كيف تتجاوز عقدة كراهية اسمك؟

(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد يكون اسم الإنسان مبتذلاً أو أصيلاً، سخيفاً أو غريباً، بل إنه قد لا يعجب حتّى صاحبه. فماذا يخفي هذا الشعور؟ وكيف ننسجم مع هذه الكلمة المؤسِّسة لوجودنا؟

لماذا يكره البعض اسمه؟

اختار والداه أن يسمّياه سيغيسموند شلومو لكنه غيّر اسمه بعد 20 عاماً ليصبح سيغموند. إنه مؤسس علم التحليل النفسي، سيغموند فرويد (Sigmund Freud) الذي يقول: “اسم الإنسان مكوِّن من المكونات الأساسية لشخصيته”، دون أن يوضح أبداً هذا البتر الذي تعرض له اسمه الأصلي.

ويُروى أن والدة فرويد كانت تحب مناداته بتصغير اسمه إلى سيغي، وسيُطرح السؤال حول رفضه لمقطع “إِس”(is) من هذا الاسم؛ وهو السابقة التي تدل على الشعب اليهودي ونجدها في الكثير من الأسماء العبرية مثل “إسحاق”. وفي الأحوال جميعها، فإن: “كراهية الاسم الشخصي لا تعود دائماً إلى طبيعة الاسم نفسها وإنما إلى ما يمثّله”، في اللّاوعي الجماعي وفي نظرنا ونظر الوالدين، وفقاً لما يشير إليه أستاذ علم النفس الاجتماعي نيكولا غيغوين (Nicolas Guéguen).

اسمي ليس هو أنا

ينبه المحلل النفسي فنسنت لوكور (Vincent Le Corre) إلى أن: “الاسم له وظيفة أساسية هي تحديد هويتنا، فوحده هذا الدّال واللفظ، يحمل المدلولات؛ أي المعاني والرموز”. اسم مثل جان إدوارد يحيل على الثراء، واسم ثريا يدل على الأصول العربية، وللأسماء كلها إحالات معينة. لذا؛ ترى المعالجة النفسية جولييت أليه (Juliette Allais) إن: “بعض الناس يعيش مفارقة بين هذه الشحنة الرمزية لاسمه وبين حقيقته أو ما يطمح أن يكون عليه”. فيبدأ نوع من الصراع النفسي، “ثم تبدأ عملية تقبّل الاسم التي ليست عملية سهلة” وفقاً لتحليل فنسنت لوكور. وتتطلب هذه العملية وقتاً لكنها تصبح صعبة بالنسبة إلى أولئك الذين ينقصهم التقدير الذاتي والثقة بالنفس، ويبنون بسبب ذلك هويتهم على أساس الصورة التي يعكسونها، لا سيما “بوساطة” أسمائهم.

نرجسيتي ضعيفة

كتبت فرانسواز دولتو (Françoise Dolto): “من بين الكلمات التي يسمعها الطفل كلها، ثمة كلمة واحدة ستكون ذات أهمية مصيرية لضمان التماسك النرجسي لذاته: إنها اسمه”. ولكن إذا لم يحبّ اسمه فهل هذا يعني أنه لا يحبّ نفسه؟ يجيب نيكولا غيغوين: “قد يكون ذلك في الحقيقة دليلاً على انطباع سلبي عن الذات”.

وعندما نحتقر أنفسنا أو نعاني شعوراً بعدم الارتياح فقد يكون من الضروري ألّا نولي أهمية لما هو مادّي؛ مثل أجسامنا أو أسمائنا، فتعزز هذه العقدة على نحو معقول نرجسيتنا الهشة.

ثِقل الموروث

تدخل إسقاطات الوالدين وتخيلاتهما ورغباتهما الواعية واللّاواعية في صميم عملية اختيار الاسم. وتلاحظ جولييت أليه أن: “بعض رغباتهما يمكن أن يكون مربكاً للطفل، فيشعر بضغط معين؛ مثل أن ينتظرا منه أن يشبه كائناً آخر محبوباً عندهما، أو أن يكون في مستوى شخصية مشهورة أو تاريخية، أو يكون مُصلحاً اجتماعياً، أو يحافظ على إرث ثقافي معين، فتُثقل هذه التخيلات كلّها كاهل الطفل بواجب ووظيفة معينة”.

وعندما يشترط الوالدان من أجل حبّهما للطفل واعترافهما به وتقديرهما له إرضاء مخططاتهما ورغباتهما الخاصة، فإنهما يعقّدان عملية تشكيل هويته، فيدفعه ذلك إلى التساؤل: “كيف أستجيب لتطلعات والدَيّ وأنا لست مثلما يتوقعان؟ وهل يحبانني فعلا”؟

كيف تتجاوز عقدة كراهية اسمك؟

اعتمد على اسم مصغّر

يقترح أستاذ علم النفس الاجتماعي نيكولا غيغوين التحايل على المشكلة باختيار: “اسم مستعار أو مصغّر يحظى بالإعجاب”. وهذا ما يفعله أيضاً المراهقون في أوج مرحلة بناء هويتهم من أجل “فرض” شخصياتهم بقوة. “وقد أوضح بعض أبحاث علوم السلوك أن الأسماء المصغّرة سهلة الحفظ وتقوي الروابط الاجتماعية والودية وتثير العواطف”.

ابحث عن السبب الحقيقي

تقول المعالجة النفسية جولييت أليه: “على غرار عقدة النقص الجسدي التي نسعى إلى إخفائها بواسطة عمليات التجميل، من الضروري أن نتساءل حول رغبتنا في تعديل الاسم، وما الذي نريد أن نصححه فيه، وما إذا كان الاسم هو المشكلة الوحيدة التي نعانيها. وقد تمثل إعادة صياغة هذا الاسم سبباً في تحرّرنا من هذه العقدة؛ لكننا لن نتغير أبداً في العمق”. وإذا تبين أن ثمة صعوبات أعمق، فمن الأفضل أن نبحث عن أسبابها بمساعدة معالج نفسي.

تحاور مع والديك

بالنسبة إلى المحلل النفسي فنسنت لوكور، فمن غير المجدي التفكير: “في أسباب حصولك على اسم مهين، أو أن تتساءل عمّا كان يفكر فيه والداك عندما اختارا لك هذا الاسم، فمن الأفضل أن تسألهما مباشرة: “لماذا اخترتما لي هذا الاسم؟ ما الرسالة التي كنتما ترغبان في نقلها إليّ باختياركما لهذا الاسم؟ ومن منكما اختاره؟ وهل كان الآخر متفقاً معه؟” إلى غير ذلك من الأسئلة”. فاكتشاف التطلعات التي قادتهما إلى اختيار ذلك الاسم يمكن أن يضع حداً للأوهام والإسقاطات كلها التي يمكن أن تدور في بالك”.

تجربة شخصية

تقول حياة؛ الطبيبة البالغة 47 عاماً من العمر: “لطالما كرهت اسمي. لقد كان يذكرني باسم والدي يحيى، وكان أباً دون مشاعر ومنعزلاً، ويؤذي والدتي، فكنت أرغب في تعديل اسمي ومحو ما يربطني به، أو أن اكتفي بلقب “دكتورة” دون اسمي الشخصي، ولم أرضَ بهذا الاسم إلا بعد أن كبرت وتقدمت في السن. فكما نتقبّل ماضينا ووالدينا وأصولنا وما نحمله بداخلنا، فإننا نستطيع أيضاً أن نتقبّل أنفسنا على نحو كامل، لقد تطلّب ذلك وقتاً لكنني اليوم سعيدة بتحمّل عبء هذا الاسم”.