كأي شخص آخر، مررت بخيبات أمل كثيرة. بعضها حطم قلبي، والبعض الآخر تركني خاوية وبحاجة لما يعيد لي توازني الداخلي. أحياناً، كنت أجد العزاء في دفء العائلة، وأحياناً أخرى في هواية تسرقني من أفكاري، أو نشاط يمنحني لحظة صفاء. لكن من بين كل تلك الخيارات، لطالما جذبتني فكرة امتلاك كلب صغير. كما يقال، الكلب هو أفضل صديق للإنسان، وذلك لسبب وجيه؛ فهي بفرائها الجميل وحيويتها العالية ومحبتها اللامحدودة، قد تجيد المواساة كما لا يفعل أحد.
محتويات المقال
مع ذلك، أتردد في اتخاذ مثل هذه الخطوة خوفاً من فقدان رفيق عزيز، خاصة مع قصر عمره نسبياً. لكن عموماً، تتمتع الكلاب بقدرة ملحوظة على تهدئة القلق وتحسين المزاج وتوفير الراحة بطرق تضاهي العلاجات النفسية الأخرى. ما هي الأسباب العلمية والآليات النفسية وراء ذلك؟ إليك الإجابة في هذا المقال.
1. يقدم لك دعماً غير مشروط
تشير الدراسات الحديثة إلى أن دعم الكلاب قد يكون أكثر فعالية من الدعم البشري في تخفيف التوتر والقلق. ففي تجربة نشرت نتائجها في مجلة الطب النفسي الحديث، طلب الباحثون من المشاركين إجراء حساب ذهني أو تحمل اختبار "الضغط البارد"، حيث يغمرون أيديهم في الماء المثلج، أظهر الأشخاص الذين كان كلبهم حاضراً انخفاضاً أكبر في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب مقارنة بمن رافقهم صديق أو شريك. كما أظهرت دراسة نشرتها مجلة "إيموشن" أن التفاعل مع الكلاب بعد مهمة مرهقة أدى إلى تحسن ملحوظ في المزاج وانخفاض القلق، مقارنة بمن لجؤوا إلى التلوين أو الانتظار.
تؤكد هذه النتائج أن الحيوانات الأليفة، وخاصة الكلاب، تقدم نوعاً فريداً من الدعم العاطفي الذي يتجاوز أحياناً تأثير الدعم البشري، ويسهم في تحسين الصحة النفسية بطرق ملموسة.
يعود سبب هذا التأثير إلى طبيعة الدعم الذي يقدمه الكلب؛ فهو دعم غير مشروط وخال من الأحكام. كما تقول المختصة النفسية هانا رايلا: "كلبك لا يصدر أحكاماً عليك بسبب توترك أو ضعفك، وإذا كان يهز ذيله، فقد تلتقط منه مشاعر إيجابية".
2. يساعدك على توازن هرموناتك
إن العلاقة بين الإنسان وكلبه ليست عاطفية فحسب، بل كيميائية أيضاً. فقد لاحظ الباحثون في دراسة نشرتها دورية آفاق في علم النفس أن مستويات هرموني الأوكسيتوسين (هرمون الحب) والكورتيزول (التوتر) لدى أصحاب الكلاب وكلابهم تتغير تبعاً لأسلوب التفاعل الجسدي بينهما. إذ إن التلامس اللطيف مع الحيوانات، كالتدليل والتواصل البصري وحتى الاقتراب منها، يزيد هرمون الأوكسيتوسين ويخفض الكورتيزول لدى المالكين.
يرتبط هرمون الأوكسيتوسين تحديداً بالترابط والتواصل الاجتماعي، ويولد إفرازه في أثناء التفاعل مع الحيوان الأليف شعوراً بالثقة والرفقة بما يهدئ الجهاز العصبي، ويجعل المالك أكثر هدوءاً وأقل توتراً. علاوة على ذلك، أشارت المختصة النفسية، خمائل الصالح، أن وجود كلب في المنزل يعزز التواصل بين أفراده، من خلال تعاونهم في الاعتناء به ورعايته.
اقرأ أيضاً: كيف استطاعت الكلاب مساعدة الطلبة على تجاوز الضغوط الدراسية؟
3. يشعر بقلقك دون أن تخبره
عندما يشعر البشر بمشاعر مثل الخوف أو السعادة يصدرون إشارات كيميائية في رائحة الجسم، ونظراً إلى أن الكلاب لديها ما يصل إلى 300 مليون مستقبل شمي، مقارنة بستة ملايين فقط لدى البشر، فإنهم يستطيعون اكتشاف هذه التغيرات غير المرئية في الرائحة والتفاعل معها.
وجدت دراسة نشرتها دورية بلوس ون أن الكلاب التي تعرضت لـ "عرق الخوف" البشري أظهرت ارتفاعاً في معدل ضربات القلب وسلوكيات توتر أكثر، بينما حافظت الكلاب التي تعرضت لـ "عرق الفرح" على استرخائها.
يتضاعف هذا الوعي الشمي بما يطلق عليه العلماء "العدوى العاطفية"، أي الميل إلى محاكاة الحالة العاطفية للآخرين، ما يشير إلى استجابة فيزيولوجية مشتركة للمشاعر البشرية. لذا عندما تشعر بالقلق، قد يصبح كلبك متوتراً أو متشبثاً بك لأنه "يشعر" بتوترك، لكنها عامة تفضل البقاء بالقرب من صاحبها لطمأنته بدلاً من التصرف بعدوانية، على عكس الاعتقاد السائد.
4. يجعلك تحظى بحياة أكثر سعادة
تحفز الحيوانات الأليفة، وخاصة الكلاب، أصحابها على ممارسة النشاط البدني بانتظام، مثل المشي أو اللعب أو غيرها من أشكال التمارين الرياضية. يعتبر هذا النشاط في حد ذاته أحد وسائل تخفيف التوتر الفعالة، فهو يعمل على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وإطلاق الإندورفين "هرمون السعادة"، ومساعدة الأفراد على الانغماس في اللحظة الحالية والابتعاد عن الضغوط النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، تمنح رعاية الحيوانات الأليفة نوعاً من التنظيم للحياة اليومية؛ إذ تولد مهام مثل إطعامها والعناية بها شعوراً بالمسؤولية والهدف، وهو ما يساعد الأفراد على الثبات خلال فترات الاضطراب أو التوتر، هذا الانتظام اليومي ينعكس إيجاباً على الصحة النفسية، لأنه يعزز التركيز على أنشطة بسيطة ومريحة، ويقلل الانشغال بالأفكار المجهدة أو السلبية.
5. يمكنه أن يخفف عنك أثر اضطراب ما بعد الصدمة
واحد من أهم المسارات النفسية التي يمكن الاستعانة فيها بالكلاب هو علاج المصابين باضطراب ما بعد الصدمة مثل المحاربين القدامى، فالكلاب في هذه الحالة تعد علاجاً تكميلياً إلى جانب العلاجات التقليدية الأخرى مثل العلاج بالكلام والأدوية، لأنها تخفف الأعراض لديهم، بما في ذلك التهدئة واستعادة الشعور بالأمان.
على سبيل المثال، قد يصاب الذي يعاني اضطراب ما بعد الصدمة بالفزع ونوبة هلع إذا شك بأن أحداً ما يقترب منه في متجر مزدحم، لكن حيوانه الأليف مثل الكلب يقف أمامه ليمنحه مساحة آمنة تساعده على التحرك بهدوء، ما يقلل شعوره بالتهديد أو الفزع الناتج عن اقتراب الآخرين.
علاوة على ذلك، يمكن للكلب أن يتدخل بتنبيهه ومقاطعة تسلسل القلق، ما يساعده على التركيز في الحاضر من خلال مداعبة الكلب، وهي طريقة فعالة للحد من تصاعد النوبة أو منعها تماماً.
التأثير السابق أثبتته علمياً دراسة نشرتها دورية علم النفس العصبي والغدد الصماء، توصلت إلى أن مستويات هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) لدى المحاربين القدامى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة في حال امتلاكهم كلباً تصبح أقرب إلى المعدلات الطبيعية.
اقرأ أيضاً: علمياً: امتلاك حيوان أليف يعادل زواجك أو زيادة دخلك