ما هو أسلوب التحري التقييمي؟ وكيف تستخدمه لحل مشكلاتك؟

3 دقائق
التحري التقييمي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: في بعض الأحيان، يركّز المرء على مواضع الخلل إلى درجة أنه يُغفل نقاط القوة والنواحي الإيجابية، ومن هنا ينطلق أسلوب التحري التقييمي الذي اكتُشف قبل 40 عاماً وبات ركيزة للتدريب الفردي والجماعي.

البحث عن مخرج ليس الاستراتيجية الصحيحة

في حال حدوث خلل داخل المؤسسة أو مواجهة صعوبات شخصية أو على صعيد العلاقات، فإن رد الفعل الشائع للجميع هو تحديد المشكلة وتحليلها، وفهم الأسباب ثم البحث عن الحلول. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاعتها، سواء أكان ذلك في عالم العمل لإيجاد حلول للمشكلات المستعصية أم على الصعيد الشخصي لحل النزاعات الزوجية أو العائلية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا النهج الذي يركز على وجود مشكلة بحاجة إلى حل قد يتضمن قيوداً ومزالق أحياناً، فمعالجة مشكلة تلو الأخرى هي عملية طويلة ومضنية، والتركيز على أخطاء الماضي ونقائصه لا يشجع على تطوير رؤية إيجابية للمستقبل ولا يولد الحماس المطلوب بين الأطراف المعنية.

الحل يكمن في طرح الأسئلة المناسبة

في أوائل الثمانينيات، توصّل ديفيد كوبرايدر (David Cooperrider)، الذي كان حينئذ طالباً شاباً في علم النفس التنظيمي بجامعة كيس ويسترن ريزيرف (Case Western Reserve University) في كليفلاند، وأستاذه رون فراي (Ron Fry)، إلى اكتشاف مهم، ويتحدث عنه المعالج النفسي، جان كريستوف باراليس (Jean-Christophe Barralis) قائلاً: "في أثناء دراسة أداء قسم جراحة القلب في مستشفى كليفلاند، تفاجأ ديفيد كوبرايدر بمدى سلبية المعطيات التي جمعها خلال المقابلات مع الموظفين؛ إذ لم يطرحوا سوى الشكاوى والصعوبات والتظلمات وغيرها من النواحي التي تحتاج إلى تحسين، ومع ذلك فقد رأى أن استجابتهم هذه ترتبط ارتباطاً مباشراً باتجاه أسئلته"، فحينما أسأل شخصاً ما عن المشكلات، من الواضح أنني أدعوه ضمنياً إلى سرد شكاواه؛ ولذلك فقد حاول ديفيد كوبررايدر أن يسأل الموظفين عن النواحي الإيجابية ولاحظ مع مرور الوقت أن هذه المقابلات كانت كافية لتغيير ديناميكية الفريق تماماً؛ ومن ثم القسم ككل.

وهكذا؛ وُلد مبدأ التحري التقييمي (Appreciative Inquiry)، ليكون موضوع أطروحة ديفيد كوبررايدر في عام 1986، ثم يطوره بعد بضع سنوات. "يهدف هذا النموذج إلى التغيير باستخدام النجاحات والإنجازات والطاقات الإيجابية الموجودة داخل المجموعة، وهو يركز على ما يحفز الموظف ويعزز كفاءته وتوازنه؛ أي إنه يمثل تحولاً كلياً، فبدلاً من محاولة حل المشكلة نعمل على تحليل ظروف النجاح وفهم أسبابه بدلاً من التركيز على أسباب الفشل".

بعد 10 سنوات، صار قطاع الأعمال مهتماً بأبحاث ديفيد كوبررايدر، وكان جان كريستوف باراليس أدخل هذه الطريقة إلى فرنسا في عام 2003 بالتعاون مع جان باجيس، ثم أسس بعد سنوات قليلة المعهد الفرنسي للتحري التقييمي (Ifai)، وهو يتحدث عن فعاليتها قائلاً: "أكدت أبحاث علم الأعصاب وعلم النفس الإيجابي في التسعينيات حدس الأستاذ كوبررايدر؛ إذ خلصت إلى أن تسليط الضوء على العوامل التي تعزز الصحة يكون أحياناً فعالاً أكثر من علاج الأمراض؛ وذلك وفقاً لمبدأ التركيز على أصول الصحة بدلاً من أصول المرض".

تعرف إلى الممارسة العملية لطريقة التحري التقييمي

كما يشير اسمها؛ تتمحور طريقة التحري التقييمي حول تحري نقاط القوة في المؤسسة بغية تقييم الخطوات التي يمكن اتخاذها تقييماً أفضل، وعندما يتدخل الممارسون المؤهلون في شركة ما فإن دورهم هو توجيه العملية وليس تقديم المشورة. "يُقسم المشاركون إلى ثنائيات أو مجموعات صغيرة ويطرح كل منهم على الآخر أسئلة مُعدّة مسبقاً. على سبيل المثال: "أخبرنا عن مشروع أو حوار أو عمل شاركت فيه ووكان ناجحاً: ما هي القدرات التي استخدمتها لتسهم فيه؟ ما الذي منحك الرضا؟ وما الذي حفزك؟ ما أمنياتك للمستقبل؟ في رأيك، ما العناصر الثلاثة الضرورية لنجاح هذا المشروع أو الحوار أو العمل"؟

ومع تغير الأسئلة، تتغير الإجابات التي يكون لها تأثير عاطفي (الشعور بالفخر، والرضا)، ومعرفي (تعزيز القدرات، وتحسين الصورة الذاتية) وسلوكي (الإبداع، والحماس والالتزام). تظهر فوائد هذه الطريقة سريعاً، وهي فعالة على وجه الخصوص عند وجود مشكلات في المؤسسة، ويمكن للقادة والمدراء ومسؤولي الموارد البشرية، التدرب عليها من خلال اتباع تدريب داخلي أو طلب تدخل أحد المتخصصين لمساعدة فريقهم.

ويقول المختص: "وندرب المدربين والمهنيين أيضاً حتى يتمكنوا من استخدام هذا النموذج في مهمات الدعم الفردية أو الجماعية المنوطة بهم"، ويختتم: "أخيراً، أثبتت طريقة التحري التقييمي أنها أداة شخصية فعالة تساعد الفرد على معرفة فرص نجاحه؛ الأمر الذي يمكن أن يجنبه العديد من المآزق".

المحتوى محمي