذين الأخيرين، وليكن تشييد الحصون أو الثغور! إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لأشدُّ إقناعاً من أي احتكام إلى العقل"!
إذاً؛ "ليس بالحق وحده تكسِب جدالاً أو تقهر خصماً أو تقنع الناس". هذا ما أورده الطبيب النفسي عادل مصطفى في كتابه "المغالطات المنطقية". وفي هذا المقال، سنعرّفك إلى أشهر المغالطات المنطقية التي يستخدمها الناس أجل الفوز في النقاشات والجدالات، وكيف تكشفها وتتجنَّبها.
ما المقصود بالمغالطات المنطقية؟
عرّف الطبيب النفسي عادل مصطفى المغالطات حسب التعريف التقليدي بأنها: "تلك الأنماط من الحُجَج الباطلة التي تتخذ مظهر الحُجَج الصحيحة". بكلمات أخرى؛ هي حُجَج خادعة أو خاطئة تبدو أقوى وأكثر صِحّة مما هي عليه في الواقع بسبب قدرتها على الإقناع؛ لكن يمكن إثبات زيفها عند الاستدلال والفحص الإضافي. وقد يرتكبها الناس دون قصد بسبب سوء التفكير أو الجهل، أو قصداً بهدف الفوز في النقاش والتلاعب بالآخرين وإقناعهم.
ربما تعلم أن الحُجّة المنطقية هي تقديم أسباب وأدلة صحيحة وبطريقة صحيحة لدعم الاستنتاج أو الادعاء الذي تطرحه. ويُقال إن الحُجّة تكون صحيحة إذا أدت الافتراضات الحقيقية إلى نتيجة حقيقية، وهو ما يسمَّى بـ "الاستدلال الصحيح"؛ في حين تسمَّى المغالطات المنطقية بـ "الاستدلال الزائف" الذي يعني أنه ليس للاستنتاج مبرر منطقي بدليل كافٍ أو غير متحيز.
المغالطات المنطقية شائعة الاستخدام جداً، سواء في النقاشات العائلية أو في العمل أو على وسائل التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام. لذلك باتت القدرة على تحديد هذه المغالطات في حُجَجك وحُجَج الآخرين وتجنُّبها أمراً مهماً؛ لأن الاستدلال الخاطئ يمنعك من معرفة الحقيقة، ويُبعدك عن أصول الحوار السليم والمثمر، ويجعلك عرضة للتلاعب بأيدي أولئك المَهَرة في استخدامها.
أشهر المغالطات المنطقية
مغالطة رَجُل القش (Straw Man Fallacy)
- الطرف الأول: "بسبب كثرة السرقات في الحيّ؛ أعتقد أنه من الأفضل أن نضع كاميرات مراقبة".
- الطرف الثاني: "آها! إذاً أنت لا تثق في جيرانك".
تحدث هذه المغالطة عندما يشوّه شخص ما حُجَّة خصمه ويضعفها، إما من خلال تبسيطها أو تهويلها، وإما بتحريفها وإخراجها عن سياقها، وإما بافتراء ادعاءات لم يقدّمها الخصم، ثم يهاجم هذه النسخة الضعيفة والمشوّهة بغية الانتصار عليها. فكما يكون قتال رَجُل القش والفوز عليه أسهل من قتال رجل حقيقي؛ كذلك الأمر مع هذه المغالطة.
وإليك مثالاً آخر؛ تقول الأم: "أعتقد أن الأطفال من حقهم أن يلعبوا على نحو كافٍ". فيرد الأب: "أنا أعلم أنه لا مانع لديكِ من أن يقضي أطفالنا وقتهم كله في اللعب ويهملوا دراستهم وواجباتهم المدرسية"!
ولتجنُّب مغالطة رَجُل القش، نبِّه خصمك إلى المغالطة التي يستخدمها، ثم طالبه بإثبات أن بيانك الأساسي يتطابق مع بيانه المشوّه. في بعض الأحيان، يمكنك تجاهُل الحُجّة المشوهة التي ابتدعها خصمك والاستمرار في الدفاع عن حجتك الأصلية، أو أن تقبل رَجُل القش وتواصل النقاش.
مغالطة الرنجة الحمراء (Red Herring)
- الطرف الأول: "ليس أخلاقياً أن تختلس الأموال من الشركة التي تعمل بها، فلمَ تفعل ذلك"؟
- الطرف الثاني: "ليس أخلاقياً! لكن ما الأخلاق أساساً؟ وَمن يحددها؟ ثم إن الشركة التي أعمل بها لا تهتم سوى ببيع السجائر لأفراد المجتمع المساكين، وربح الأموال على حساب صحتهم"!
أتت تسمية هذه المغالطة من ممارسة كان يقوم بها الفارّون من الشرطة؛ إذ كانوا يعمدون إلى استخدام سمكة رنجة حمراءَ مُدخّنة نافذة الرائحة لإلهاء كلاب المطاردة وتضليلها عن المسار الأساسي، وباتت تُستخدَم هذه التسمية للتعبير عن كل محاولة تهدف إلى تغيير الموضوع الأساسي وصرف الانتباه بعيداً عنه، وذلك إما بإثارة موضوع حساس أو مثير للجدل غير ذي صلة بالموضوع أو يشبهه شبهاً سطحياً، أو بطرح تفصيلات غير مهمة، أو عبر إدخال عبارة غامضة تجعل المستمع ينسى الموضوع الأساسي.
من المهم أن تكون قادراً على اكتشاف مغالطة الرنجة الحمراء في حُجَج الآخرين، وأن تشير إليها قبل أن تُجَّر إلى نقطة من النقاش غير ذات صلة بالموضوع.
مغالطة التعميم المتسرّع (Hasty Generalization)
- "لا تقلق. إن التكلم عبر الهاتف في أثناء القيادة ليس خطِراً كما يُقال. إني استخدم هاتفي في أثناء القيادة منذ اشتريت سيارتي، ولم أتعرض لأي حادث"!
تحدث هذه المغالطة عندما يتوصّل الشخص إلى استنتاج أو تعميم بناءً على ملاحظة حالات قليلة جداً لظاهرة ما، ولا يعتمد على أمثلة نموذجية أو أدلة كافية للموقف المطروح. بكلمات أخرى؛ يستند الشخص المجادِل إلى أدلة محدودة للغاية، ثم يستقرأ قاعدة عامة لهذا الموقف أو الموضوع، ويفترض أن النتيجة التي توصل إليها، بما أنها صحيحة في حالته، فهي صحيحة في الحالات كلها.
لتجنُّب إصدار تعميمات متسرعة أو نشرها أو تصديقها، ينبغي الاحتكام إلى التفكير الناقد. تمهّل قليلاً وحلل الرأي الذي تقوله أو تسمعه، وفكِّر في مصدره، وابحث عن الدليل الذي يدعمه أو يعارضه.
مغالطة المنحدَر الزَّلِق (Slippery Slope)
- "إذا لم أنجح في مقابلة الغد، فلن أحصل على فرصة العمل التي أريدها، ولن أتمكن من تطوير سيرتي الذاتية، ولن أحصل على عمل جيد لاحقاً، ولن أستطيع كسب لقمه العيش، ولا بُد أن حياتي المهنية ستُدمَّر"!
تحدث هذه المغالطة عندما يؤكد الشخص إن حدثاً صغيراً نسبياً أو فعلاً بسيطاً سيؤدي إلى سلسلة من الأحداث الضعيفة الترابط؛ التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير جذري كارثي أو نتيجة سلبية حتمية، مع تقديم أدلة قليلة أو معدومة لدعم هذا الافتراض.
وغالباً ما يُفترَض أن سلسلة الأحداث هذه أمرٌ حتمي ويستحيل إيقافه، ويشبه الأمر إلى حد ما خطوة واحدة على منحدَر زَلِق ستؤدي إلى سقوط الشخص والانزلاق نحو أسفله.
فكيف ترد على مغالطة المنحدَر الزَّلِق؟ أشِر إلى الخطوات أو المراحل المفقودة ما بين الحدث الأوَّليّ والنتائج غير المرغوب فيها، واطلب من الخصم إيضاح الأدلة التي تدعم العلاقة المزعومة بين حدثين أو نتيجتين أو أكثر. بالإضافة إلى ذلك، اسأل نفسك فيما إذا كان الرابط الموجود في سلسلة الأحداث رابطاً صالحاً أو باطلاً؛ لأن وجود روابط غير منطقية أو غير مدعومة بالأدلة يعني أن الحُجّة ليست صحيحة.
مغالطة الحُجّة الشخصية أو الشَّخصَنة (Argumentum Ad Hominem)
- "إن حُجَج سقراط عن التميّز البشري محضُ هراء! ماذا يمكن لرجل قبيح أن يعلّم عن التميز البشري"؟
تحدث هذه المغالطة عندما يهاجم شخص ما شخصية خصمه أو جانباً من جوانبها؛ مثل ذكائه أو سمعته أو انتماءاته الاجتماعية بهدف إضعاف حجته بدلاً من مناقشة حجته أو معالجة موقفه، ويمكنك أن ترد على هذه المغالطة من خلال الإشارة إلى عدم جدواها، أو الرد عليها على نحو مباشر، أو تجاهلها، أو الاعتراف بها والمضي قُدُماً في النقاش.
مغالطة الإحراج الزائف (Black and White Fallacy)
- "إما أن توافق على العمل الإضافي، أو تكون راضياً عن تردّي أداء الشركة"!
تحدث هذه المغالطة عندما يحاول الشخص فرض استنتاج خاص به من خلال تقديم قائمة غير مكتملة من البدائل، وعادةً ما يبني حُجَّته على افتراض وجود خيارين فقط لا ثالث لهما. أما أفضل طريقة لتجنُّب هذه المغالطة هي أن تشكّك في الخيارين المعروضَين أمامك، وأن تفكر في الاحتمالات التي قد تكون مستَبعدة من الموقف. جدير بالذكر هنا إنه ليس بالضرورة أن يكون الخياران خاطئَين؛ ولكن يجب أن تدرك احتمال وجود خيارات أخرى.
مغالطة المُقامِر (Gambler's Fallacy)
- "منذ سنتين وأنا اشتري بطاقات اليانصيب ولم أربح؛ لذلك أنا متأكد أني سأربح هذه المرة"!
تحدث هذه المغالطة عندما يعتقد الشخص أن احتمالية حدوث نتيجة عشوائية معينة ستكون أقل أو أعلى بناءً على نتيجة سابقة أو سلسلة أحداث سابقة. بكلماتٍ أخرى؛ إذا تكرر حَدَث عشوائي أكثر من المعتاد خلال فترة معينة، فإنه سيحدث على نحو أقل تكراراً في المستقبل، والعكس صحيح.
تجنَّب مغالطة المُقامِر من خلال تذكّر أن سلسلة الأحداث العشوائية المستقلة عن بعضها بعضاً لا تغيّر نتيجة الحَدَث التالي، وحاول أن تُبقيَ مشاعرك وافتراضاتك بعيدة عن عملية اتخاذ القرارات في مثل هذه الحالات.
مغالطة مناشَدة الشفقة (Appeal to Pity)
- "ألم يعجبكم الطعام؟ لقد بقيت في المطبخ طوال اليوم أحضّره لكم".
مغالطة مناشَدة الشفقة، بكل بساطة، هي محاولة صرف الانتباه عن حقيقة الاستنتاج من خلال مناشَدة الشفقة؛ أي أن يعمد الشخص إلى مناشَدة الشفقة بوصفها دليلاً على رأي أو تأكيداً لاعتقاد، ويمكنك تجنُّب هذه المغالطة من خلال تجنُّب استدرار العطف والشفقة في النقاش؛ إذ يؤكد ذلك أن دليل حجتك ضعيف.
اقرأ أيضاً: مغالطة الوصول: لماذا قد تشعر بالتعاسة عند تحقيق أهدافك؟