حين تدق الساعة 12 منتصف ليلة رأس السنة يداهمني الشعور بالبهجة والحماس وأتطلع إلى العام الجديد، أحب هذا الوقت من العام وأحاول أن أقضيه في التأمل والنظر إلى الوراء من أجل متابعة أهداف العام السابق، ومن ثم التخطيط والتطلع إلى المستقبل، ولكن دعوني أصدقكم القول، على الرغم من حبي الشديد للبدايات الجديدة فإن هذا لا يعني بالضرورة أن كل الأهداف التي أضعها سنوياً تتحقق؛ إذ غالباً ما أفشل لأن عملية اختيار الأهداف تناسب المحيطين ولا تنبع من داخلي، ولهذا دعوني أصطحبكم في رحلة عبر هذا المقال من أجل معرفة كيفية وضع أهدافك للعام الجديد وفق ما يناسبك أنت لا مَن حولك.
محتويات المقال
هل سبق أن فشلت في تحقيق أهداف العام الجديد؟ إليك أهم الأسباب
توضح المختصة النفسية، تيري بلي (Terri Bly)، أن فترة بداية العام الجديد تدفع العديد من الأشخاص إلى التفكير في عملية التغيير، وأحياناً يمكن أن تكون عملية تحديد الأهداف جزءاً من طقوس الاحتفالات وحافزاً من أجل إجراء التغييرات، وعلى الرغم من ذلك قد تخفق في تحقيق أهدافك للأسباب التالية:
1. وضع الأهداف وفقاً للضغوط الخارجية من المحيطين
غالباً ما تأتي أنشطة نهاية العام وحفلات ليلة رأس السنة الجديدة مصحوبة بضغوط خارجية من المحيطين؛ سواء الأصدقاء المقربين أو أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين ينشرون أهدافهم الجديدة، ومن ثم، تجد نفسك محاطاً من جميع الجهات وعليك أنت أيضاً تغيير حياتك، وفي هذا الوقت من العام، قد يضع العديد من الأشخاص قراراتهم بناءً على ما يعتقدون أنهم يجب أن يفعلوه، وليس ما يريدون فعله.
على الجانب الآخر، إن وضع الأهداف وفقاً لمن حولك يمكن أن يأتي بنتائج عكسية؛ على سبيل المثال، إذا قررت أن تذهب إلى الصالة الرياضية من أجل ممارسة الرياضية مثل الآخرين، وبعد بضعة أيام لم تتمكن من استكمالها سوف تظن عندها أنك كسول ومن المرجح أن تتوقف عن أداء التمارين الرياضية وتصاب بالإحباط، ولهذا إذا كنت تود تغيير حياتك يجب عليك أن يكون ذلك نابعاً من قناعة بداخلك وليس مجرد استجابة لضغط المحيطين بك.
2. الافتقار إلى التخطيط الجيد
يساعدك التخطيط على ترسيخ العادات الجيدة، وفي حال قررت أن تضع أهدافك دون أن تخطط لها جيداً فلن ترى النور إلا فترة قصيرة، ولهذا عليك أن تخطط جيداً؛ على سبيل المثال، إذا كنت تود تغيير وظيفتك، اسأل نفسك: هل أنت مستعد لتحمل التبعات الناتجة عن ذلك؟ وكيف ستتعامل معها لتتجاوزها بسلام؟
3. امتلاك الثقة المفرطة
بينما يخشى العديد من الأشخاص أن يؤثر الافتقار إلى الثقة في تحقيق أهدافهم، فإن الثقة المفرطة يمكن أن تكون أكثر ضرراً، فعندما تقتنع بأن هدفك سيكون سهلاً، قد تجد نفسك في نهاية الأمر غير مستعد وغير مجهز لمواجهة حقيقة الموقف، بأن التغيير صعب، ففكرة دفع نفسك من أجل العمل على هدفك ليست سهلة، علاوة على أن عملية التغيير نفسها لا تحدث بين عشية وضحاها، ولهذا حين تواجه تحديات وصعوبات خلال الأيام الأولى من إنجاز هدفك فهذا طبيعي، ولا يعني أنك فاشل.
4. عدم الرغبة في تغيير نمط الحياة الحالي
حين تصمم أهدافك للعام الجديد يجب أن تعلم أن عاداتك وروتين حياتك اليومي قد يتغير؛ على سبيل المثال، ذهابك إلى صالة الألعاب الرياضية مدة 3 أيام في الأسبوع قد يعني قضاءك وقتاً أقل مع عائلتك أو أصدقائك، وبالمثل، فإن الالتزام بميزانيتك يعني مشتريات أقل ووجبات أقل في الخارج مع الأصدقاء،كيف ستتعامل مع هذه المشاعر غير المريحة؟ لهذا قبل أن تلتزم بتغيير عاداتك، حدد ما ستكسبه من أهدافك الجديدة، وفكر فيما ستحتاج إلى التخلي عنه قبل إجراء التغيير، وتأكد أن مجرد الاعتراف بهذا مسبقاً ووضع خطة للتعامل مع التغيير يمكن أن يذكّرك بأن الأمر يستحق الثمن الذي ستدفعه.
اقرأ أيضاً: أهداف العام الجديد لا تدوم طويلاً؟ إليك كيفية الالتزام بتحقيقها من دون ضغط نفسي
3 علامات تخبرك أنك تصمم أهداف العام الجديد بطريقة لا تناسبك
يعد تحديد الأهداف أمراً مهماً لتوجيه حياتك صوب الطريق الذي ترغب في الذهاب إليه، وعلى الرغم من ذلك، ليست كل استراتيجيات تحديد الأهداف فعّالة، والاعتراف بأنك على المسار الخطأ أمر بالغ الأهمية، وهذه العلامات تخبرك أنك تصمم أهدافك على نحو خاطئ:
1. الشعور بالإرهاق
الشعور بالإرهاق علامة شائعة على أن أهدافك قد تكون واسعة جداً أو كثيرة جداً، ولهذا حاول تحديد أولوياتك وركز على تقسم أهدافك إلى خطوات صغيرة لتسهيل إدارتها والتحكم فيها.
2. الافتقار إلى المرونة
إذا لم تتطور أهدافك على الرغم من التغييرات في ظروفك أو اهتماماتك أو قدراتك، فهذه علامة على عدم المرونة؛ حيث يجب أن تكون الأهداف قابلة للتكيف، ما يسمح بالتعديلات مع تغير روتين حياتك.
3. إهمال الرعاية الذاتية
إذا كانت ملاحقة أهدافك تعني التضحية بصحتك أو علاقاتك الاجتماعية أو رفاهيتك، فقد حان الوقت لإعادة تقييمها، إذ يجب أن يعزز تحديد الأهداف حياتك، لا أن ينتقص منها.
كيف تعرف أهدافك الشخصية خلال العام الجديد؟ إليك 7 أسئلة لمساعدتك
منذ سنوات طويلة للغاية أكد الفيلسوف اليوناني أرسطو أن البداية الجيدة هي نصف الإنجاز، ولذلك إذا أردت أن تعرف الأهداف المناسبة لك، اسأل نفسك هذه الأسئلة:
- تخيل أنك على فراش الموت، ماهو الشيء الذي سيجعلك تفخر بنفسك وستشعر بالسعادة لأنك حققته؟
- هل يتناسب هذا الهدف مع روتين حياتك؟
- ماذا تشعر حين تفكر في هدفك؟ وكيف ستبدو حياتك إذا حققت أهدافك؟
- هل يساعدك السعي وراء هذا الهدف على الاستفادة من مواهبك ونقاط قوتك أم أنك تخفي أجزاء منك أو مواهبك أو نقاط قوتك؟
- هل يساعدك السعي وراء هذا الهدف على توسيع عقلك وجسدك وروحك أو تقويتها، أم إن السعي وراءه يضع فوق عاتقك ضغطاً نفسياً غير مبرر؟
- هل يسهم هذا الهدف في تعزيز حالتك المزاجية أم إنك ستضحي بسعادتك من أجل تحقيقه؟
- ما هي الأنشطة التي تحفزك في الحياة؟
اقرأ أيضاً: تكتم أهدافك أم تعلنها؟ علماء النفس يجيبون
5 إرشادات تساعدك على وضع أهداف تناسبك
الآن حان الوقت من أجل وضع أهدافك التي تناسبك أنت لا مَن حولك، ربما تأخذ بعض الوقت في فهم ما تريد، لكن حاول اتباع النصائح التالية:
1. افهم نفسك جيداً
بعد تخرجي من كلية العلوم السياسية، التحق جميع أصدقائي والمحيطين بي ببرنامج الدراسات العليا، وقتذاك قدمت على طلب من أجل دراسة الماجستير، استمرت الدراسة عامين قبل أن أدرك أن السياسة ليست مساري المفضل، ولهذا قبل أن تحدد أحلامك وفق الآخرين، افهم نفسك جيداً، حدد بوضوح المكان الذي تقف فيه والوجهة التي تود الوصول إليها.
2. ابدأ بقيمك الأساسية
يُعرّف قاموس كامبريدج (Cambridge Dictionary) القيم على أنها المعتقدات التي يمتلكها الناس، وخاصة حول ما هو صحيح وما هو خاطئ وما هو الأهم في الحياة، وعادة ما تتحكم القيم في سلوكك، فحين تتواصل مع قيمك الأساسية تشعر بالرضا، وحين تبتعد عنها تحس بالضياع، بمعنى آخر، يمكن القول إن القيم هي الأشياء التي لن تتخلى عنها أبداً تحت أي ظرف من الظروف، إنها أعمق معتقداتك لأنها راسخة بعمق لدرجة أنها أصبحت جزءاً من هويتك.
على سبيل المثال، الأسرة والنمو الشخصي والعائلة والصداقة قيم، ما يهم أكثر هو ما تقدرّه أكثر، ولا يوجد في تحديد القيم الأساسية صواب أو خطأ، إنها عملية فريدة تخص كل شخص، وتكون بمثابة البوصلة التي تمنحك الاتجاه، ومن المهم للغاية أن تربط أهدافك بقيمك، حتى تمنحها معنى أعمق ولا تتخلى عنها بسهولة.
على سبيل المثال، تخيل أنك تقدّر أسرتك وتمنحها قيمة عليا، وحين قررت أن تصمم أهدافك، اخترت السفر للدراسة أو العمل خارج البلاد تأثراً بالمحيطين، في هذه الحالة سوف تتراجع عن هدفك مبكراً، ولكن إذا قررت أن تعمل في بلدك وتقضي وقتاً أطول مع عائلتك فستعيش حياة مرضية بالنسبة لك.
3. حدد رؤيتك لأهداف العام الجديد
الرؤية هي السبب الرئيسي الذي يدفعك صوب أهدافك، وعادة ما تتضمن رؤيتك ما تؤمن به وتود إنجازه في المستقبل، وفي هذا السياق، تشرح المختصة النفسية، تيري بلي، أنك يجب أن تكون على دراية كبرى بالأسباب التي تدفعك إلى تبني أهدافك، ويجب أن تبحث عن هذه الأسباب بعمق وتسأل نفسك مراراً وتكراراً لماذا قررت أن تحدد هذا الهدف دون غيره.
4. ابدأ بما يمكنك إنجازه وليس بما تريد تحقيقه
أدرك أن هذه الخطوة تبدو غير واضحة بعض الشيء، لكن في بعض الأحيان يصمم الأشخاص أهدافاً غير واقعية ولا تناسبهم تحت ضغط الأقران والمحيطين، ولذلك حين تقرر تحديد أهداف العام الجديد حاول اختيار الأنشطة التي يمكنك إنجازها وتستمتع بها، وقبل الانخراط في تحقيق تلك الأهداف، اسأل نفسك إن كانت مناسبة لنمط حياتك ومتوائمة مع الأنشطة الأخرى التي يجب إنجازها يومياً.
5. ركز على الاستمتاع بالرحلة لا على الوجهة
في الماضي البعيد، حين قررت الالتحاق ببرنامج الماجستير، كنت أركز وقتها على الوجهة، إذ رأيت الكثير من أصدقائي يحققون نجاحاً كبيراً، ولكن مع تعثري وعدم القدرة على إنجاز المخطط البحثي شعرت بخيبة الأمل والفشل الذريع، ومع مرور الوقت أدركت أن غرض الأهداف ليس الوصول إلى بعض النجاحات الكبرى مثل الترقية في العمل أو الوصول إلى جسم مثالي أو حتى الحصول على شهادة الماجستير، ولكن يجب الاستمتاع بالرحلة، حتى تخلق لنفسك شعوراً مستمراً بالإنجاز، هذا الشعور هو الذي سيجعلك تتمسك بأهدافك حتى النهاية وتتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها نابعة من داخلك وتخصك أنت.
في هذا السياق، ينصحك الطبيب النفسي، بندر آل جلالة، حين تضع أهداف العام الجديد، بأن لا تركز على أهداف تؤديها مثل الحصول على شهادة، ولكن احرص على اكتساب صفات وأنماط تفكير جديدة مثل المرونة والسلام الداخلي والثقة بالنفس، وذلك لأنك النجاح ليس فقط أموراً تحصل عليها وإنما شخصية تبنيها.