لماذا يرفض الشخص الكتوم التحدث عن نفسه؟

الشخص الكتوم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يكره الشخص الكتوم التحدث عن نفسه أو ذكر أي تفاصيل عن حياته وكلما وجَّه إليه أحد ما سؤالاً يخصه حاول تغيير الموضوع على الفور، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق حواجز كبيرة بينه وبين الآخرين. اعتادت سميرة البالغة من العمر 43 عاماً، الاستماع إلى الآخرين ومواساتهم ومحاولة إضحاكهم عندما يمرون بظروف صعبة ولكنها تشعر بعزلة كبيرة رغم ذلك وتقول: “علاقاتي بالآخرين غير سليمة لأنني لا أتحدث عن نفسي مطلقاً فلا أحد ممن حولي يعرفني حق المعرفة”، فما سبب هذا التكتم الشديد برأيكم؟
يكره الشخص الكتوم التحدث عن نفسه أو ذكر أي تفصيل عن حياته وكلما وجَّه إليه أحد ما سؤالاً يخصه حاول تغيير الموضوع على الفور، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق حواجز كبيرة بينه وبين الآخرين فما سبب هذا التكتم؟ وكيف يمكن للشخص الكتوم أن يتعلم التعبير عن نفسه؟

اعتادت سميرة البالغة من العمر 43 عاماً، الاستماع إلى الآخرين ومواساتهم ومحاولة إضحاكهم عندما يمرون بظروف صعبة لكنها تشكو الشعور بعزلة كبيرة على الرغم من ذلك، تقول سميرة: “علاقاتي بالآخرين غير سليمة لأنني لا أتحدث عن نفسي مطلقاً فلا أحد ممن حولي يعرفني حق المعرفة”. أما عن سبب ذلك فتقول: “أخشى دائماً أن أصيب من حولي بالملل إذا تحدثت عن نفسي لذا ألتزم الصمت وأحاول تغيير الموضوع كلما سألني أحدهم عن أمر يخصني”. عندما لا يتكلم المرء عن نفسه فإن من حوله لن يروه بوضوح وقد يعزون تكتمه هذا إلى الخجل الشديد.

لكن حتى الشخص شديد الخجل سينفتح على الآخرين في النهاية عندما يشعر بالثقة. أما بالنسبة إلى سميرة فالحال ليست كذلك مهما كان نوع العلاقة التي تربطها بالآخر، يقول الطبيب النفسي جيرار ماكورون (Gérard Macqueron): “يتجنب الشخص الكتوم أي محادثة مباشرة لكي لا يضطر إلى الكلام عن نفسه، أو على العكس من ذلك فقد يتحدث عن نفسه لكنه يقدم معلومات غير صحيحة، للحفاظ على حالة التكتم والاختباء هذه”، وفي كلتا الحالتين يعاني الشخص الكتوم بسبب عدم التعبير عن ذاته، ويقول مختص الطب والتحليل النفسي آلان براكونييه (Alain Braconnier): “نحن كائنات اجتماعية وتبادل الكلام والمشاركة حاجتان أساسيتان بالنسبة إلينا ولا سيما في عصرنا هذا الذي يولي قيمة كبيرة للتعبير عن الذات”.

شعور بغياب الأمان الداخلي

يقول آلان براكونييه: “عندما أطلب من مرضاي أن يحدثوني عن أنفسهم في الجلسة الأولى فإن الكثير منهم يجيب: حسناً، لكن لا أعرف ما الذي يمكنني قوله”. ليس سهلاً على المرء التحدث عن نفسه لأن ذلك يتطلب منه التمتع بقدر كافٍ من تقدير الذات والأمان الداخلي، وكلما افتقر إلى هذين العنصرين ازداد تكتمه، تقول سميرة: “أخاف من نظرة الآخرين إليّ، فأنا أخشى أن تُستخدم نقاط ضعفي ضدي إذا كشفت عنها”.

يقول جيرار ماكورون: “عندما يفتقر المرء إلى الشعور بالأمان يصبح من حوله مصدر تهديد بالنسبة إليه ولذلك فإنه يشعر بخوف كبير من فكرة الاسترسال في التحدث عن نفسه”، ويضيف آلان براكونييه: “إنه الخوف من أن ينتهك أحد حيزه الشخصي ولا سيما إذا تعرض لذلك باستمرار من قبل، ولهذا فإن أفضل طريقة لحماية هذا الحيز وإبقائه خفياً هي التزام الصمت”. من جهة أخرى يوضح مختص الطب والتحليل النفسي بيير ليفي سوسان (Pierre Lévy-Soussan) أن شعور الطفل بأنه ليس محط تقدير والديه يرسخ لديه في الكبر قناعة مفادها أنه غير جدير باهتمام من حوله ولذلك فإنه يكتفي بالاستماع إلى الآخرين ولا يرى ضرورة للكلام عن نفسه.

التربية على ثقافة التكتم

يقول آلان براكونييه: “يتربى بعض الأشخاص على ثقافة التكتم الشديد إلى درجة أنها تطغى على علاقاته في الكبر مهما كانت هذه العلاقات وثيقة، إذ يخاف المرء في هذه الحالة أن يكشف عن كل ما يخصه إذا تكلم”، لكن ما الذي يجعله يخاف الكلام إلى هذا الحد؟ يقول بيير ليفي سوسان: “الكلام هو تعبير عن العلاقة مع الآخر فإذا تربى الطفل في بيئة اتسمت العلاقات فيها بقلة التواصل يصبح الكلام مصدر خوف بالنسبة إليه وعبئاً لا يجيد التعامل معه لذلك فهو يرى أن التزام الصمت هو الحل الأسلم”. ويقول جيرار ماكورون: “عندما يكون التواصل سطحياً بين أفراد العائلة فإن التعبير عن الذات يصبح لغة غريبة بالنسبة إلى الطفل لأنها غير مستخدمة في بيئته، وعلى الرغم من ذلك فإنها كغيرها من اللغات يمكن للمرء تعلمها في أي مرحلة من حياته”.

نصائح للشخص الكتوم

يقول الطبيب النفسي جيرار ماكورون: “حاول البدء بالتحدث عن نفسك باعتدال دون أن تكشف عنها بالكامل، ويمكنك أن تنخرط في دورات التمثيل مثلاً لأنها تسمح لك بالتعبير عن نفسك في أثناء أداء الأدوار، كما أن الإنترنت تتيح لك التعبير عن نفسك دون أن تكون مرئياً، لكن خطوات كهذه تمثل البداية فحسب”.

مختص الطب والتحليل النفسي، بيير ليفي سوسان

“ما الذي يمنعك من الكلام عن نفسك؟ هل هي النظرة الذاتية أم خوفك من نظرة الآخرين إليك؟ حاول أن تفهم قوة الكلمة ودورها بالنسبة إليك وهذا عمل ذاتي يتطلب وقتاً طويلاً لكنه ضروري”.

يقول ماجد ذو الـ 34 عاماً “اعتدت التزام الصمت حتى عندما أكون مع أقاربي وفي إحدى المرات كنت وأفراد العائلة مجتمعين في منزل أخي وفجأة ألقى الأخير نكتة جعلتني أستفيض في الكلام عن نفسي وتجاربي وعلاقتي بمن حولي وبعد أن أنهيت كلامي تفاجئت برد فعل من حولي إذ بدوا جميعاً مرتاحين لرؤيتي أتحدث، ومنذ ذلك الحين تعلمتُ كيف أتكلم باعتدال ولم أعد شخصاً كتوماً”.

تقول علياء ذات الـ 43 عاماً: “عندما انتقلت إلى مدينة أخرى كان عليّ التعرف إلى صديقات جدد. كانت لمياء جارتي في المبنى الذي سكنت فيه، وذات مرة قالت لي أنني أكرر أسئلتها دائماً دون أن أجيب على أي منها ثم أصبح الأمر أشبه بلعبة بيني وبينها فكلما كررت أسئلتها ذكرتني بأن عليّ الإجابة. كنا نضحك من الأمر دائماً ما جعلني أتخلى عن تحفظي، وأنا الآن أتحلى بالثقة الكافية للانفتاح على الآخرين”.