ملخص: يميل البعض إلى إدارة كل صغيرة وكبيرة بنفسه في الحياة الشخصية والمهنية حتى لو كان بإمكانه تفويض الآخرين أو طلب المساعدة منهم. هذا السلوك مرهق بحق، فما أسبابه؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟
تعمل نادية ذات الـ 45 عاماً مديرة مشاريع الموارد البشرية في إحدى الشركات، وقد اعتادت تنظيم كل شيء بنفسها سواء في العمل، أو حتى خلال قضاء إجازة مع أسرتها، وتقول نادية: "أسبق الآخرين دائماً إلى أخذ زمام المبادرة، وذلك لأنني أحب تنفيذ أي مشروع وفق ما أراه ودون تأخير وخلاف ذلك سأشعر بالانزعاج. وفي حين أن سلوكي هذا يمنح زملائي في العمل راحةً كبيرةً، فإنه أثّر سلباً في زوجي وابنتي، فعلى الرغم من أنني أحاول حثهما باستمرار على التحلي بقدر أكبر من الاستقلالية فإنهما يعودان إليّ دائماً لسؤالي عن كيفية التصرف في هذا الموقف أو ذاك".
عدم الثقة بالنفس: تقول مختصة العلاج بالتحليل النفسي أوديل شابريلاك (Odile Chabrillac): "يعبر سعي المرء المفرط إلى تنظيم الشؤون كلها عن حاجة إلى السيطرة وذلك لعدم ثقته بنفسه أو الحياة أو الآخرين".
يرى الشخص في هذه الحالة أن الحياة مليئة بالمفاجآت غير السارّة التي لا يمكن لمن حوله التعامل معها، الأمر الذي يثير فزعه، ومن ثم فإنَّ توقُّع كل ما قد يحصل مقدماً هو أفضلُ طريقة يُطمئن بها نفسه، ولا سيما إذا كان يظن أنه يعرف الأصلح له وللآخرين.
وتقول أوديل شابريلاك: "يظهر ذلك جلياً على وجه الخصوص في علاقة هذا الشخص بطفله؛ إذ يعتبره امتداداً له إلى درجة أنه ينسى اختلافه وتفرده، ويظن خطأً أنه يسعده حينما يرتب له شؤونه كلها في حين أن هذا الأسلوب سيرسخ الاتكالية لدى الطفل".
دور يرجع إلى الطفولة: من الواضح أن لهذا السلوك جذوراً ترجع إلى الماضي؛ إذ توضح مختصة التحليل النفسي عبر الأجيال جولييت آليه (Juliette Allais) إنه انعكاس لدور اعتاد المرء تأديته خلال طفولته، وتقول: "قد يحدث أن يأخذ الطفل دور الوالدين في بعض العائلات سواء على نحو مؤقت أو دائم".
يجد الطفل نفسه مطالَباً بإدارة مهام وتحمل مسؤوليات في سن مبكرة جداً، ومن ثم فإنه يأخذ دوراً لا يلائمه، ومن جهة أخرى ثمة عائلات تعيش دون قواعد، فيحاول الأطفال تنظيم هذه الفوضى بأنفسهم ليتمكنوا من احتواء القلق الذي يشعرون به.
وتعتقد جولييت آليه أن ميل بعض النساء إلى إدارة المهام كلها يشير إلى النشأة ضمن أسر اعتادت فيها الأمهات التقليل من شأن الآباء أو إلى أن الأخيرين لم يتحملوا مسؤولياتهم الأسرية، وتقول المختصة: "نشأت هؤلاء النساء على فكرة أنه لا جدوى من الرجل ومن ثم فإن عليهن الاهتمام بكل شيء بدلاً منه، وهي طريقة بالنسبة إليهن أيضاً للتحكم في العلاقة مع الزوج والسيطرة عليه".
أخاف ألا يحبني الآخرون: في سن الرشد، يتابع الشخص الذي اعتاد تحمل المسؤولية في الطفولة تنظيم حياته وحياة أحبائه انطلاقاً من الولاء الأسري، وتقول أوديل شابريلاك: "وعلى الرغم من ذلك فإن ولاء المرء لأسرته لا يتنافى مع تمتعه بالحرية؛ إلا إذا كان يشعر أن من حوله يحبونه للدور الذي يؤديه في حياتهم وليس لذاته".
وتضيف جولييت آليه: "حينما يشعر المرء في طفولته بأنه محبوب لما يتحمله من مسؤوليات وليس لأن ذلك من حقه كطفل، فإنه ينشأ وهو لا يدرك ماهية الروابط العاطفية التي تجمعه بالآخرين، فيتوهم أن تنظيم شؤونهم وحده سيمنحه أهمية في نظرهم". لكن ذلك سيكلفه الكثير؛ إذ إن الإرهاق الجسدي والنفسي اللذين سيعانيهما سيفوقان الراحة التي سيشعر بها حين يتولى تنظيم شؤون من حوله.
كيف تخفف رغبتك في تنظيم كل شيء بنفسك؟
تخيّل أنك امتنعت عن المشاركة وقيّم النتائج
تقول مختصة التحليل النفسي عبر الأجيال جولييت آليه: "لا تحاول مقاومة ميلك إلى تنظيم كل شيء بنفسك؛ بل تقبّله لأن هذا سيتيح لك تغيير سلوكك على نحو أسرع". وتقترح المختصة عليك أن تتخيل المواقف التي يمكن أن تمتنع عن المشاركة فيها ومن ثم السيناريوهات التي قد تنتج من ذلك، والهدف هو التعرف إلى ما يُشعرك بالقلق في هذه الحالة، وتحديد مدى جديته.
اطلب المساعدة وفوّض الآخرين
بدلاً من أن تقرر ما هو الأصلح للآخرين، تقترح مختصة التحليل النفسي أوديل شابريلاك عليك أن تسألهم عما يريدونه؛ كما تقترح عليك جولييت آليه أن تجرب طلب يد العون منهم من خلال تجربة تفويضهم بمهام صغيرة لا تنطوي على الكثير من المجازفة.
حرر ذهنك
إذا كنت ممن يدأبون على تنظيم كل صغيرة وكبيرة فلا بد أنك تعاني إرهاقاً ذهنياً، لذا تنصحك كل من أوديل شابريلاك وجولييت آليه بأن تجرب تحرير ذهنك من خلال ممارسة التأمل؛ إذ يتيح لك ذلك التفكير بهدوء في المهام التي تريد الاستمرار في تنظيمها وتلك التي تشعر أنه بإمكانك التخلي عنها.
الحل الذي توصلت إليه كوثر
تقول كوثر ذات الـ 37 عاماً وهي مساعدة تنفيذية: "لطالما حملت على عاتقي مسؤولية إنجاز مهام من حولي، ففي مراهقتي كنت أساعد والديّ في ملء مستندات معاملاتهم الإدارية، وحتى أنني كتبتُ خطاباً تعريفياً لأخي الأكبر، وفي مرحلة الرشد واصلت على النحو ذاته فكنت أنظم المهام كلها بنفسي؛ مثل تخصيص ملف للوجبات التي سأعدها لعائلتي خلال الأسبوع، أو حتى تولي ترتيب اجتماع لم الشمل مع صديقاتي، وغير ذلك، ثم أدركت أن الأمر سبب لي تعباً ذهنياً وأنني غير قادرة على اغتنام الوقت الحاضر، ولذلك لم أعد أعرض خدماتي حينما تكون هنالك مناسبة تتطلب تنظيماً وصرت أعي أنه إذا لم تسر الأمور كما خططتُ لها فإنها ليست كارثة".